السبت 03/أغسطس/2024

السكوت جريمة

د. غازي حمد

(1) مواسم مستنسخة 

ها قد انتهى موسم الانطلاقات.. 

نجحت انطلاقة حماس (29) وجمعت الجموع ….

ونجحت انطلاقة الجهاد (29) وأطلقت مبادرة بلا جناحين ..

ونجحت انطلاقة الشعبية (49) وأكدت على برنامجها….

والديمقراطية ناهزت الـ (48) عاما..

وفتح أوقدت شعلة انطلاقتها (52) لتجديد شبابها وقوتها..

بمجموع عمل وطني يساوي 207 أعوام .

لا مقارنة بين السردية التاريخية الثورية والنتائج الكارثية التي نحن عليها!! 

الانطلاقات : أفراح ..رايات ..أناشيد صاخبة ..شعارات قوية .. جموع هادرة!!

هي صورة يجري استنساخها  كل عام، بنفس الرايات ..نفس الوجوه ونفس الشعارات.. 

ثم ماذا؟!!

أين الوطن (المستباح) من ذلك كله .. أين هي المصالحة ..أين هي الوحدة الوطنية ..أين هو المشروع الوطني (المغيب والمجزأ) ..أين مشاكل الشعب وأزماته ومعاناته من خارطة المهرجانات الحزبية؟؟
لا تغييرات جذرية، لا رؤى سياسية، ولا طروحات واقعية!! 

كل فصيل ذهب-فرحا- إلى حال سبيله ..

فرحا بإثبات قوته والتفاف الجماهير حول برنامجه ..وهو ليس بالشيء المفيد اذا لم يقترن بحراك/ إنقاذ سياسي ووطني. 

في الخطابات، الكل يحترف في استحضار الماضي ..بطولات الماضي ..معاناة الماضي لكنه ينسى/يتجاهل المستقبل والتخطيط له

لا أحد يفكر في كيفية تحويل هذه المهرجانات (الفرصة الذهبية) إلى ساحة انطلاق وطنية، تتمخض عنها رؤية وخطة تحرك المياه الفلسطينية الراكدة منذ عقود!!

في الخطابات، الكل يحترف في استحضار الماضي ..بطولات الماضي ..معاناة الماضي، لكنه ينسى/يتجاهل المستقبل والتخطيط له..ينسى كيف يخرج الناس من أوجاعهم ..كيف يرسم مستقبلا واعدا للجيل الشاب والطموح ..كيف يقدم حلولا عملية للخروج من دوامة الأزمات.

نصفق كثيرا ونهتف كثيرا، لكننا نفقه قليلا!!

نبحث عن الحقيقة وسط أرتال الشعارات وجبال الهتافات ..وقلما نجدها!

لذا فإن الرؤية تبقى دائما ضبابية محيرة .. ويبقى سؤال الناس المزمن: “وين رايحة”!!

إنهم لا يعرفون/أو لا يملكون الإجابة.

(2)أبو مازن ..والهروب من الواقع 

الرئيس أبو مازن خرج (منتصرا) من المؤتمر السابع بـ(فتح) جديدة، وآلت إليه كل مفاتيح الحركة والسلطة ومنظمة التحرير.

لا يعرف الكثيرون – حتى أعضاء المركزية -ما يشغل بال الرئيس الآن. 

ماذا سيفعل بالملفات (المصفطة) على طاولته: مشروعه السياسي، المصالحة، علاقته المتوترة مع دول المحيط ..مشاكله الداخلية في فتح!!

مشكلة الرئيس أنه لا يحب إحداث تغيرات دراماتيكية/مفاجئة في سياساته، ويحب أن يبقى على نفس التقليد حتى وإن سرق من عمره سنوات …بل عقودا .

صارت القاعدة – المقلوبة – : ليس المهم النتائج، وإنما الحراك والعمل!!

صحيح أن أبو مازن خرج قويا كرئيس، لكنه ترك فتح تتصارع وتتوزع بين تيارات، ولم ينجح في لملمة صفوفها أو نزع فتيل التوتر بينها، وهذه أخطر مثالب المؤتمر السابع.

لا يستطيع الرئيس التهرب من حقيقة أن علاقته بحماس-والفصائل عموما- شبه منبتة، وعلاقته بمصر والأردن تتراجع بحدة، وعلاقته بالمحيط الدولي والإقليمي تكاد تكون غير فعالة!!

لا يستطيع أبو مازن ولا حركة فتح التهرب من أن تيار دحلان يمثل لهم خصما عنيدا بما لديه من أنصار وأموال وعلاقات، ولا يستطيع أبو مازن التهرب من حقيقة أن شعبيته تتراجع عما كانت في السابق، إذ أنه في خطابه الأخير لم يقدم أي رؤية سياسية تخرجه – والشعب – من حالة الجمود التي تعيشها مسيرة المفاوضات منذ عشرين عاما .. ويظل يردد عبارته التي لم يمل منها (يدي ممدودة للسلام)، لكن هذه اليد لا تجد من يصافحها.

ألم تتعب هذه اليد الممدودة في الهواء؟!!

كما لا يستطيع الرئيس التهرب من حقيقة أن علاقته بحماس-والفصائل عموما- شبه منبتة، وعلاقته بمصر والأردن تتراجع بحدة، وعلاقته بالمحيط الدولي والإقليمي تكاد تكون غير فعالة!!

ومع ذلك، فإن الرئيس لم يحدد / ولم يجدد خياراته وأولوياته، وبقي –كالعادة – يخفي الأسرار والقرارات الأخيرة في جيبه.

تحركات أبو مازن الأخيرة بين أنقرة والدوحة والرياض لا تعني خلق أحلاف/بدائل جديدة أو التخلي عن أحلاف قديمة. طبيعة الصراعات الإقليمية معقدة إلى درجة لا تسمح للرئيس بالذهاب بعيدا في تخيلاته أو أمنياته.

الإنجاز المهم الذي جرى في مجلس الأمن لا يمكن تجاهله، لكنه سيبقى حبرا على ورق إذا لم يقترن بحراك متسلسل ومثابر على الأرض، وإلا فإن “إسرائيل”- وبدعم من ترامب وسكوت من المجتمع الدولي – ستسابق الزمن في بلع ما تبقى من الأرض لصالح الاستيطان ..حينها لن تنقذنا الأوراق والقرارات.

خطاب جون كيري –الذي استيقظ بعد سنوات من نومه السياسي– ورغم الإيجابيات التي وردت فيه ليس إلا “ضربة مقفي”!!.

هكذا هي الإدارة الامريكية! تضحك علينا وتراوغنا طوال بقائها في البيت الأبيض، حتى إذا أذن الرحيل تتحفنا بعبارات لا قيمة عملية لها. 

(3)مجازفات خارج المعقول

إذا اعتقد الرئيس بأن نجاح (العرس) في المؤتمر السابع تمهد الطريق أمامه لإنتاج (طبعة) جديدة لمنظمة التحرير من خلال الذهاب نحو عقد المجلس الوطني، فإنه يكون قد ارتكب غلطة كبيرة !!

إذا اعتقد الرئيس بأن نجاح (العرس) في المؤتمر السابع تمهد الطريق أمامه لإنتاج (طبعة) جديدة لمنظمة التحرير من خلال الذهاب نحو عقد المجلس الوطني، فإنه يكون قد ارتكب غلطة كبيرة!!

هكذا ستنتج منظمة تحرير أضعف (وأقل جودة)! 

إلى جانب سلطة هشة، ونظام فصائلي مشتت.

الحالة الفلسطينية لا تحتمل سياسة فرض الأمر الواقع، ولا الإجراءات الأحادية، ولا فلسفة التجريب، إذ أن من شأن ذلك تعزيز الانقسام وقتل المصالحة بسكين المجازفات غير المحسوبة. 

المطلوب هو معالجة القضايا الكبرى بكثير من الحكمة ..وكثير من التوافق. 

في الآونة الأخيرة تجاوزت مجازفات/مغامرات الرئيس حدود المعقول، ودخلت إلى مربعات صعبة مثل رفع الحصانة عن النواب، وتشكيل المحكمة الدستورية، وإلغاء الانتخابات المحلية وغيرها من الخطوات الانفرادية.

ربما وصل إلى قناعة أنه لا فائدة من الجري وراء حماس والفصائل، وأنه ينبغي أن يقرر بنفسه إلى أين تتجه السفينة الفلسطينية المحملة بأطنان المشاكل والأزمات، معتقدا أن الكل سيلحق به عاجلا أم آجلا!! وهذا وهم لا يستند إلى حقيقة، وينبغي على الرئيس التخلص منه، وإلا فإنه سيودي به إلى طريق مسدود!!

وهنا يأتي دور اللجنة المركزية الجديدة في الخروج عن التقليد وتصويب بوصلة فتح، ووقف “تغول” الرئيس على القرارات وحسم التوجهات.. ورسم سياسة جديدة في تحديد أولويات المرحلة، وإلا فإن التغيير في فتح سيكون فقط في تغيير الوجوه وليس السياسات ..

(4)الفصائل ..وضرورة الخروج من المربع الرمادي
 ولأن هناك حالة فراغ سياسي و(تشرذم) وطني، فالمطلوب إجراءات وقرارات استثنائية تخرجنا من الحالة التقليدية –المميتة– وتخرجنا عن النصوص المتهالكة والحكايات القديمة.

الفصائل– خاصة حركة حماس – بحاجة إلى النزول من مدرجات المتفرجين إلى ساحة الملعب وممارسة مهارات التأثير والتغيير وطرح البدائل والأفكار الابداعية في انقاذ الحالة الفلسطينية . 

مع الأسف، الفصائل الفلسطينية غالبا ما تفضل التمترس في المربع الرمادي، لذا تنقصها  الشجاعة والمبادرة  في اتخاذ مواقف وقرارات ذات مضمون سياسي واحتضان شعبي.

الفصائل– خاصة حركة حماس – بحاجة إلى النزول من مدرجات المتفرجين إلى ساحة الملعب، وممارسة مهارات التأثير والتغيير وطرح البدائل والأفكار الإبداعية في إنقاذ الحالة الفلسطينية. 
حماس، الحركة ذات الحضور الجماهيري والقوة العسكرية والقدرات المتنوعة، لا يزال ينقصها الكثير لتبرهن على قدرتها على أنها لاعب سياسي- وليس عسكريا فقط-  قادر على تسجيل الأهداف.

الناس ينتظرون من حماس الكثير، وأن تتحرك بسرعة أكبر، وأن تفرد جناحيها وتوسع دائرة تفكيرها وخطابها ليكون أكثر شمولية  وأكثر واقعية في معالجة الأزمات الفلسطينية.
الرؤية الحزبية المحضة غالبا ما تقصر عن استيعاب كل الزوايا. 

هل تدرك قيادة حماس أن الناس يتوقعون منها –يأملون فيها -أكثر بكثير مما هي عليه الآن!!

حماس يجب ألا (تنام) على قوة حضورها وكثافة مهرجاناتها وقدرتها العسكرية إذا لم يترجم ذلك في تلاحم الرأي العام الفلسطيني معها باتجاه القضايا الكبرى .. وإذا لم يتحول برنامجها الحزبي إلى برنامج يحظى بالتفاف وطني واسع يمكنها من إدارة دفة السفينة الفلسطينية باتجاه مخالف للحالة القائمة.

سياسة الانتظار اللامحدود أو تبادل الاتهامات أو رمي الكرة نحو ملعب الآخر أثبتت انها غير مجدية، بل ومفلسة في إحداث تغيير إيجابي في الساحة الفلسطينية.

البقاء والمراوحة في الحالة الراهنة قاتل.. مضيع ومفسد ومخجل.

لا بد من إحداث انعطافة حادة ..قلب موازين ..تغيير في الاتجاهات.

يقولون: (ماذا نفعل “؟.. أبو مازن يدير ظهره للمصالحة .. جربنا معه كل شيء .. وقدمنا له الكثير من التنازلات ..)

هناك العشرات من المبررات المنطقية التي يمكن الاستناد إليها، لكن هذا لا يعني أن تمر السنون دون أن نفعل شيئا ..دون أن نتجاوز العقبة ..أن نلتف على الجبل.. 

لا ينبغي الاستسلام لحالة العجز وترك القضية تذوي والشعب يتعذب ويغلي في داخله.

هنا تظهر عبقرية القيادات الشجاعة وقت ادلهام الخطوب واستحكام الأزمات.

القيادات التي تكسر التردد وتقتل الصمت وتقرر أن تفعل شيئا.

يمكن أن نصنع أشياء كثيرة ..

أن نبدأ بحوار وطني شمولي مع جميع المكونات السياسية والوطنية ..

أو الانطلاق  بطرح مبادرة إنقاذ .. 

أو وضع حلول لبعض التحديات الداخلية مثل الكهرباء والمعابر وتحسين الأوضاع المعيشية.

المهم أن نبدأ ونتحرك.. نعلق الجرس.. ندق الخزان!!

لأن السكوت على الحالة الراهنة جريمة. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

أحرار العالم يلبون نداء نصرة غزة والأسرى

أحرار العالم يلبون نداء نصرة غزة والأسرى

عواصم - المركز الفلسطيني للإعلام لبى أحرار العالم، اليوم السبت، الدعوات للمشاركة في فعاليات "اليوم الوطني والعالمي لنصرة غزة والأسرى". ودعا القائد...