الخميس 04/يوليو/2024

جنازة سفاح قانا

د. خالد معالي

“سفاح قانا”؛ هكذا أطلق فلسطينيون ولبنانيون على” شمعون بيرس” رئيس دولة الاحتلال، والرئيس التاسع للكيان، والاسم على مسمى؛ كما يقولون في المثل العربي؛ فـ”بيرس” من المؤسسين الأوائل، وخدم الاحتلال عبر المجازر الدموية التي رسخت لدى العرب فكرة “بيرس الثعلب”، حيث راح بعد مجازره يناور ويخدع العالم بإظهار نفسه بأنه الحريص على السلام ونال جائزة نوبل للسلام؛ بشكل ماكر وخبيث.

لم تلقَ مشاركة الرئيس محمود عباس في جنازة “بيرس”؛ رضا يذكر من الجمهور الفلسطيني؛ وعبثا راح مناصروه يبررون المشاركة تحت ضغط الظروف وصعوبة المرحلة، وضروراتها وتكتيكاتها؛ معتبرين مشاركة عباس في جنازة “بيرس” محاولة لاسترضاء “إسرائيل” من خلال هذه التنازلات والمشاركة في الجنازة، من أجل أن تكون دافعاً (لإسرائيل) لإجراء مباحثات معه.

كما أن الجمهور العربي أيضا استشاط غضبا من مشاركة بعض وفوده في جنازة” بيرس”؛ كما هو الحال في الأردن ومصر؛ لاسيما أن الهالك كان دوره كبيرا في الكثير من الجرائم والمجازر التي اقترفت بحق أبناء شعبنا الفلسطيني واللبناني والمصري.

أوباما وفي كلمة تأبين” بيرس” في جنازته في القدس المحتلة، تطرق للرئيس الفلسطيني، مشيرا إلى أن “حضوره هنا مبادرة وتذكير بأن العمل من أجل السلام لم ينته بعد”؛ ولكنه لم يذكر قط أن من لا يريد السلام هو “نتنياهو” بإصراره على مواصلة بناء المستوطنات.

ولمعرفة ما قام به مجرم الحرب “بيرس” فقد قال الكاتب الشهير”روبورت فيسك” في مقال في صحيفة “الإندبندنت” البريطانية الذي حضر لمكان مجزرة قانا بعد القصف “الإسرائيلي”: كان هناك أطفال رضع دون رؤوسهم، ورؤوس رجال مسنين دون أجسادهم. رأيت جسد رجل مقسوماً نصفين ومعلقاً على شجرة محترقة. ما تبقى منه كانت تلتهمه النيران؛ متسائلا: كيف يمكن اعتبار “بيرس” صانع سلام، وهو المسئول عن هذه المذبحة؟”.

وتابع فيسك يقول: “عندما عرف العالم أن “بيرس” قد مات، صرخوا “ها قد مات صانع السلام!” لكن عندما عرفت أنا أنه قد مات، لم أفكر سوى في الدماء والنار والمذبحة”.

وإن كان ما سبق قد كتبه فيسك؛ فإن ما كتبه أحد الكتاب والمحللين في دولة الاحتلال يؤيد ذلك؛ فقد قال “جدعون ليفي” عن “بيرس”: “إذا كانت “إسرائيل” أمام الهاوية الأخلاقية، فإن لـ”بيرس” دوراً في ذلك، ولو كانت “إسرائيل” متجهة نحو الفصل العنصري، فهو شريك مؤسس”.

كان من المفترض أن يكون موقف قيادة السلطة الفلسطينية على الأقل مثل موقف النواب العرب في “كنيست” الاحتلال الذين قاطعوا جنازة “بيرس”، وهو موقف متقدم استفز دولة الاحتلال ورضي عنه فلسطينيو الـ 48.
فلسطينيو الـ 49 لا ينسون عندما كان “بيرس” وزيرا للدفاع عام 1976 في يوم الأرض، عندما سقط لديهم شهداء، بفعل أوامر السفاح “بيرس” وقتها.

من خلال تتبع آراء الشارع والرأي العام الفلسطيني ورأي الكتاب والمحليين؛ كلهم أجمعوا على عدم رضاهم عن التعزية والمشاركة في جنازة “بيرس” ، كون “بيرس” ليس يهوديا عاديا؛ بل صهيوني قتل واستحل دماء الشعب الفلسطيني ودماء العرب لبناء دولته الفانية.

لا يصح تحت مبررات وضغوط وتهديدات وتفسيرات أيا كانت؛ صحيحة أم غير ذلك؛ أن يتم تجاوز للإجماع الشعبي الذي يرى في الهالك “بيريس” مجرما ومحتلا ومرتكب مجازر مروعة ضد شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية؛ وبالتالي عدم الالتفات لرأي الشارع الفلسطيني وإجماعه والمشاركة في جنازة” بيرس”.

في المحصلة؛ رحل “بيرس” مجرم الحرب، وبقي الشعب الفلسطيني، “بيرس” الذي كان ذراعه طويلا في التنكيل بشعبنا منذ إقامة كيان الاحتلال على أنقاض مدننا الفلسطينية، وأمضى تاريخه في القتل والتدمير والتهجير، الذي عانى منه أيضاً الشعب اللبناني والمصري، والعرب جميعا.

انتهت جنازة “بيرس”، وكشفت ما كان مستورا من مواقف مخيبة للآمال ومرفوضة، والتاريخ سيسجل من حضر ومن لم يحضر، ولن ينفع دولة الاحتلال مواصلة طريق “بيرس” من مجازر ومذابح؛ كون الزمن ما عاد يعمل لصالحها، واقتربت ساعة حسابها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات