الثلاثاء 02/يوليو/2024

بيريز: الرئيس البولندي وحمامة السلام الحمراء!

د. أسامة جمعة الأشقر

بيريز أي الصقر !

هكذا تحول الاسم البولندي لشيمون بيرسكاي بعد أن دخلت أقدامه مراتع الصهيونية العمالية الاشتراكية صغيراً ، والذي أصبح بعد ذلك رئيساً للاشتراكية الدولية ، وكل علاقته بها أن برنامج عمله قائم على تحقيق الأهداف الصهيونية على أسس اشتراكية ! كان يدّعي أن التركيب الاجتماعي والحضاري اليهودي مختلف عن غيره، وبالتالي فهو غير قادر على الاندماج مع الأوساط الأخرى ؛ ومع ذلك فإن بييز كان علمانياً جلداً ، ولكنها العلمانية اليهودية التي تنظر إلى الدين كهوية مكوّنة لما يسمونه الشعب اليهودي الذي هو في الأصل مجتمعات لا يجمعها سوى اسم دين قديم أي أنها عمقٌ ثقافي له تجلياته الشكلية في الميدان .

كان بيريز وحشاً استراتيجياً في صورة رجل سلام عمل في خمسينيات وستينيات القرن العشرين دبلوماسياً في وزارة الحرب الصهيونية وكانت مهمّته جمع السلاح اللازم لدولة (إسرائيل) الناشئة؛ ونجح بيريز في الحصول على المقاتلة “ميراج 3″، وبناء المفاعل النووي الإسرائيلي (مفاعل ديمونة) من الحكومة الفرنسية، وبدعم كبير من الحكومة البريطانية التي ساعدت اليهود على إنشاء كيانهم على أرض فلسطين في أكبر مجزرة سياسية تاريخية: اقتلاع شعب وإحلال شعب آخر مكانه، كما أن علاقته توطدت مع الأمريكيين وهو في العشرينيات من عمره عندما ذهب إلى الولايات المتحدة عام 1950 ممثلاً لوزارة الدفاع الإسرائيلية التي تقاتل لتثبيت إعلان (إسرائيل) دولة في الأرض التي احتلتها. 

اكتسب بيريز شهرته الدولية بوصفه رجل سلام بعد اتفاقية أوسلو التي وقعتها “إسرائيل” مع القيادة المتنفّذة في منظمة التحرير الفلسطينية عقب سلسلة من المفاوضات السرية شهدتها العاصمة النرويجية أوسلو عام 1993تسببت في أكبر انقسام منهجي فلسطيني في تاريخ الثورة الفلسطينية ، ونال بيريز جائزة نوبل للسلام بعد ذلك .

لم يجرِّده أحدٌ من صفة السلام هذه رغم ارتكابه – وهو رئيس الوزراء – مجزرة قانا في الثامن عشر من نيسان عام 1996م حيث أطلقت المدفعية الإسرائيلية نيرانها على مجمع مقر الكتيبة (الفيجية) التابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان حيث كان ما يزيد على 800 مدني لبناني قد لجؤوا إلى المجمع طلباً للمأوى والحماية فتناثرت أشلاء ما يقرب من 250 قتيلاً وجريحاً، حمل 18 منهم لقب مجهول يوم دفنه، ضمن عملية “عناقيد الغضب” بين الحادي عشر والسادس والعشرين من نيسان عام 1996م، الهادفة إلى ضرب المقاومة اللبنانية ومحاولة القضاء عليها، من خلال حملة جوية شاملة وقصف من البر والبحر دون توغل بري، حيث قصفت مدن لبنان وقراها خلالها بما لا يقل عن 23 ألف قذيفة وانتهكت سماؤه بـ 523 غارة جوية حصيلتها 5 مجازر آخرها مجزرة قانا.

وبالرغم من تولي شمعون بيريز منصب رئيس الوزراء مرتين فإنه لم يفز في أي انتخابات جرت في الكيان الصهيوني، فقد كان شخصية جدلية يخشاها منافسوه ، فهو ليس شخصية تخرجت في المدرسة العسكرية مع أنه تولى وزارة الحرب الصهيونية ، وأشرف على أخطر الملفات العسكرية المتعلقة بالبرنامج النووي ، وصفقات السلاح الاستراتيجية؛ كما أن خبرته في ملفات الخارجية والمالية والسياسة جعلت منه شخصية انتهازية طموحة مخيفة لرفاقه الذين رأوا فيه ثعلباً يمكن أن يغتالهم سياسياً ليصل إلى قمة الهرم السياسي .   

ختم بيريز حياته السياسية رئيساً (فخرياً) تاسعاً للكيان الإسرائيلي، نتيجة توافق سياسي بين الكتل البرلمانية في 2007 حتى عام 2014 عمل خلالها على إقامة صلة وطيدة مع الجاليات اليهودية في العالم وتنمية صلتهم بالكيان الصهيوني ، وتعميق قيم التوراة السياسية في المجتمع الإسرائيلي ، أصبح هذا البولندي المتحدث باللغة الروسية مواطناً إجبارياً في (فلسطين) الأرض التي لا يمتّ لها بصلة غير الخرافة القديمة، ثم أصبح رئيساً فيها بعد أن عمل سلاحُه المذخر بكل الرصاص على طرد شعب فلسطين من أرضه وإحلال شتات بشري متوحش مكانه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات