الخميس 04/يوليو/2024

الداعي لإنشاء تجمّع للكتاب والأدباء الفلسطينيين!

د. أسامة الأشقر*

كلنا يعلم واقع الثقافة في المسار الفلسطيني، إنه واقع كئيب بائس، إذ لا حضور ولا بناء، ولا يكاد أحد يسمع بحراك ثقافي رغم كل هذا الثراء في قضيتنا وكل هذا الحضور لها، وكل هذه الفرص السهلة الاقتناص رغم خفوت شأن الثقافة في عالمنا العربي.

ليس الأمر أن أعدادنا قليلة محدودة أو أننا نفتقر إلى الإمكانيات بل إنه المنهج واختلاط الأولويات، واحتكارُ السياسة الحزبية للمسار الثقافي الوطني، وارتزاق المثقف من فتات السياسي وتلوّنه بلونه الذي يختاره ليحوز لقمة عيش أو يجد مساحة أمان.

والأشد من ذلك أننال م نكتفِ بالتورط في متاهة الاستقطاب الداخلي الحزبي الفصائليّ بل جعلْنا العمل النقابي الفلسطيني رهين المواقف السياسية الإقليمية والدولية، وارتبطت نقاباتنا بهذا المحور الإقليمي أو ذاك، تحت شعارات عريضة تسطِّرها بياناتنا التي لا يقرؤها أحدٌ، وهو الأمر الذي ورّطنا في عداوات واستقطابات، وأصبحنا مجرد أدوات رخيصة بيد اللاعبين الكبار والصغار الذي نخشاهم أو نتملّقهم.

هذا مدخلٌ مشهديّ عامّ، يبدو أنه مظلم، لكن التفاصيل ستكون أشد إعتاماً، وأكثر قتامة !

فقد تأسست نقاباتنا الثقافية على الانحيازات الحزبية متلفِّعين بمقولات وطنية تحتمل أي قراءة ممكنة لجذب الفئات الأصغر إلى القطب السياسي الكبير المشوّه، أو تجمع في أدبياتها بين اللغة الوطنية العالية والسلوك المناقض دون مراجعة أو محاسبة من هيئة عمومية مسؤولة.

وليس لنا نقابة واحدة بل نقابات تنتشر في جغرافيات الوطن المقسّم، والشتات الكبير.

هذه النقابات تضمّ إليها مَن وافق هوى حزبها السياسي وتضم بعض الآخرين لأغراض الديكور والتلوين الخارجي، وتحرم الكثير من المستحقين المؤهلين الذين تتوافر شروط العضوية فيهم من العضوية لأسباب سياسية حزبية مكشوفة أو فكرية، وكل ذلك يغتال الحرية التي يمتدح بها الكاتبُ والأديبُ نفسَه دائماً.

ليس هذا فحسب بل إن أجهزة أمنية فلسطينية مسيّسة تتغطّى بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية أو سلطة الأمر الواقع تمارس تدخلاتها المباشرة في اختيار إدارة النقابات وسياساتها وسقوفها وأوزان العضوية فيها، وهي من يمنح ويمنع بلا رقيب أو حسيب بل برضا وصمت.

وليت هذا الأمر كان ينعكس إيجاباً على واقع المثقف الفلسطيني بل إن هذه النقابات تعلم أنها كائن مشوّه سيقدِّم الإسناد السياسي، والتمثيل الشرعي للقوة السياسية المتنفذة فحسب، ولن تجد في سجلات إنجازها ما تستطيع أن تفاخر به، بل لا تستطيع أن تحمي مثقفاً ينتمي لها يتعرض للإرهاب أو التضييق من السلطة المتنفذة.

يقسو الأمر أكثر عندما تجد نقابة ثقافية فلسطينية كبيرة لم تقم بأي انتخابات لها منذ خمسة عشر عاماً على الأقل، ويتناوب على قيادتها فئة محترفة في تسويف استحقاقات الانتخابات لأسباب سياسية تخفي ضيقاً حزبياً بحتاً، وتخدم فئة محصورة في جغرافية مقفلة لا تمتد خارجها وفق رؤية محكمة لا تقبل النظر في اقتراح النظر فيها؛ أو تجد نقابة ثقافية فلسطينية تمدد لنفسها ما شاءت دون أن يعلم أحد سواها بالأمر، ثم تغيّر اسمها، وتغيّر موضوع العضوية فيها واختصاصه دون مؤتمر عام ودون توضيح !… .

حاولنا التغيير من الداخل سنوات طويلات… تحدثنا كثيراً، وسمعنا أكثر، وتداعينا مراراً، لكن المسارات كانت تتحرك ببطئها الثقيل كما هي، بل إننا بتنا أضعف مما ننقده ونجاهر بالإنكار عليه، ثم إن بعضنا ممن أراد التغيير من الداخل وقع في مصيدة الألفة النفسية فانخرط في الواقع الثقيل وماتت أفكاره ومبادراته الحالمة، وتحمّلْنا جزءاً من المسؤولية لظننا أن التغيير ممكن من البيت الداخلي!.

كانت بدايتنا الأولى على هامش مؤتمر دولي كبير عقده التجمع الدولي للمؤسسات والروابط المهنية الفلسطينية في مدينة صيدا اللبنانية في عام 2015  برعاية وزير الصحة اللبناني وبحضور يرمز للرسمية الفلسطينية في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وبعض الفصائل الفلسطينية في الافتتاح، وحضور أقوى للمنظمات النقابية الفلسطينية خارج فلسطين، وأطر نقابية عربية ذات مكوِّن فلسطيني عريق …

كان الحضور كبيراً مدهشاً، وكانت هناك ورشات عمل لكل القطاعات المهنية والنقابية، وكان لبعض الكتاب والأدباء الفلسطينيين ورشة تجمع همومهم أيضاً، فوضعوها على الطاولة وناقشوا واقعهم المرير، واكتشفوا أنهم يتفقون في الرؤية المرجعيّة، ولديهم الكثير من التجارب، ولديهم الإرادة والعزيمة، ولديهم رؤية حلّ أيضاً، وهناك تأسست اللجنة التحضيرية للتجمع الدولي للكتاب والأدباء الفلسطينيين، واتخذ مؤتمر التجمع الدولي للمؤسسات والروابط المهنية الفلسطينية قراره بتبنّي هذه التوجهات وفق رؤيته العامة المعلنة.

تواصلنا مع مئات الكتاب والأدباء والمفكرين المستقلين والحزبيين والمنتمين لهذه النقابة وتلك بخطابات مكتوبة، واستقبلنا ملحوظاتهم واستدراكاتهم، ورسمنا المسار، وقررنا الخطوات، واتفقنا ألا نخفي شيئاً، وأن يكون كل شيء معلناً بتجرّدٍ ومكاشفة، وأن نسجّل أنفسنا ضمن قوانين الدول التي تمنح سقوف الحرية الأعلى وتشترط الرقابة على الأداء، وأن نفتح العضويات على قاعدة القيم المنحازة لقضايا شعبنا وفق رؤية الشريحة المستهدفة، أي أننا ننحاز للقضايا التي تشغل بال المثقف عموماً، لكي يشعر بنفسه، وينتمي إلى شعبه وقضيته؛ وقررنا الكثير في مجال الرؤية العامة.

فقررنا أننا لا نبحث عن شرعية تمثيل سياسية فنحن نفتح العضوية لمن يرغب بشروط تخصصية ميسرة، ولا ننافس أحداً أو منظمة أو نقابة على موقع أو تشريف أو تمثيل، بل نحن حالة تتحرك في محيطها الخاص، تعتني بأعضائها، وتمد أسباب الوصال بينهم وبين فئات الشعب الفلسطيني في الشتات بما يستطيعون تقديمه؛ أي أننا واسطة بين المثقفين وتجمعات الشعب الفلسطيني، واخترْنا في هذه المرحلة أن تكون عضويتنا خارج فلسطين لئلا يكبر جسمنا جداً ونحن غير قادرين على فعل شيء لهم، لكننا نبسط اليد للتعاون الوثيق والتكامل إلى أبعد حد.

وقررنا أيضاً ألا ننشغل بتكتيكات السياسة وألا تشغلنا السياسة، وأن نتعامل بسقف الوطن، وننحاز لروح الشعب الفلسطيني وتطلعاته، واعتبرنا أنفسنا بهذا التوجّه في سقف أعلى من أي سقوف سياسية مطروحة، أي أننا سياسيون وطنياً لكننا لسنا مسيّسين في تخصصنا النقابي.

وقررنا أنّ التجمع هو مؤسسة مهنية بحتة وليس من مهامها التدخل في الأمور السياسة المحلية أو الدولية إلا فيما يمس الجانب المهني مباشرة من المواقف السياسية.

وقررنا الابتعاد عن تحزيب القضية الفلسطينية وخطاب المزايدة على الآخرين بها، وإشعار كل الأفراد والمؤسسات والمنظمات بأنها مسؤولة، بالدرجة نفسها من الأهمية عن القدس وفلسطين مهما كان اتجاه هؤلاء أو هؤلاء.

وقررنا أن نوجّه الجهد للعمل المؤسسي واستيعاب أكبر عدد ممكن من الأدباء والكتّاب والمفكرين الفلسطينيين وتأطيرهم في تيار مهنيّ جامع، وأن نعمل على اكتشاف المواهب الشابة في أماكن وجودها وتسهيل وصولها إلينا.  

والأمر المهم أننا لا نمنع أحداً ينتسب إلى نقابة أو مهنة من الانضمام لفريق الإنتاج والعمل لفلسطين بلا أي حسابات سوى سقف الوطن الذي يجمعنا.    

هناك الكثير مما قلناه ورأيناه واتفقنا عليه، وما نفعله هو محاولة جادّة، توفرت لدينا الإرادة لتمكينها وإتاحة الفرصة لها للحياة وسط واقع مظلم مريب، ونأمل ألا يعاندنا المتحزبون فنحن إضافة وتكميل جميل لهم ولن نكون خصماً لأحد أو على أحد، وسترون ذلك في سلوكنا المكشوف المفتوح؛ ولكن ليكن معلوماً أننا لسنا في سعة من الوقت لنسعى لترضية هذه النقابة أو تلك إذ ليس لدينا ما ننافسهم عليه سوى الخدمة المباشرة في تخصصنا، وهو المجال الوحيد لنتشارك فيه ونتكامل ونكبر معاً، ويدنا مفتوحة للتكامل والتعاون بلا موانع.

ونأمل أن يستوعب المعنيّون بهذه الشريحة طبيعة طرحنا وأننا إضافة لهم وأنها فرصة لبسط اليد للتعاون والتكامل وألا يشغلوا أوقاتهم بالهجوم علينا والبحث في نوايانا إذ إننا لن ننجر لهجوم أحد إلا بتوضيح اللبس وسنصرّ على مربع الخدمة والتواصل بكل شفافية ووضوح.   

ومن هنا فإننا نعلن انطلاق رحلة التغيير في طريق قليلة المزالق لا تلغي أحداً ولا تهمشه ولا تحرمه، ويبتدئ الطريق والتعرف علينا بالاطلاع على هذا الموقع والتسجيل فيه لتكون عضواً فاعلاً فيه:
www.igpaw.com

______________
* رئيس اللجنة التحضيرية للتجمّع الدولي للكتّاب والأدباء الفلسطينيين

  

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات