الأحد 30/يونيو/2024

باجس نخلة…رحلة من العطاء داخل أقبية الأسر

باجس نخلة…رحلة من العطاء داخل أقبية الأسر

لا يقترب منه أحد إلا ويدهش من عطائه وشمائله الجمة.. له من الصفات السلوكية والتجارب الحياتية ما يأسر القلوب ويجذب الأنظار.. إنه الأسير البطل المعزول والمضرب عن الطعام الشيخ باجس نخلة، من مخيم الجلزون شمال رام الله.

يقول عنه الأسير المحرر أحمد بيتاوي: “خلال اعتقالي الأخير في سجن عوفر كان لي شرف التعرف أكثر على الشيخ باجس نخلة؛ فقد عشت معه في نفس الغرفة مدة زادت عن 4 شهور، كانت كافية لتلمّس بعض جوانب شخصيته عن قرب”.

وأضاف بيتاوي لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن السجن والأسر يظهران معادن الرجال، وأبو فارس واحد من هؤلاء الذين بدت محاسنهم دون تكلف أو تظاهر أو تصنع.. كان يتصف بشمائل عدة رفعت من قدره وزادت من احترامه ومحبته بين عموم الأسرى بصرف النظر عن انتمائهم السياسي”.

نخلة والكرم
ويتابع البيتاوي: “أبو فارس كان باسط اليد بكل ما تحمل الكلمة من معنى؛ فالكرم في السجن يختلف عن خارجه، كان يشتري ويُدخل الملابس على نفقته الخاصة ويعطيها للأسرى الجدد وحتى القدامى منهم.. توزيعاته لم تقتصر على سجن “عوفر” فقط بل شملت سجوناً آخرى، ففي إحدى المرات، وعندما علم أنني متوجه لمعبر سجن مجدو أعطاني بعض الملابس والطعام وطلب مني إيصالها للأسرى هناك.. مساء كل يوم كان يأتي وهو يحمل معه ما تيسر من لوزام الغرفة ونواقصها.. كان بارعًا في صناعة الحلويات وتوزيعها، متخصصًا بحفلات الشحرور (الإفراج عن الأسرى)، كل ذلك على حسابه الخاص.. أبو فارس كان يعي أن لذة العطاء أعذب وأجمل من حلاوة الأخذ”.

وعن صفات نخلة، يقول بيتاوي: “كان الرجل، ورغم صعوبة السجن وشدة الأسر، خفيف الظل، ذا شخصية مرحة، يحب الفكاهة وسرد القصص الممتعة.. كان مثقفًا واعيًا، واسع الاطلاع.. تعلَّم من تجارب الحياة أكثر مما قرأه بين سطور الكتب.. كان محبًّا للشعر، يدوّن الأبيات الجديدة ويعلقها على سقف “البرش” ويرددها عدة مرات ليحفظها.. وقبل هذا كان مواظبًا على قراءة القرآن بشكل يومي، أما عند قيام الليل فتراه أول المستيقظين والمُجافين للمضاجع.. كنت أرى من خلال مواقفه القوية مع الأعداء والخصوم عزة المسلم وصلابة المؤمن”.

أبو فارس كان رياضيًّا لا يكتفي بمتابعة الدوري الأسباني، بل تراه يصحوا باكرًا “بعد العدد مباشرة” ويبدأ برنامجه الرياضي الذي يمتد لأكثر من ساعة ونصف جريًا ولعبًا للتمارين المختلفة، بعدها كان يذهب إلى الغرف يعطي المحاضرات والجلسات العامة السياسية والثقافية والفكرية والتنظيمية.

لين الجانب والعمل في الكواليس
وأضاف البيتاوي: “كان الشيخ باجس متواضعًا خافض الجناح ليّن الجانب، لم يمنعه وصف “الأمير العام للأسرى” من الاختلاط بهم والاستماع لشكواهم وملاحظاتهم وحتى انتقاداتهم وعتبهم.. كان صبورا يتحمل الأذى الذي كان يقع من بعضهم، قادرًا على استيعابهم والتعامل معهم بحكمة وطول نفس.. فغرفته كانت ملاذاً لبعض “المأشكحين” (المرضى النفسيين) ومثيري المشاكل”.

وفي المقابل، كان أبو فارس يحترم المؤسسين ورجالات الرعيل الأول وينظر إليهم نظرة خاصة، دائما ما كان يقول لي إنه يتعامل معهم كما كان يتعامل رسول الله مع “البدريين” (الذين شهدوا معركة بدر)، فيغفر زلاتهم ويستر عيوبهم، كان يجلُّهم ويحترمهم ويقدر شيبتهم وسبقهم.. يشاورهم ويستمع لمواقفهم ويجلّها..

أما في العمل السياسي؛ فقد كان أحد رجالات حماس الذين عملوا في الخفاء وخلف الكواليس منذ نشأة الحركة وفي محطاتها المهمّة، فشارك في اختيار مرشحي الحركة لخوض الانتخابات التشريعية والبلدية ورتبوا أسماء قوائمها في الضفة الغربية.

الأناقة واللياقة
كان يهتم بشخصيته وأناقته بصورة كبيرة، يبدل ملابسه باستمرار ويستحمّ في يومه مرتين، فالنظافة في السجن من الأمور الحساسة عند الأسرى، كان يمد يده نهاية كل نهار عبر “الإشناف” (نافذة باب الغرفة) لأملأها له بزيت الزيتون ليسبّل به شعره الأملس.

وأردف البيتاوي: “أعترف أن أبا فارس وقف إلى جانبي وشد من أزري وقلل من شعوري بالغربة (فقد كنت الوحيد من مدينة نابلس بين 120 أسيرًا جميعهم من المدن الجنوبية)، تعلمت منه الصبر وعدم الاستعجال بالحكم على الناس والتفاؤل بالمستقبل، وبشرني بقرب الإفراج عني عندما رأى ذلك في منامه”.

20 سنة سجنًا
وتابع البيتاوي: “مكث الرجل في سجنه 20 عامًا بعضها في العزل الانفرادي، وأبعد إلى جنوب لبنان وما لانت له قناة.. كان يتقدم الصفوف عندما يتراجع الوجِلون.. يواصل المسيرة عندما يتثاقل الآخرون.. يدق على صدره عندما يتململ غيره.. يقف عندما يجلس أقرانه.. عشق فكرته وتشربها لحد الشبع”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات