الراحل المصري.. أول طبيب شرعي في فلسطين

كان أول طبيب شرعي في فلسطين، ومؤسس دائرة الطب الشرعي فيها، وكان يتعامل مع عالم الجثث والنبش عن أسباب الوفاة أكثر ما كان يتعامل مع الأحياء، البعض كان يعدّه مرعبا ومخيفا، إلا أنه كان المثال المشرف للطبيب الإنسان.
فقبل أيام ودعت محافظة خانيونس رجلا كبيرا من رجالاتها، وعلما بارزا من أعلامها، ممن كان لهم الباع الطويل في خدمة الوطن والدين، ترك خلفه بصمة واضحة في الخدمة العامة والعمل التطوعي، امتدت على مدار عشرات السنوات، إنه الدكتور عبد الرازق المصري.
سيرة عطرة
الدكتور عبد الرازق حمد المصري “أبو حمد” المولود في الثالث عشر من يوليو لعام 1946م، واحد من أكثر الشخصيات البارزة اجتماعياً وثقافياً، ويعد من أشهر الأطباء الذين عرفتهم فلسطين في تأسيس دائرة الطب الشرعي، وكان لفترة طويلة الطبيب الشرعي الوحيد في حينه.
سمع به الصغير قبل الكبير، حيث عمل على تشريح غالبية جثث شهداء الانتفاضتين والتوقيع علي شهادات وفاتهم، كان ملماً بجميع فروع العلوم الطبية وكذلك بأمور القضاء والقانون، على ملاحظاته وتقاريره يتوقف مصير الكثير من الحالات، معتمداً على مهارته وخبرته، وفوق ذلك على ضميره وحياده.
ولد المصري في مدينة بئر السبع عام 1946م، وهاجر مع والديه بعد النكبة إلى قطاع غزة، حيث نال تعليمه الابتدائي من مدرسة الشيخ جميل، والإعدادي من مدرسة أحمد عبد العزيز في محافظة خانيونس، ثم ليحصد الثانوية العامة فرع العلمي عام 1964م.
التحق مباشرة بكلية الطب، بجامعة الأزهر بجمهورية مصر العربية، تخرج فيها بعد الحصول على درجة البكالوريوس في تخصص الطب والجراحة العامة عام 1971م.
تغرب في العديد من البلدان منها السعودية وليبيا، بعدها أكمل تعليمه في مصر وحصل على شهادة التخصص في الطب الشرعي وعلم السموم، بعد نيل درجة الماجستير في كلية الطب بجامعة الأزهر الشريف-مصر من العام 1986م، وبعد عروض من تلك الدول بإعطائه الجنسية أبى على نفسه إلا العودة ليقدم الخدمة لأبناء شعبه.
أول طبيب شرعي في فلسطين
عاد إلى قطاع غزة عام 1987 ليعمل أول طبيب شرعي في فلسطين إبان الإدارة المدنية، حيث عمل في بداية الفترة في المستشفيات الإسرائيلية، وبعد قدوم السلطة الفلسطينية أسس دائرة الطب الشرعي في فلسطين، وكان الطبيب الشرعي الوحيد الذي يتقبل أن يتعامل مع الجثث الباردة دون الشعور بالخوف.
وداخل غرفته الصغيرة بمستشفى الشفاء الطبي بمدينة غزة، وبإمكانياته البسيطة والمتاحة بدأ مهنة الطب الجنائي.
عمل طبيبًا جراحًا في مستشفى ناصر الطبي عام 1994، وتقلد بعدها منصب مدير عام المستشفى بمحافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، ثم بعد ذلك كلّفته السلطة الفلسطينية في نفس العام رئيسًا لقسم الطب الشرعي بقطاع غزة، ومستشاراً لوزير الصحة لشئون الطب الشرعي.
استمر عمله في الطب الشرعي في قطاع غزة مدة 19 عاماً، وانتهى عمله به بعد وصوله إلى سن الستين عام 2006م.
عمل محاضراً لمادة التشريح في كلية التمريض، وفي كلية العلوم والتكنولوجيا بقسم العلوم الطبية لمدة عامين في كل منهما، إلى جانب عمله محاضراً لمادة السموم بكلية الصيدلة بجامعة الأزهر.
مواقف محفورة
حياته كانت مليئة بالمواقف، حسب نجله طلال الذي يعمل مدرسا للتربية الإسلامية، يقول لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “موقف زواج أختي لم يغب عن بالي للحظة؛ فبعد التجهيز للدخول على شقيقتي لإعطائها النقوط الخاص بها والخروج بعدها لإكمال مراسم الفرح، جاء اتصال لوالدي بوقوع حادثة وفاة لفتاة من المنطقة الشرقية، وحضر أهل المتوفاة، وقالوا له بأنه يؤخر دفن ابنتهم، فرد عليهم: أنا أخرت الدفن؟ أنا طالع معكم هالوقت، وترك الفرح وذهب للحالة”.
ويقول متحسرًا: “للأسف الشديد حسب ثقافات المجتمع هناك نظرة خاطئة عن الطبيب الشرعي في مجتمعاتنا”.
ويضيف طلال الذي يتحدث والدموع تنهمر من عينيه، لمراسلنا: “كان الكثير من الناس يستغربون منه كيف يأكل وكيف ينام ويجلس مع أهله ويخافون منه، لكن نحن كعائلته نرى الدكتور عبد الرازق الإنسان الذي يملك القلب الكبير والحضن الدافئ”.
وأشار إلى أن في والده مواصفات عدة كالصدق، وتحمل الأمانة، وكان صاحب قرار سريع كالسيف، وشخصية قوية، وغير متردد، ويخاف الله تعالى، حيث كان العمل شغله وهمه الوحيد.
وشدّد أنه لا يوجد عواطف داخل عمل والده، لافتاً إلى أنه كان تعرض عليه أموال كبيرة من أجل التوقيع على ورقة واحدة، لكن يقابلها بالرفض التام.
واستذكر لحظة إبلاغه بوفاة والده قائلا: “شعرت بالصدمة ساعات، ولكن لا لم يكن عزاؤنا الوحيد سوى السمعة الطيبة التي اكتسبها والدي والتي خفّفت عنا الكثير، إضافة لآلاف الناس الذين حضروا جنازته التي كانت خير شاهد على محبتهم له وتأثرهم بفقده”.
ويعدّ الطبيب الشرعي الناطقَ باسم المتوفى، حيث توجد لغة مشتركة بين الطبيب الشرعي والجثة، فهو يرى بعض الأشياء التي لا يراها أي طبيب آخر.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مستشفيات غزة تستقبل 145 شهيدا وجريحا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 35 شهيدا، و109 إصابات وذلك خلال 24 الساعة الماضية جراء تواصل حرب...

برنامج الغذاء العالمي: غزة تواجه المجاعة و700 ألف بلا طعام
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكد برنامج الغذاء العالمي أن الوضع الإنساني في قطاع غزة بلغ مرحلة حرجة للغاية، مبينا أن مخزون البرنامج من المساعدات...

العفو الدولي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة وانتهاك واسع للقانون الدولي بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام اتهمت منظمة العفو الدولية، سلطات الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب "أعمال ترقى إلى الإبادة الجماعية" في قطاع غزة،...

حماس تدعو لحراك عمالي عالمي تضامناً مع غزة ورفضاً للإبادة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام دعت حركة حماس المنظمات الحقوقية والإنسانية عبر العالم إلى الوقوف عند مسؤولياتها في فضح جرائم وانتهاكات الاحتلال...

لليوم الـ94.. الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ94 على التوالي، ولليوم الـ81 على مخيم...

عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى ويؤدون طقوسًا تلمودية
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام اقتحم مستوطنون متطرفون، صباح يوم الأربعاء، المسجد الأقصى المبارك من باب المغاربة، تحت حماية مشددة من قوات...

حملة دهم واعتقالات في الضفة
الخليل- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر الأربعاء، حملة اقتحامات في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، تخللتها اعتقالات بعد...