الإثنين 05/مايو/2025

موسم الزيتون.. الأمل المحفوف بـالمخاطر

موسم الزيتون.. الأمل المحفوف بـالمخاطر

“موسم الزيتون” يعتبر من أهم الصلات التي تربط الفلسطيني بأرضه، وتعبر عن صموده، وتعد عنوانًا للهوية الوطنية، “فالزيتون في قاموس الفلسطيني مرادف لفلسطين، وفلسطين مرادفة للزيتون، فهما مترادفان منذ الأزل، ومقيمان على صلة الشغف بينهما، فلا يمرّ صباح ولا مساء إلا وتكون شجرة الزيتون، شجرة النور كما يسميها الفلسطينيون، حاضرة، بوجه أو بآخر” كما يقول أحد الكتاب الفلسطينيين.

تمثل مراحل هذا العرس الوطني الفلسطيني الذي تتوارثه الأجيال منذ ما قبل نكبة الـ 48 لوحة فنية تاريخية تزداد جمالًا بمشاركة الأطفال وكبار السن والنساء في الحصاد، حيث يحدد منتصف شهر تشرين الأول، موعدًا لبدء القطف في المناطق الساحلية وشبه الساحلية والدافئة؛ وبداية شهر تشرين الثاني في المناطق الجبلية لأصناف: النبالي والسوري؛ أما الصنف النبالي المحسن، فيتم تأخير قطفه إلى نهاية تشرين الثاني. وتنتج الضفة أحد أفضل زيوت الزيتون في العالم، ويصل عدد أشجار الزيتون في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى نحو 9 ملايين شجرة حسب منظمة أوكسفام.

وبينما يتوجب على الفلسطينيين أن يقوموا بقطف الزيتون التي تعتبر فلسطين وبلاد الشام الموطن الأصلي له، عليهم أيضا أن يواجهوا الاحتلال ومستوطنيه الذين يصرون في هذا الموسم وقبله على اقتلاع أشجار الزيتون ومصادرتها وإقامة الجدار حولها، والاعتداء على المزارعين، ومنعهم من الوصول لحقولهم، وسرقة ثمارهم، وحرق أشجارهم، فالسياسة التي تنتهجها دولة الاحتلال هدفها تغييب الثقافة الفلسطينية التي تندرج تحتها شجرة الزيتون الضاربة جذورها في التربة منذ آلاف السنين، فمنذ 1967 اقتلع الاحتلال ما يزيد على مليون ونصف المليون شجرة زيتون إمعانًا في طمس ثقافة السكان الأصليين.

يقول رئيس المركز الفلسطيني للبحوث والتنمية الزراعية المهندس فارس الجابي، لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، إن كمية إنتاج زيت الزيتون خلال العام الماضي 2015 بلغت 21 ألف طن، وخلال العام 2014 بلغ 26 ألف طن، ومن المتوقع أن يصل الإنتاج خلال العام الحالي  إلى 16 ألف طن.

وبحسب الجابي، فإن سبب الانخفاض يعود إلى الارتفاع في درجات الحرارة، كما أن فلسطين تعاني من تذبذب في الإنتاج، بحيث يكون الإنتاج سنة جيدة  وأخرى لا، فغالباً تكون السنوات الزوجية جيدة والسنوات الفردية رديئة.

وبحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني، فإن قطاع الزيتون يشكل ما نسبته 15% من قيمة الإنتاج الزراعي في فلسطين، الذي يصل في مجمله إلى مليار دولار سنوياً، فالزيتون يتعدى القيمة الاقتصادية في نظر الفلسطينيين إلى أبعاد رمزية وطنية تتعلق بالصراع مع المحتل على الأرض والهوية.

مخاوف
ويتخوف المزارعون الفلسطينيون مع قرب انطلاق موسم الزيتون من تزايد الاعتداءات وحرق أراضيهم بفعل الممارسات المتعمدة من اليهود والمستوطنين، حيث يصف عدد من المزارعين المخاوف المترتبة على ذلك بالمغامرة.

ويقول المزارع نمر زهدي، من خربة يانون الواقعة إلى الجنوب الشرقي من محافظة نابلس، والتي تقع بالقرب من مستوطنة “جدعونيم” المقامة على جزء كبير من أراضي الخربة، إنه بالرغم من الاعتداءات والمواجهات التي تحصل أثناء جمع وقطف موسم الزيتون، والخطر والمغامرة التي يواجهها المزارعون وهم في طريقهم إلى أراضيهم، إلا أنهم مصرين على تجاوز كل الصعوبات للوصول والبدء بالقطف.
 
ويشير “زهدي” إلى أن المستوطنين غالباً ما يشتبكون مع الأهالي في مواسم قطاف الزيتون، ويطلقون الكلاب المدربة والخنازير لتخويف المزارعين، كما يسرقون الثمار بعد جنيها أو يحاولون إتلافها، ويؤكد على أن الجنود يشاطرون المستوطنين في سلوكهم العدواني، وذلك من خلال المماطلة في السماح للمزارعين بدخول أراضيهم وطردهم منها.
 
ويناشد زهدي الجهات الرسمية بالوقوف عند مسؤولياتها للحد من استهداف الأراضي والممتلكات التي تسرق وتنهب يوما بعد يوم، داعياً المؤسسات المحلية والدولية إلى الإسراع في وقف أعمال التخريب التي تستهدف مصدر رزقه.
 
حملات تطوعية
من  جهته، يقول ضرار أبو عمر، مدير مكتب الإغاثة الزراعية في محافظة نابلس، أن هناك تخوفات كبيرة من ملاحقة الاحتلال ومستوطنيه المزارعين وإيذائهم وتخوفيهم بعدم الاقتراب من أراضيهم خلال موسم جني الزيتون، ويؤكد أن الإغاثة تعمل على تنظيم حملات تطوعية من أجل حماية المزارع من الاعتداءات الناجمة عن ذلك.
 
ويضيف “أبو عمر” لمراسلنا، أن الجيش يمنع المزارعين من الدخول لمناطقهم بحجة أنها مناطق عسكرية مغلق وقريبة من المستوطنات، مشيراً إلى أن مناطق شمال الضفة، تعد من أكثر المناطق التي تشهد اعتداءات المستوطنين على أراضي المزارعين في موسم جني الزيتون.
 
ويشير أبو عمر إلى أن “الاعتداءات متواصلة، لكنها تتصاعد في موسم الزيتون، وبخاصة في منطقة بورين وقريوت وبيت فوريك ويانون وقوصين”.
 
ويضيف أن الإغاثة الزراعية ستنظم عدة حملات خلال الموسم الحالي من أجل توفير الأمان للأهالي والمزارعين في قطف محصولهم، وللتقليل من المخاطر الناجمة عن هذه الاعتداءات، داعيا إلى ضرورة استنهاض الجامعات والمدارس والمؤسسات والبلديات ومجتمعات المؤسسات المدني والمتضامنين الأجانب، من أجل مساعدة المزارعين في جمع محصولهم.

 
ويعتبر موسم قطف الزيتون في فلسطين عيدًا يشارك فيه جميع أفراد الأسرة، حيث تقوم أحيانا وزارة التربية والتعليم والجامعات، بإعطاء الطلاب إجازات خاصة لمشاركة أهاليهم في القطف، وذلك من أجل إنهاء موسم القطف بوقت مبكر، وتقليل تكلفة الإنتاج، إذ إنه كلما استثمرت أيام عمل غير مدفوعة الأجر في قطف الزيتون، قلّت كلفة الإنتاج.
 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات