انتفاضة المساجد.. الحجارة وحّدت الفلسطينيين وأوسلو قسّمتهم

يُحيي الفلسطينيون، اليوم الخميس، الذكرى التاسعة والعشرين لاندلاع “انتفاضة الحجارة” أو “الانتفاضة الأولى”، التي استمرت سبع سنوات متواصلة.

وتُعد “انتفاضة الحجارة” (1987-1994) أكبر هبة جماهيرية يخوضها الشعب الفلسطيني بعد احتلال القوات الإسرائيلية لبقية الأراضي الفلسطينية في الخامس من حزيران/يونيو من عام 1967، حيث سقط في هذه الانتفاضة قرابة 1300 شهيد و90 ألف جريح.

واندلعت شرارة الانتفاضة بعد تشييع الفلسطينيين في الثامن من كانون أول/ ديسمبر عام 1978، أربعة من العمال من بلدة جباليا شمال قطاع غزة، الذين قضوا جراء حادث سير وقع بين سيارتهم ومقطورة إسرائيلية خلال عودتهم من العمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 حيث عدّ الفلسطينيون  الحادث “عملاً متعمداً”.

وعمّت المظاهرات عقب التشييع بلدة جباليا ومخيمها، حيث رشق الآلاف من الشبان جنود الاحتلال بالحجارة والزجاجات الفارغة والحارقة، وامتدت إلى كل شارع وزقاق في المخيم، فيما جابههم جنود الاحتلال بالرصاص الحي، واستشهد جراء ذلك الشاب حاتم السيسي (21 عاما) بالرصاص الحي، والذي يعد أول شهيد في هذه الانتفاضة.

اعتقد الاحتلال أن هذه المواجهات هي عبارة عن ردّ عابر على جريمة حادث المقطورة، وأن الأمور ستهدأ في اليوم التالي، إلا أنها اشتعلت من جديد وتصاعدت حتى امتدت إلى بقية مخيمات القطاع وأحياء مدينة غزة، ومن ثم الضفة الغربية المحتلة.

الطابع الشعبي
وأخذت الانتفاضة الطابع الشعبي، ووحدة الموقف، والتعاضد الاجتماعي، والتكافل الأسري، وشمولية المواجهة، واتساع ساحة الاشتباك المباشر مع الاحتلال في كافة مدن وقرى فلسطين، إلى جانب مشاركة كافة الشرائح المجتمعية والفئات العمرية، فضلاً عن أن سلاحها كان في متناول الجميع؛ والمتمثل في الحجر والمقلاع، وفي بعض الأحيان السكين والزجاجات الحارقة، قبل أن يتطور لاحقاً إلى السلاح.

ومع استمرار المظاهرات والمواجهات اليومية مع قوات الاحتلال دون توقف، بدأ شبان الانتفاضة يكتسبون ثقة أكبر لاستمرار الانتفاضة، وجعلها منهج حياة من خلال الدعوة للمواجهات والإضرابات التي كانت تعم كافة أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة، ليشكلوا لجانا شعبية لقيادة الانتفاضة.

في المقابل، فإن سلطات الاحتلال شعرت باليأس والإحباط في إخماد جذوة الانتفاضة، لا سيما في ظل نقل الإعلام الغربي لهذه المظاهرات، فكانت أول صورة متلفزة تخرج لهذه المواجهات تبثها شبكة الأخبار الأمريكية “سي بي اس نيوز”، كبرى شبكات التلفزة الأمريكية حيث بثت مظاهرة ضخمة للشبان في شارع الثلاثيني في مدينة غزة.

سياسة تكسير العظام
وتعاقبت على هذه الانتفاضة عدة حكومات لليسار واليمين الصهيونية وكذلك لكلا الجهتين معا في “حكومة الوحدة” برئاسة اسحق شامير، واسحق رابين الذي كان وزيرا للجيش آنذاك وقرر استخدام سياسة “تكسير العظام” بحق الفلسطينيين.

واستخدمت قوات الاحتلال شتى الوسائل لقمع الانتفاضة وإخمادها دون جدوى، وارتكبت سلسلة مجازر بحق الفلسطينيين كان أبرزها، مجزرة المسجد الأقصى في الثامن من تشرين أول/ أكتوبر من عام 1990 والتي سقط جراءها 21 شهيدا، وكذلك مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل في العشرين من شباط/ فبراير من عام 1994 والتي راح ضحيتها 34 شهيدا قضوا خلال صلاة الفجر.

 كما نفذت عدة مجازر في “نحالين” ومخيم “النصيرات” وحي “الشيخ رضوان” و”الصبرة” و”الدرج” ومدينتي غزة، وخان يونس.

وشرعت قوات الاحتلال فور اندلاع الانتفاضة بتنفيذ حملة اعتقالات كبيرة طالت الآلاف من الفلسطينيين وافتتحت العديد من السجون والمعتقلات لاستيعاب المعتقلين الجدد من بينهم، “سجن أنصار 1″، غرب مدينة غزة، وسجن النقب الصحراوي “أنصار 2″، وكذلك سجن “عوفر” و”مجدو” في الضفة الغربية وحولت معظم المعتقلين إلى الاعتقال الإداري بدون محاكمة.

 وقدر عدد المعتقلين خلال الانتفاضة بنحو 200 ألف حالة اعتقال، قضى منهم 42 معتقلاً شهداء بسبب التعذيب والإهمال الطبي والقتل المباشر بالرصاص.

ولم تؤثر هذه الاعتقالات على مسيرة الانتفاضة وديمومتها أو على حجم المشاركة فيها، ولم تُثنِ الفلسطينيين عن مواصلة مقاومتهم المشروعة للاحتلال من أجل استرداد حقوقهم ونيل حريتهم.

واستخدمت “إسرائيل” كذلك سياسة “تكسير العظام” الأمر الذي أثار المجتمع الدولي ضدها بعد نشر صور لجنودها وهم يعتدون على شبان فلسطينيين بشراسة، ويتعمدون تكسير أيديهم وأرجلهم.

اغتيال “أبو جهاد” والإبعاد
وفي ذروة الانتفاضة وتحديدا في السادس عشر من نيسان/ أبريل 1988 نفذ الموساد الإسرائيلي عملية اغتيال بحق خليل الوزير “أبو جهاد” الرجل الثاني في حركة “فتح”، وذلك في منزله في العاصمة التونسية.

كما استخدم الاحتلال سياسة الإبعاد الفردي والجماعي بحق القادة الفلسطينيين، أبرزها كان إبعاد 417 فلسطينيًا من قادة حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إلى مرج الزهور جنوب لبنان.

وحاولت الفصائل الفلسطينية تطوير الانتفاضة لمواجهة الإجرام الإسرائيلي وذلك من خلال استخدام السلاح الأبيض والرصاص والمتفجرات، حيث كانت أول عملية كبرى هي قتل ثلاثة جنود إسرائيليين طعنا على أيدي أبناء عائلة الكردي في حي الصبرة في مدينة غزة، والتي استشهد خلالها ثلاثة أشقاء.

وظهرت خلال هذه الانتفاضة الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية بمسمياتها الجديدة، ونفذت سلسلة عمليات فدائية من خلال إطلاق الرصاص والكمائن، وكذلك عمليات التفجير والتي أسفرت عن مقتل العشرات من جنود الاحتلال.

وحينما أدركت سلطات الاحتلال أن استخدام القوة لن يجدي نفعاً في إيقاف الانتفاضة، لجأت إلى الحل السلمي ففتحت خط مفاوضات مباشرة مع منظمة التحرير، مما تسبب في انقسام المجتمع الفلسطيني.

أسفرت هذه المفاوضات عن توقيع اتفاق “أوسلو” بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية في الثالث عشر من أيلول/سبتمبر 1993 والذي ينص على تأسيس السلطة الفلسطينية، التي تشكلت بعد ستة أشهر، وبسط نفوذها في قطاع غزة ومدينة أريحا، وإدخال قوات الأمن الوطني الفلسطيني، وتشكيل الأجهزة الأمنية، وخروج قوات الاحتلال من داخل المدن وانتشارها على الحدود، وبقائها في المستوطنات، وتخمد بذلك الهبة الجماهيرية الكبيرة.