الثلاثاء 06/مايو/2025

المقاومة وتطوير الأيديولوجيا

محمد غازي الجمل

استندت المقاومة الفلسطينية الإسلامية في السنوات الثلاثين الأخيرة إلى أيديولوجيا الإخوان المسلمين، والأيديولوجيا هي “فهم للكون والحياة مع برنامج عملي لتطبيقها”، وفي حال عدم وجود برنامج عملي يكون هذا الفهم مذهبا أو دينا، وبذلك فإن فكر كل من الإخوان والسلفية الجهادية وحزب التحرير يشكل أيديولوجيات مختلفة رغم استنادها إلى دين واحد وهو الإسلام.

وهنا يلزم التمييز بين الوحي وبين الجهود البشرية الساعية لفهمه ولتطبيقه على أرض الواقع؛ إذ إن الوحي حق مطلق بغض النظر عن الزمان والمكان، وهو متصف بصفات مصدره وهو الله عز وجل، ومن هذه الصفات كمال العلم والحكمة.

أما الاجتهادات البشرية الساعية لفهم وتطبيق الوحي، فهي مبنية على ظروف الزمان والمكان الذي يعيش فيه أصحابها، فهم يحاولون تطبيق الوحي على ظروف معينة تتغير مكانا وزمانا، ولعل أشهر مثال بهذا الشأن اختلاف فتوى الإمام الشافعي في مصر عن فتواه في العراق.

كما أن هذه الاجتهادات تتصف بصفات البشر وعلى رأسها محدودية العلم والذاتية ومختلف صفات النقص التي تتميز بها النفس البشرية، والتي تظهر جليّة في مقام مقارنتها بكمال حكمة وعلم الله عز وجل.

وبذلك فإن البشر مطالبون دوماً بالسعي لفهم رسالة الله عز وجل إليهم، مستعينين بما حفظه الله لهم من الوحي وبما أعطاهم من نعمة العقل الذي يمكّنهم من فهم ظروفهم وأحوالهم ومعرفة هدي الله عز وجل بشأنها.

واليوم؛ بعد مرور قرابة قرن على اجتهاد الإمام حسن البنا وإقامته لأسس فكر الإخوان المسلمين، تشتد الحاجة إلى قيام اجتهادات جديدة تجيب على أسئلة العصر عموما، وتلبّي احتياجات العمل المقاوم خصوصاً، بما يوفر الأسس الفكرية الصحيحة للعمل السياسي والعسكري، ويتجنب منهج التبرير أو التلفيق أو ازدواجية الخطاب.

ومما يشير إلى هذه الحالة الملحّة لتطوير الفكر؛ ملاحظة الحال الذي آلت إليه تنظيمات الإخوان المسلمين وخصوصا في البلد الأم: مصر، إضافة إلى الأردن والجزائر والسودان وغيرها.

وبالمقابل نشهد اجتهادات لتطوير الفكر -وما ينبني عليه من آليات وبنىً ووسائل- ، في بعض تنظيمات الإخوان خصوصاً في بلاد المغرب العربي، وهو ما يعينها على التكيف والعبور بسلام إلى هذا العصر.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض هذه الاجتهادات تخرج هذه الجماعات من كونها جماعة إخوانية، أو تنهي “طبعتها الإخوانية”، وتبدأ جماعة إسلامية أخرى، وهذا يظهر جلياً في حالة حزب النهضة في تونس.

وبدورها أظهرت تجربة المقاومة والحكم لحركة حماس العديد من الجوانب التي يلزمها التطوير والتغيير في فكر الإخوان المسلمين؛ سواء كانت هذه الأفكار أصيلة أو طارئة على الجماعة بفعل الظروف التي مرت بها، ومن أبرز هذه الجوانب:

1- مدى خطورة الحكم بجاهلية المجتمعات المسلمة، وما ترتب على ذلك من “العزلة الشعورية” عنها، وبالتالي بروز حالة من الاستعلاء على المجتمع، وفي حال تلبس أفراد الحركات الإسلامية بهذه الحالة فإنها تظهر في سلوكهم السياسي والعسكري والاجتماعي، وهو ما يضر بالعيش المشترك عموما وبمشروع المقاومة خصوصا.

2- أهمية استدراك بعض ما في التراث مما يشكل تربة خصبة للتطرف، كالتوسع في تكفير الناس؛ أو استحلال دمائهم أو أموالهم، وتزداد أهمية مواجهة التطرف لأنه سرعان ما يتحول إلى أشكال متعددة من التهديد: تهديد أمني كما حصل في”إعلان إمارة عبد اللطيف موسى”، وفي محاولة اغتيال رئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية، وتهديد عسكري كما حصل في “استدعاء العدوان الإسرائيلي” بإطلاق بعض القذائف والصواريخ في أوقات غير مناسبة، وتهديد سياسي بتشويه صورة الحكم في غزة وإظهاره مرتعاً للجماعات المتطرفة.

3- أظهرت تجربة حصار غزة ومواجهة جدار الفصل العنصري أهمية التركيز على البعد الإنساني في الخطاب والفكر الإسلامي، حيث كان لذلك أثر فاعل في تخفيف الحصار على مدى عشر سنوات، بل إن بعض الناشطين الغربيين قدموا ارواحهم في مواجهة البطش والعدوان الإسرائيلي، وكان لذلك أثر نوعي في فضح الاحتلال ونزع شرعيته الدولية.

وجذور هذا البعد الإنساني أصيلة في الإسلام؛ إذ إن كتاب الله المسطور؛ وهو القرآن الكريم، يتوافق مع كتاب الله المنظور؛ وهو خلق الله وفطرته التي فطر الناس عليها، وبالتالي فإن أصول الإسلام مركوزة في فطرة البشر، وينبغي لفت أنظار الناس إلى هذا التقارب، والبناء على القواسم الإنسانية المشتركة، كالعدالة والحرية وحقوق الإنسان، اقتداءً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

ومن اللافت للانتباه أن مقاصد الشريعة الخمسة تتوافق مع العديد من مبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا ومع توجهات إنسانية عالمية؛ إذ إن حفظ الدين يتفق إلى حد ما مع حرية الاعتقاد «لا إكراه في الدين»، وحفظ النفس يتفق مع حق الحياة، وحفظ المال يتفق مع حق الملكية الخاصة، وحفظ العقل -ماديا من الغياب والتلف ومعنويا من الجهل والتجهيل- يتفق مع محاربة المخدرات والمسكرات ومع حق الحصول على المعلومات ومحاربة الأمية، كما أن حفظ النسل يتفق مع تيار العفة، وهو تيار إنساني عريض يرفض الانحلال الأخلاقي الذي يشين العديد من الحضارات.

إن تطوير الأيديولوجيا بما يتضمنه من توسيع باب الاجتهاد وعدم التهاون مع بعض ما في التراث من مزالق وتعميق البعد الإنساني في الخطاب والفكر يعد متطلبا جوهريا لنجاح مشروع المقاومة والدعوة والحكم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، مجزرة مروعة بحق النازحين، عقب قصف الطيران الحربي لمدرسة تُؤوي...