السبت 05/أكتوبر/2024

الدراما الفلسطينية هل نجحت في إيصال مظلومية الشعب

ماهر حجازي

مسلسل الفدائي نموذجاً
هل نجحت الدراما الفلسطينية في السنتين الأخيرتين في إيصال مظلومية الشعب الفلسطيني إلى الرأي العام الدولي والمحلي وحتى إلى المجتمع الصهيوني، سؤال جدير بالتفكير والبحث عن إجابات واضحة في هذا السياق. ولابد من تمحيص في مخرجات هذه الدراما والأثار المترتبة بعد العرض، من حيث التأثير في الأخرين إيجابا لصالح مظلومية الشعب، أو سلبا باتجاه تصديق الرواية الصهيونية.

في الحديث عن الدراما الفلسطينية المعاصرة نضع مسلسل “الفدائي” الذي انتجته قناة الأقصى الفضائية بجزئية “2015-2016” محل مناقشة وتحليل للإجابة عن السؤال السابق، مع إبراز أوجه القوة في الرسائل المتعددة التي يريد طاقم المسلسل توجيهها من خلال المشاهد التمثيلية والتي تحاكي الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني.

تناول (الفدائي 2) قضايا مختلفة ومتعددة من أوجه الحياة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة والقدس المحتلة وأراضي 48، من حصار غزة إلى الأسرى في سجون الاحتلال والمقاومة الفلسطينية وانتفاضة القدس والاستيطان والتهويد وغيرها من المحاور التي جهد فريق العمل الدرامي إلى تسليط الضوء عليها.

صحيح أن أحداث الضفة الغربية والقدس كان لها الحظ الأوفر في مشاهد المسلسل مقارنة بقطاع غزة، إلا أن التركيز على الضفة ومقاومتها كان في سبيل دفع عجلة المقاومة في الضفة في ظل حالة التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، والتي لم يغفل المخرج “محمد خليفة” عما يحفز به عناصر الأجهزة الأمنية في الضفة عن الاشتراك في مقاومة المحتل، من خلال عضو “خلية نابلس” المقاوم الذي كان يعمل في الأجهزة الأمنية، وحتى اشراك مجموعة من الأجهزة الأمنية في العملية الكبرى في الحلقة الأخيرة وتحرير “حارة الفدائي” من المستوطنين والجيش الإسرائيلي.

دارت أحداث المسلسل في غالبيتها في مدينة الخليل، التي كانت نموذجا مصغرا للحالة الفلسطينية الآنية، مع بعض المشاهد من قطاع غزة، وأخرى في سجون الاحتلال الصهيوني التي عكست حجم الإجرام بحق الأسرى الفلسطينيين. في هذا التقرير سنعرج على ثلاثة ملفات عولجت دراميا وفنيا، باستخدام تقنيات تصويرية ومؤثرات عكست التطور في الأدوات المستخدمة في التصوير والإخراج والمونتاج رغم ظروف الحصار وقلة الإمكانيات المادية والفنية في القطاع الذي صورت فيه أحداث المسلسل، والملفات هي:

أولا: الأسرى في السجون الصهيونية: –
ظهور لافت حظيت به قضية الأسرى في سجون الاحتلال في أحداث الفدائي 2، ركزت على أحوال الأسرى وما يتعرضون له من انتهاكات وتعذيب وحشي خلال فترة التحقيق التي عكست الواقع الحقيقي للأسرى من خلال المشاهد التمثيلية. كذلك مشاهد العزل الانفرادي أعطت وصفا دقيقا لحياة الأسرى المعزولين الصعبة وكيفية تعامل السجان مع الأسرى في العزل الانفرادي، والتعذيب الوحشي الذي تسبب في فقدان العديد من الأسرى لبصرهم وجسد ذلك في شخصية “أسيد” المقاوم الفلسطيني في خلية نابلس والذي تعرض لتعذيب قاس أفقده بصره.

تطرق المسلسل لأدق تفاصيل حياة الأسرى وما يتعرضون له من اقتحامات غرفهم والاعتداء عليهم، والإضرابات عن الطعام التي خاضها الأسرى والتي حققوا من خلالها العديد من المكاسب على صعيد زيارات الأهالي وتحسين أوضاعهم الاعتقالية وإخراج الأسرى من العزل.

وأفردت العديد من المشاهد للحديث عن “العصافير-عملاء الاحتلال” الذين يعملون على سحب المعلومات من الأسرى، هذه التفاصيل التي عجز الاحتلال عن انتزاعها من الأسير خلال فترة التحقيق، لتعكس حالة الوعي الكبيرة لدى الأسرى تجاه العصافير، ومن زاوية ثانية توجه رسالة تحذير لكل أسير حتى لا يقع في شرك العصافير، وكذلك إلى العصافير أنفسهم من عاقبة العمالة والتي جسدت بمشهد تسريب صور العصافير إلى خارج السجن، الأمر الذي تبعه قتل العديد من العصافير في السجون من قبل الأسرى.

أيضا أبرز المسلسل حالة التخبط الصهيونية تجاه قضية الأسرى، وعجزهم عن التصدي للخطوات التصعيدية لهم كالإضراب عن الطعام والامتناع عن الخروج إلى “الفورة – الاستراحة”، حيث كانت إدارة السجون ترضخ في كثير من الحالات إلى مطالب الأسرى المحقة، وهي تعكس واقعا حقيقيا تعيشه مصلحة السجون.

كذلك لم يكن العقل “الإسرائيلي” قادرا على مواجهة التخطيط الفلسطيني، حيث جسد بطل المسلسل الأسير “نضال-قائد مجموعة الفدائي” هذه الفكرة وجعل من الصهاينة أسرى لديه بحسن التخطيط، ضمن صراع الأدمغة بعيدا عن معارك السلاح، وذلك بالرغم من المبالغة حقيقة في حيثيات هروبه من السجن وتنقله في تل أبيب ووصولا إلى الضفة المحتلة.

أظهر هذا الصراع ضباط الاحتلال بالعاجزين فعلا عن مواجهة هذا النوع من المقاومة الفلسطينية التي تعتمد على التفكير والتخطيط، حيث نجح الفلسطيني في توجيه الاحتلال كيف يشاء ولصالح خطته. وعكس المسلسل قدرة الأسرى على التواصل مع الخارج والتأثير في الساحة الفلسطينية، وأن السجن لم يكن يوما عائقا أمام مواصلة عملهم المقاوم، والذي نسف النظرية الأمنية للاحتلال في إنهاء المقاومة، وهذا ما يحدث عمليا على أرض الواقع.

ثانيا: الاستيطان والاعتداءات في الضفة: –
جسد مسلسل الفدائي واقع الاستيطان واعتداءات المستوطنين في الضفة المحتلة بشكل حقيقي من دون مبالغة، في رسالة واضحة إلى الرأي العام، متناولا هذه القضية من قصص واقعية مستوحاة من الحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة. وكانت مدينة الخليل نموذجا مصغرا و”حارة الفدائي” عينة عن هذه الحالة، حيث انتهى الجزء الأول من المسلسل بطرد المستوطنين من الحارة واستعادة الأراضي الزراعية التي استولى عليها المستوطنون، ليجسد الجزء الثاني المحاولات الإسرائيلية لاستعادتها من خلال الجرائم اليومية بالاعتداء على أهالي الحارة بالقتل والحرق والإهانة وغيرها من الممارسات الحقيقية للمستوطنين في الضفة مدعومين من حكومة الاحتلال والجيش الإسرائيلي.

عكست هذه المشاهد إصرار المواطن الفلسطيني على التمسك بأرضه وبيته في مواجهة اعتداء المستوطنين، وعن اللحمة الفلسطينية لأهل الحارة ووقوفهم يدا واحدة في مواجهة المستوطنين، وإيصال هذه المظلومية للشعب الفلسطيني إلى الرأي العام. ولم يخفي المسلسل حقيقة أن الصهاينة ليسوا على قلب رجل واحد، وإنما تجمعهم المصالح فقط في خلاف ما يروج له الإسرائيليون، وتقاطع مصالحهم في الاستيلاء على أراضي وممتلكات الفلسطينيين، وصولا إلى تلك المشاهد التمثيلية التي يقتل فيها المستوطنون بعضهم البعض لمصالح مالية.

تناول المخرج قضية اعتداء المستوطنين من خلال قصص حقيقة، منها إحراق عائلة دوابشة من قبل المستوطنين، حيث جسدت مشاهد إحراق العائلة الفلسطينية التمثيلية الجريمة الحقيقية التي لم تصورها عدسات الكاميرا، واللافت أن عملية للمقاومة في الضفة جاءت ردا على جريمة إحراق عائلة الدوابشة أيضا ركزت على إنسانية المقاومة الفلسطينية، حيث تدور أحداث العملية عندما أقدم مقاوم فلسطيني على قتل مستوطن وزوجته رميا بالرصاص في سيارتهما ولم يؤذي الأطفال الإسرائيليين، في نقيض الجريمة الصهيونية التي لم تستثني الأطفال.

المرأة الفلسطينية كان لها ظهور مميز في أحداث المسلسل ضد ممارسات الاحتلال والمستوطنين، وكانت المرأة كتفا إلى كتف مع الرجل في الدفاع عن الوطن والتصدي لاعتداءات المستوطنين، مما عرضها للاعتقال والقتل عكست واقع النسوة الفلسطينيات ونضالهن في وجه المحتل. نقلت أحداث المسلسل بكل احترافية وموضوعية معاناة الشعب الفلسطيني في الضفة المحتلة مع استمرار الاستيطان، ولا يمكنك أن تحبس دموعك أمام العديد من المشاهد التي تنقل عذابات الفلسطينيين في الضفة.

ثالثا: المقاومة الفلسطينية: –
الحلقة الأولى من الجزء الثاني للفدائي، عرجت على التذكير بأحداث الجزء الأول، ولتكون مشاهد الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة المدخل لأحداث الجزء الجديد، من خلال تصوير مشاهد الحرب والمقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، وتناول حرب الأنفاق وتطور المنظومة الصاروخية الدفاعية للمقاومة.

كما جسدت بعض المشاهد حياة المقاومين الفلسطينيين خلال انهيار أحد الأنفاق وقت الحرب، وهي قصة واقعية جسدت باحترافية كيف تعامل المقاومون مع احتجازهم طيلة أيام المعركة حتى تمكنت المقاومة من إخراجهم بعد انتهاء الحرب.

عكست المشاهد المتعلقة بالمقاومة حجم التأييد الشعبي والالتفاف الفلسطيني حول خيار المقاومة في قطاع غزة والضفة المحتلة والقدس، سواء من خلال عمليات المقاومة في الضفة، والدعم المعنوي للمقاومة وأهالي القطاع خلال الحرب العدوانية عليهم.

كذلك تناول مخرج المسلسل ملفا خاصا بقضية أسرى جنود الاحتلال الصهيوني، مع المقارنة في المشاهد المتعاقبة في كيفية تعامل المقاومة مع أسرى الاحتلال، ومعاملة الأخير للأسرى الفلسطينيين، معاملة إنسانية تعكس الواقع الحقيقي في كيفية تعامل المقاومة مع أسرى الاحتلال من خلال تلبية كافة احتياجاته حتى جلب معلومات وصور عن عائلته واحتجازه في أماكن تليق بالبشر وتوفير له فسحة من الاستمتاع بهواياته، وصولا إلى الخروج في رحلة شواء على شاطئ بحر غزة، وهذا فعلا ما أثبتته المشاهد التي نشرتها المقاومة حقيقة عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بعد إطلاق سراحه ضمن صفقة وفاء الأحرار 2011.

وفي المقابل كيف يعامل الاحتلال الصهيوني الأسرى في سجونه وينتهك أبسط الحقوق التي كفلتها الاتفاقيات الدولية، وهذه المزاوجة والمواجهة سيكون لها تأثير كبير في الرأي العام، وتكشف الوجه الحقيقي للاحتلال الظالم. أما فيما يتعلق بمجموعات المقاومة الفلسطينية في الضفة، حيث ركز المسلسل على خلية “الفدائي” في مدينة الخليل، وخلية نابلس، وسلط الضوء على خبرات المقاومة العسكرية والأمنية، والقدرة على المناورة وصعوبة الاختراق لهذه المجموعات، التي عجز جهاز الموساد الإسرائيلي عن إنهاء ملفها رغم اعتقال قائد مجموعة الفدائي مثلا.

صحيح أن كثير من مشاهد عمليات المقاومة في الضفة بالغت في أعداد قتلى جنود الاحتلال، وذك يعكس الرغبة الفلسطينية في إنهاء الوجود الصهيوني في فلسطين. ولم ينسى المخرج محمد خليفة أن يدخل عمليات الطعن في انتفاضة القدس في إطار المسلسل، من خلال مجموعة من المشاهد التمثيلية.

رابعا: دعم الدراما الفلسطينية
بكل تأكيد اليوم الدراما الفلسطينية شكلت نهضة على صعيد السياسية الإعلامية، ونهجا جديدا في تناول القضية الفلسطينية بالتوجه نحو الإخراج الدرامي والمسلسلات التي تلقى رواجا ومتابعة لدى جمهور الرأي العام. فعلى سبيل المثال الحلقة 17 حصلت على “220 ألف” مشاهدة على قناة دراما الأقصى والتي يشترك بها “47 ألف” مشترك، في دليل واضح على اهتمام الجمهور بهذا النوع من الإعلام المرئي.

فلا بد من الاهتمام بالدراما الفلسطينية التي نجحت فعلا بإيصال مظلومية الشعب الفلسطيني، مع الاهتمام بالمحتوى الإعلامي وترجمته إلى اللغات المختلفة والعمل على تحصيل دعم وتسويق لهذه الدراما من خلال القنوات الفضائية الأكثر انتشارا حول العالم، لتكون الدراما الفلسطينية حاضرة لديها.

كذلك يجب تطوير وتأهيل الكوادر الفنية الفلسطينية بالتدريب على التمثيل ورفع المهارات وصولا إلى الاحترافية، وأيضا تأهيل المخرجين والمصورين والمنتجين وغيرهم من القائمين على الأعمال الدرامية التلفزيونية. كما يجب العمل على المستوى الرسمي الفلسطيني على متابعة وتطوير الدراما الفلسطينية وبناء جسم وطني يعنى بالفنانين الفلسطينيين ودعمهم بكافة الوسائل مما يحقق تقدما على صعيد الدراما، وإخراج العديد من المسلسلات وتناولها لقضايا لا زالت غائبة عن الإعلام.

صحيح أن الحلقة الأخيرة في مسلسل الفدائي 2، انتهت أحداث

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات