حسن السلوك.. سيف أمني مسلط على رقاب أهالي الضفة

ما زالت أجهزة أمن السلطة تمارس أساليبها في قمع الحريات والحرمان من الحقوق لأهالي الضفة الغربية عبر انتهاجها سياسيات إقصائية وممارسات حزبية كما هو الحال في حرمان الكثير منهم بسبب ما يسمى “حسن السير والسلوك”، الأمر الذي يعرقل طموحاتهم ويحول دون تحقيق أهدافهم.
وتربط كثير من المؤسسات الحكومية في الضفة الغربية منح المواطنين تراخيص لإقامة مشاريع تجارية أو الحصول على رخص، بحصولهم على الموافقة الأمنية من الجهات المختصة- أجهزة أمن السلطة- لإتمام الموافقة على إقامة تلك المشاريع، الأمر الذي جعل “حسن السلوك” سيفا مسلطا على رقاب أهالي الضفة الغربية في ظل استخدام الأجهزة تلك القضية كورقة إذلال ومساومة بحقهم.
ابتزاز ومساومة
الشاب” ق ، ص” بعد أن أنهى دراسته الجامعية قبل خمس سنوات، وأغلق أفق الوظيفة الحكومية أمامه، قرر أن يتجه نحو إقامة مشروع خاص به، ويفتتح مكتبة لبيع القرطاسية قرب أحد المدارس في مدينة نابلس، وكإجراء لاستكمال ترخيص افتتاح المكتبة طلب منه أن يحصل على الموافقة الأمنية كشرط مسبق.
ويقول الشاب لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، بأنه في بداية الأمر توقع أن تكون قضية الحصول على الموافقة الأمنية وحسن السلوك سهلة كون الأمر متعلق بمشروع شخصي بسيط، إلا أنه تفاجأ برفض الأجهزة الأمنية منحه الموافقة الأمنية، على حد قوله.
وتابع: “لم يكتفوا بحرماننا من الوظائف الحكومية بل يحاربونا في أرزاقنا، ويحولون دون الوصول إلى حالة من الاستقرار المادي والنفسي”.
أما الشاب أبو بكر، فهو الآخر قد شرب من ذات الكأس، حيث حاول جاهدا وفي أكثر من مرة التقدم للحصول على حسن السير والسلوك كشرط للحصول على رخصة قيادة عمومية، إلا أن جميع محاولات التوسط والتدخل باءت بالفشل، وفي كل مرة يلقون باللوم على انتمائه السياسي.
يقول أبو بكر: “تعرضت للمساومة من قبل الأجهزة، وطلب مني العمل معهم كمندوب وتوقيع ورق لإثبات ذلك مقابل إعطائي حسن السلوك، ولكن في كل مرة كانوا يواجهون بتعنت مني وفي المقابل دائما يرددون عبارة (نجوم السماء أقرب لك من السلامة الأمنية)”.
وتساءل أبو بكر: هل من المعقول أن تمنح السلامة الأمنية لمن هو معروف بأخلاقه السيئة وتاريخه الملوث وفي بعض الأحيان المشبوهين أمنيا، وفي نفس الوقت نحن نحرم من حق أقره القانون والعرف لنا؟”.
انتهاك للقانون
يقول الخبير والباحث القانوني عماد صلاح الدين تعقيبا على هذه السياسات: “هذا الكلام مخالف للقانون الأساسي، لأن المفروض أن الجميع كمواطنين متساوين أمام القانون، لهم حقوق وعليهم واجبات، وهذه الأفعال مخالفة للقوانين ذات الصلة بالعمل الحكومي أو الوظيفي خصوصا قانون الخدمة المدنية النافذ”.
ويرى صلاح الدين بأن هذا الفحص الأمني معناه نفي صفة المواطنة، وأضاف: “أنت في هذا الاختبار ربما تتعرض للابتزاز كي تعمل مندوبا أو مخبرا، وهذه المسألة خطيرة، وتمس النسيج الأخلاقي والاجتماعي للناس، وما يتم انتهاجه ليس بقانون ولكن يراد إلباسه ثوب القانون، والنصوص القانونية التي تمنع مثل هكذا إجراءات موجودة في القانون الأساسي يعني الدستور المؤقت، والغرض من كل هذه الإجراءات هو الحفاظ على لون سياسي معين، وهذا اللون بحاجة إلى من يواليه”.
ومن وجهة نظر صلاح الدين فهناك ضابطان يتحكمان بممارسات الأجهزة الأمنية فيما يتعلق بحسن السلوك، ويتمثل الضابط الأول بالبعد السقفي لأوسلو من حيث المسار الأمني والمالي، وهذا المسار تراقبه “إسرائيل” بشكل غير مباشر عن طريق بعثات الغرب والأمريكيين وحتى اليابانيين في مؤسسات السلطة الفلسطينية، ولذلك تجد أن الشركات المحلية بحاجة إلى موافقة أمنية وغيرها، بما فيها الجمعيات الخيرية والأشخاص فكيف الأمر إذا تعلق بالموظفين”.
وفيما يتعلق بالضابط الثاني قال صلاح الدين: “هو الخصومة بين فتح وحماس كحالة ظاهرة على السطح أو كمثال، لكن من الناحية المبدئية هناك شروط ليست كلاما في التعامل الأمني والمالي على السلطة ومؤسساتها وأطراف العلاقة بها، سواء كان المثال حماس أو غيرها”.
ويرى صلاح الدين أن القوانين جميعها وجدت لخدمة المواطن لا لمعاقبته بدون أي ذنب وتابع: “إن القوانين التي تراعي الجوانب الأمنية وخصوصا قانون العقوبات وإجراءاته الجزائية فالغرض منها هي حماية المواطن من الجريمة الداخلية أو الحفاظ على أمنه القومي، وبالتالي لا يوجد لمثل هذه الإجراءات غطاء قانوني وهي تصدر وتمارس في سياق الحالة الناظمة لعمل السلطة أو في سياق الخصومة المترجمة عن الخلاف حول هذه المنظومة مع حماس أو حتى مع غيرها أن وجد هذا الغير.
وأردف: “وحتى في القانون الدولي وحقوق الإنسان مثل هذه الأمور مرفوضة ومجرمة وتنافي ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والثقافية لعام 1966والساري المفعول عام 1976”.
ثلاثة أبعاد
من جانبه، قال الكاتب والمحلل سليمان محمد: “هناك ثلاثة أسس وأبعاد ترتكز عليها السلطة في مفهوم المؤسسات الفلسطينية الخاصة منها أو العامة، أولها البعد الأمني، أو ما يمكن تسميته السلامة الأمنية، وهذه النقطة لا يمكن تجاوزها مهما كان الظرف، فالسلطة الآن تقوم على بعد أمني بالدرجة الأولى ليس لمعارضي نهجها السياسي فقط، وإنما حتى لأبناء المؤيدين لها، وهذا منهج بات يتعزز ضمن رؤية العقيدة الأمنية الجديدة التي تسعى الأطراف المانحة لتحقيقها في الوظيفة التي وجدت لها السلطة في المنظور البعيد”.
الأمر الثاني يكمل محمد قائلا: “هو حالة إنهاك القطاع الخاص بالإجراءات الإدارية، أو فرض الضرائب عليها، وهو ما يعني إضافة أعباء من شأنها أن تجعل من أي فكرة مشروع خاص محصورة في عدد قليل، وبين طبقة معينه تسيطر على السوق الخاص، وهي ذاتها من الشخصيات التي يمكن أن تشكل حاضنا لمشروع السلطة بشكل غير مباشر أو مباشر”.
وفيما يتعلق بالأمر الثالث فيرى محمد بأن محاولة تعزيز مفهوم الارتباط المالي بالسلطة، وهو ما يعني جعلها المرجعية وصاحبة الراتب، فإذا لم تحصل على السلامة الأمنية فإنك لن تحظى بدخل ثابت، أو حتى دخل يمكن أن يحقق لبيتك حالة الاستقرار، وفي هذا الحالة حرمان المجتمع من حالة الاستقرار الوظيفي التي يمكن أن تؤثر على طبيعة التفكير في التصدي لأي مواقف للسلطة إذا ما تحقق هذا الاستقرار، وبهذه الطريقة يمكن ضمان حالة الانشغال الدائم بالهم النفسي.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...