الخميس 08/مايو/2025

المقاومة والسياسة والأخلاق

محمد غازي الجمل

تستلزم المقاومة عملا سياسيا يسندها ويستثمر إنجازاتها الميدانية، وهو ما يجعلها معنية بالإجابة عن سؤال علاقة السياسة بالأخلاق، وللإجابة عنه يلزم استحضار خصوصية للعمل السياسي المقاوم؛ فهو غالبا يكون إلى جانب الطرف الأضعف ماديا، ويسعى لتعويض هذا النقص في القوة المادية بزيادة القوة المعنوية، والتي تتمثل بمدى إيمان المقاومين وأنصارهم بقضيتهم واستعدادهم للتضحية من أجلها، وهو أمر مرتبط بثقتهم بعدالة قضيتهم وأخلاقية مواقفهم، وبذلك فهم يقدمون تضحيات في الجانب المادي يعوضونها في الجانب المعنوي والنفسي.

ويجدر في هذا السياق استحضار “المعادلة العامة لقوة الاستراتيجية” كما ينقلها المنظر العسكري ورئيس الأركان الأسبق لحلف الناتو “أندرية بوفر” وهي كما يلي:

قوة الاستراتيجية = مجموع القوى المادية * مجموع القوى المعنوية* الزمن* ثابت يعتمد على البيئة المحيطة علما بأن المعادلة معدة لتوضيح العلاقة بين هذه العوامل وليس لقياسها رقميا.

وبناء على هذه المعادلة إذا كانت القوى المادية لدى الفاعل السياسي كبيرة للغاية فبإمكانه أن يستعيض بها عن نقص القوة المعنوية لدية، وأن يحقق انتصارا خلال وقت قصير، وبالمقابل إذا كانت القوى المادية المتوفرة للفاعل السياسي قليلة؛ فعليه أن يعوض ذلك بزيادة القوى المعنوية وأن يراهن على عامل الزمن، وهذا هو الحال في حركات التحرر غالبا.

وتتوفر هذه القوة المعنوية من خلال استحضار الأيدولوجيا والقيم الدينية والإنسانية المتنوعة.

وهنا تظهر المفارقة التالية؛ إذ يمارس الفاعلون السياسيون في الدول أفعالا بعيدة عن الأخلاق، إلا أن الأثر السلبي لذلك لا يظهر على المدى القريب بسبب استقرار دولهم وارتفاع عامل المصلحة المادية التي توفرها الدولة لمختلف الأطراف الداخلية والخارجة، إلا أنه في حال حاول المقاومون تقليد هذا النمط من العمل السياسي فإن الخسائر ستكون أسرع وأكثر ضررا، وذلك لارتفاع أهمية العامل المعنوي في مقاومتهم، ولاختلاف بنيتهم عن بنية الدول المستقرة. إذ سينعكس ذلك سلبا على إيمان المقاومين بقضيتهم واستعدادهم للتضحية في سبيلها، وكذلك الحال بالنسبة للمناصرين والداعمين على المستوى الشعبي.

وهنا تلزم الإشارة إلى أن إظهار المفارقة بين الأمرين لا يعني بحال تبرير أو تسويغ انفصال العمل السياسي في الدول عن الأخلاق.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات