الجمعة 21/يونيو/2024

أكذوبة باريس وموسكو .. حل الدولتين والمصالحة

ماهر حجازي *

لم يشكل مؤتمر باريس للسلام فارقة في مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المتعثرة أساسا، هذه المؤتمر الذي رعته باريس وأثقل بحضور الرباعية الدولية والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، كل هذه الأوزان السياسية الدولية لم تشفع لمؤتمر باريس بأن لا يواجَه بحملة إسرائيلية رافضة له.

رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتبر مؤتمر باريس “خديعة فلسطينية برعاية فرنسية”، وأنه ضربه لمفاوضات السلام، وسيعيد عجلة المفاوضات إلى نقطة الصفر من جديد، كذلك الجالية اليهودية في فرنسا واجهت المؤتمر باعتصام أمام القنصلية الإسرائيلية في باريس رافضين بذلك هذا المؤتمر وكل ما يخرج عنه باعتباره انحيازا للفلسطينيين.

مقومات مؤتمر باريس للسلام تقوم على اعتراف إسرائيلي بدولة فلسطينية على حدود 67م، وإلزام الجانب الإسرائيلي بالعودة إلى طاولة المفاوضات التي كانت آخر جولاتها برعاية أمريكية أوروبية في نيسان 2014، والتي توقفت جراء رفض الاحتلال الإسرائيلي لوقف عمليات الاستيطان في الضفة والقدس المحتلة، والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 67م والإفراج عن الأسرى القدامى المعتقلين ما قبل توقيع اتفاق أوسلو 1993م.

اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي برعاية أمريكية، لم يحقق أي تقدم منذ توقيعه عام 93م، لم تنسحب “إسرائيل” من المدن التي احتلتها عام 67م واستمر الاستيطان ولم تعترف حتى اللحظة بالدولة الفلسطينية المتفق عليها في إطار أوسلو.

مخرجات مؤتمر باريس وإن فرضنا جدلا أنها ستحال إلى مجلس الأمن للتصويت عليها وإصدار قرار دولي جديد يلزم الاحتلال بالاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 67م، المؤكد أن هذا القرار في حال مُرر دون رفض أمريكي فإنه سيصطف إلى جانب عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتي كان آخرها القرار (2334) القاضي بإدانة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة والقدس والذي رفضته “إسرائيل”، وأصرّت على بناء مئات المستوطنات في تحدٍّ صريح للقرارات الدولية.

كذلك من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي يعلن صراحة دعمه للكيان الصهيوني، لن تصوت في مجلس الأمن لصالح مخرجات مؤتمر باريس، وذلك بتوافق تام مع سياسة ترامب التي يصرح بها تجاه الاحتلال الصهيوني وخاصة حديثه عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى “القدس الغربية” المحتلة، إن علمنا أن قرار نقل السفارة الأمريكية أقره الكونغرس عام 1995م، لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة كانت تماطل في تنفيذ القرار وصولا إلى عهد ترامب الذي تعهد بذلك مما ينذر بتفجر الأوضاع في فلسطين وإشعال انتفاضة جديدة قد تقلب الموازين على رأس حكومة نتنياهو، حتى إن السلطة الفلسطينية خرجت عن المألوف وهددت بسحب الاعتراف بدولة “إسرائيل” في حال نقلت السفارة.

فرنسا تريد من خلال مؤتمرها للسلام توجيه رسالة واضحة المعالم إلى الرئيس ترامب، أن باريس لا تزال قوة محورية ذات تأثير في قضايا الصراع في العالم، ولن تقبل أن تتفرد أمريكا بقيادة ترامب بالقرار العالمي، خاصة فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني- الإسرائيلي.

أما بريطانيا التي امتنعت عن التوقيع على مخرجات مؤتمر باريس، تأتي في إطار استكمال الدعم البريطاني للاحتلال الصهيوني، انطلاقا من وعد بلفور المشؤوم الذي تمر ذكراه المئوية، هذه بريطانيا التي تعتبر المسبب الرئيس لمعاناة الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات ونكباته المتجددة.

أيضا جامعة الدول العربية التي جاءت مشاركتها في سبيل دعم مبادرة السلام العربية التي رفضتها إسرائيل مرارا، ولا تزال الجامعة العربية تتسول هذه المبادرة اليتيمة في مختلف المحافل الدولية.

السلطة الفلسطينية التي تهرول إلى جميع المؤتمرات التي تعنى بالسلام، هي لا تملك أية أوراق قوة تستطيع من خلالها كسب تقدم سياسي أو اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، لا تملك ما يمكن أن يجبر الاحتلال الإسرائيلي على الاعتراف بدولة على حدود 67م، بينما هي تعترف بالدولة الإسرائيلية وتلتزم بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، وتضرب بيد من حديد على المقاومة في الضفة، وتقابل الرفض الإسرائيلي بمزيد من التصريحات المؤيدة للتفاوض وعملية السلام.

من الطبيعي أن لاتقدم هذه المؤتمرات الدولية أي إضافة جديدة في الحالة الفلسطينية والصراع مع الاحتلال، ولا نخطئ إن قلنا إننا نتفق مع الجانب الصهيوني في النظرة لمؤتمر باريس، كما أن فرنسا ليست حريصة على حقوق الشعب الفلسطيني، ولا نثق بنوايا من حضر عربيا أم أعجميا.

بالانتقال إلى لقاء المصالحة الفلسطينية في موسكو الذي نظمه مركز أبحاث روسي، بحضور ممثلين عن الفصائل الفلسطينية وقطبي الانقسام حركتي حماس وفتح، للبحث في آليات إنهاء الانقسام وعودة المياه بين الفرقاء الفلسطينيين.

مما لاشك فيه أن الانقسام له تبعات سياسية وإنسانية ووطنية أثرت سلبا في الحالة الفلسطينية، وأنه لا بد من حل لهذه المشكلة الفلسطينية، لتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني على مختلف الأصعدة.

لقاءات المصالحة السابقة والتفاهمات الموقعة بين حماس وفتح سواء في القاهرة ومكة والدوحة، وحتى اللقاءات الثنائية بين قيادتي الحركتين، لم ترَ النور، والسؤال: هل سيشكل لقاء موسكو البارد اختراقا في ملف المصالحة أم أنه مجرد تخدير للوضع الفلسطيني المتأزم داخليا؟!

بيان الفصائل الفلسطينية في لقاء موسكو، دعا الرئيس محمود عباس إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وربما هي الدعوة العاشرة لتشكيل هذه الحكومة التي تعاني مخاضا عسيرا منذ سنوات، إلا أن المشكلة تكمن بأن الرئيس عباس هو طرف في الانقسام وليس جهة فلسطينية محايدة.

باعتقادي أن صقيع موسكو لن يكون أفضلا حالا من دفء الدوحة ومكة والقاهرة، موسكو التي تسعى لأن تكون بديلا عن الولايات المتحدة الأمريكية، ولاعبا رئيسا في مجريات الأحداث الدولية وندرك حجم التدخل الروسي في القضايا العالمية، ونقول أن روسيا التي تجرح لا يمكن أن تداوي الحالة الفلسطينية.

البيان الختامي للقاء موسكو، عبرت خلاله الفصائل الفلسطينية عن تقديرها للموقف الروسي في دعم نضال الشعب الفلسطيني وحقوقه في المحافل الدولية، عن أي دعم يتحدثون!!؟

كذلك شطحت الفصائل الفلسطينية بمطالبتها موسكو بالضغط على الرئيس ترامب لعدم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والجميع يعلم الخلاف الأمريكي الروسي والصراع على النفوذ العالمي، وما تحدثت به تقارير عن تدخل روسي في الانتخابات الأمريكية، وفرض عقوبات من الأخيرة على الروس، فلا أعتقد أن روسيا ستتدخل في ملف السفارة الأمريكية ولا حتى في دعم الفلسطينيين.

العلاقة بين حماس وفتح أشبه بالمعادلة الرياضية التي تقول “المستقيمان المتوازيان لا يلتقيان في نقطة”، وهي ليست نظرة تشاؤمية؛ برنامج فتح القائم على التسوية والتفاوض يختلف كليا عن برنامج حماس المقاوم، ومن غير المتوقع أن تتخلى فتح أو حماس عن برنامجهما واستبداله بموقف مختلف 180 درجة، لذا يمكن أن نقول أن الانقسام الفلسطيني حالة مرضية فيها بعض الصحية، وحاجة وطنية لاستمرارية القضية، وهي بحاجة للتطعيم بين الفينة والأخرى، في هذه الحالة الخيار للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات للخروج من مأزق الانقسام، بأن يكون الشعب صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وهذا الشعب قادر على بناء مؤسساته وقيادة حياته السياسية الجديدة.

* إعلامي وباحث / إسطنبول

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مسؤولة أممية: ما رأيته في غزة يفوق الوصف

مسؤولة أممية: ما رأيته في غزة يفوق الوصف

جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قالت الممثلة الخاصة لمكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين، ماريس غيموند، الجمعة، إن 9 أشهر من الحرب الإسرائيلية...