السبت 06/يوليو/2024

القسامي الللي .. عاشق الأنفاق يرحل دون استئذان

القسامي الللي .. عاشق الأنفاق يرحل دون استئذان

لم يكن في مخيلة الفتى مصطفى إبراهيم الللي (17 عاماً) شيء سوى أن يسارع الخطى مع إخوانه لحفر المزيد من أنفاق المقاومة التي بدأ العمل فيها فقط منذ 6 أشهر، حتى لم يألُ جهداً ولم يدخر وقتاً إلا وقضاه في سبيل الله وكأنّه يسارع الخطى إلى ربه.

عاش مصطفى منذ نعومة أظفاره وسط عائلة مجاهدة تعشق الجهاد وتحب التضحية والفداء، فتربى في مسجد الإمام الشافعي القريب من بيته وكان لا يترك فيه صلاةً رغم حداثة سنه وخاصة صلاة الفجر منذ أن كان صغيراً.

مصطفى الخلوق
كان مصطفى هو البكر الأول والسند الأكبر لأمه وأبيه وعائلته كلها، فكان ذاك الطفل المدلل الذي أحبه الجميع حتى أصبح شاباً فتياً تُوكل له الكثير من المهمات البيتية والعائلية.

كانت ملامح الفتى مصطفى تدلل على أخلاقه العالية وحبه لأهله وعائلته وكل من عرفه حباً جماً، حتى أصبح له صيته الطيب بين كثيرٍ من الناس رغم حداثة سنه أيضاً.

وتربى مصطفى على موائد القرآن الكريم في مسجده، ولم يكن يترك حلقة قرآن أو ندوة دينية إلا ويحضرها وذلك بدعمٍ كبير من عائلته وخاصةً والدته التي تحفظ القرآن الكريم والحائزة على السند المتصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مدرسة القسام
يتحدث أحد القادة الميدانيين لكتائب القسام في حي الزيتون لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” عن مصطفى الذي انتمى حديثاً إلى صفوف الكتائب: “كان شجاعاً مقداماً يحب الجهاد والتضحية، ولا يتردد في الاستجابة لأي طلبٍ يُطلب منه ولو كان مجهداً متعباً”.

ويروي المتحدث، أنّه في إحدى المرات كُسرت يد مصطفى فقرروا في الكتائب منحه إجازة للراحة من حفر الأنفاق إلا أنّه أصر أن يبقى على تواصل معهم رغم إصابته ويجتهد في العمل كما باقي أقرانه من الشباب.

ويضيف: “كانت همة مصطفى تناطح السحاب في كل المهمات وخاصة في الرباط، وحفر الأنفاق”.

مرض مفاجئ
“في إحدى المرات التي كان يحفر فيها مصطفى الأنفاق بدأ يشعر بدوار لكنه لم يلقِ له بالاً واستمر مجتهداً في عمله، حتى تكرر معه الأمر مراتٍ عدة حتى بات لا يقوى على ما يحدث معه، فقرر أن يذهب رفقة أحد أقاربه إلى المستشفى لإجراء بعض التحاليل”، كما يقول أحد رفاقه. 

وفور ذهابه إلى المستشفى يوم الخميس 6 أكتوبر الجاري، قرر الأطباء له المبيت في مستشفى الشفاء نظراً لأنّ دمه غير مستقر، فكان يصل إلى 7 في بعض الأحيان، وأحياناً أقل من ذلك.

ويضيف خاله محمد في حديثه لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” كونه أبرز المقربين منه، أنّهم لم يتخيلوا في لحظة أنّ مصطفى أصيب بمرضٍ ما، فقد اعتقدوا أنّ الأمر لا يزيد عن إرهاق وتعب فقط جراء عمله في الأنفاق.

وأضاف: “بعد أيام من مكوث مصطفى بالمستشفى قرر الأطباء إجراء تحاليل معقدة له، ليكتشفوا بذلك إصابته بمرض سرطان الدم (اللوكيميا) ليقرروا تحويله فوراً إلى مستشفيات الداخل المحتل”.

مكث مصطفى في مستشفيات غزة ثمانية أيام ليُحوّل صباح الجمعة 14 أكتوبر الجاري إلى مستشفى النجاح في نابلس.

رحيل بلا استئذان
إلى هنا وكان قلب والدته “أم مصطفى” وأهله في اطمئنان أنّه خرج إلى نابلس في رحلة علاج قد تطول وقد يعود سريعاً بحول الله، إلا أنّهم تفاجؤوا في مساء يوم السبت 15 أكتوبر من بكائه الشديد وشعوره بحالة اختناق، وقد هونوا عليه بأنّ ذلك نتيجة الغربة، وحينها عادت بسمته إليه، وقال لوالدته “لا تبكي عليّ أنا بخير والحمد لله”.

بعد منتصف ليلة السبت ورد اتصال على هاتف خاله محمد في غزة، يخبره بأنّ مصطفى أُدخل العناية المركزة نتيجة لخطورة حالته.

ومع أذان الفجر ورد الاتصال الأخير إلى محمد “مصطفى في ذمة الله .. إنّا لله وإنّا إليه راجعون”، ذُهل محمد من صدمة الخبر ولم يدرِ كيف سيخبر أخته “أم مصطفى” التي كانت ضيفتهم في تلك الليلة.

فقرر محمد أن يخبرها عبر والده الذي استرجع الله أمامها، فما كان منها إلا أن سجدت وحمدت الله.

ومع تلك السجدة، رحل “مصطفى” وترك خلفه إرثاً من الأخلاق الحميدة والذوق الرفيع في الأدب ومعاملة الناس، لذا كانت جنازته كأنها جنازة قائد شهيد، فلم يرَ أحد جنازته إلا دعا له بالرحمة والمغفرة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات