الخميس 04/يوليو/2024

انتفاضة الحرائق!

مازن حماد

كانت جبال الكرمل قد تعرضت قبل ست سنوات إلى حرائق أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى، لكن نيران نوفمبر 2016 أقوى وأكثر انتشاراً ولها أبعاد نفسية تبنى على اعتقاد غالبية الإسرائيليين أن ما يجري الآن في فلسطين هو «انتفاضة الحرائق» كما سمتها عدة صحف عبرية.

وإذا كانت «الهاشتاغات» التي تحمل عنوان «إسرائيل تحترق» قد ملأت مواقع التواصل، وتميزت بفرح غامر عبر عنه الفلسطينيون ونصراؤهم في العالم، فقد أصر نتنياهو الذي تساعده «تناكر طائرة» من عدة دول في إخماد النيران، على أن هذه الحرائق بفعل فاعل، مما أجج المشاعر العنصرية، متوعداً بمعاقبة الذين حاولوا إحراق “إسرائيل” بشدة غير مسبوقة.

لم يبلّغ عن وفيات رغم فداحة النيران ووصولها الى مشارف القدس ورام الله، وإن كان الآلاف قد زاروا المستشفيات لمشاكل في التنفس وللإحساس بالهلع والصدمة. وقاد رئيس الحكومة وتوأمه في الحقد وزير التعليم نفتالي بنيت حملة تحريض علنية تتهم العرب بإحراق “إسرائيل”، غير أن أخطر ما تنطوي عليه هذه النيران المتوقع أن تستمر أياماً قادمة على ضوء انعدام فرص المطر القوي القادر على إخمادها واستمرار الرياح الشديدة، هو ذلك الخوف الوجودي الذي يسيطر على المحتلين اليهود في كل فصل من فصول المقاومة.

وما ميز ردود الفعل على الحرائق هذه المرة هو ذلك الإجماع – تقريباً – على انتقاد المتباكين على البيئة وعلى الغابات وما سموه بالثروة الحرجية، رغم أن مثل هذه الثروة هي الآن «ثروتهم» وأن من يحررون فلسطين في المستقبل قادرون على استنبات الأحراش بغزارة. وإن كان بعض الغاضبين على هؤلاء المتباكين قد تساءلوا عما إذا كانت مشاركتهم في إخماد النار ستجلب لهم السعادة؟

أما الاعتقاد الراسخ لدى أغلب الفلسطينيين فهو أن “إسرائيل” تحرقهم منذ مائة عام، وإن ما أشعل من الدولة العبرية انطلاقاً من الكرمل ما هو إلا جزء من الرد على محرقتها المستمرة ضدهم.

تحدثت الأرقام أمس عن إجلاء ما لا يقل عن مائة ألف إسرائيلي من منازلهم، وعن وصول النيران إلى منازل العديد من المستوطنين، وإخلاء ثمانين ألفاً من حيفا وحدها، وعن إقفال الجامعات وبعض المرافق الرسمية، واحتراق العديد من البيوت، وإجلاء آلاف الطلاب ونزلاء السجون.

ونقول بالبنط العريض: من حق الناس أن يسعدوا بفرصة سنحت للانتقام لملايين الفلسطينيين الذين عاشوا كارثة 1948 وما بعدها من «هولوكوستات» تتوالى في كافة المنافي الفلسطينية على مدى أجيال متعاقبة.

نحن لا نبالغ فيما نقول، مع ضرورة الإقرار بأن انتفاضة الحرائق التي أعقبت قرار منع الأذان وأجراس الكنائس، هي صورة مرعبة من صور الثأر الواجب، خاصة بعد إدارة “إسرائيل” ظهرها بالكامل لحل الدولتين وإقفالها بوابات الأمل أمام الشعب الفلسطيني الذي سيتعرض حتماً لبعض الأضرار الجانبية جراء الحرائق.

نعم أحرقوها.. بكل الوسائل، وجددوا المقاومة باللهب بعد الحجارة والسكاكين والدهس والمظاهرات الاحتجاجية!

المصدر: صحيفة الوطن القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات