الأحد 30/يونيو/2024

الانتخابات المحلية.. شرف الخصومة إلى أين؟

د.محمود العجرمي

إن من أطرف ما نستمع إليه اليوم في حُمّى المساجلات الانتخابية المتعلقة بانتخابات المجالس المحلية، المُزمع إجراؤها في الثامن من تشرين الأول القادم؛ هو حين ينبري بعضٌ في نقدهم لمجلس بلدية ما، وتحديدًا بلديات قطاع غزة المحاصر منذ عشر سنوات، فمع اعترافهم بأن الإنجازات كثيرة وكبيرة إنهم يقدحون في تلك الإنجازات أنها جاءت نتاجًا لدعم خارجي من الدول المانحة، أو من دول شقيقة أو صديقة.

وكأن هذا الناقد الحصيف والمتذاكي النبيه اللطيف قد أمسك بمجلس البلدية المذكور، وقد وقع في فضيحة أو جناية ولا أفدح، أو كأنه كان يريد أن يقول: إن المجلس البلدي بدد المليارات من أموال آبار النفط أو مناجم الذهب الواقعة والخاضعة لولاية البلدية في أفعال فساد.

والسؤال المثير الذي يعرفهُ الصغير قبل الكبير: من أين لأي بلدية فلسطينية في قطاع غزة المحاصر إنجاز ما تحتاج له فعلًا، وكيف يمكنها ذلك، إن لم تَتَلقَّ دعمًا سخيًّا، خاصة أن ما تملكه من مالٍ من الموازنات ومن ريع ما تديره من مشاريع متواضع جدًّا أمام مسؤولياتها الجسام؟

وإن الدبلوماسية الاقتصادية لهذه البلديات القائمة على علاقاتها الخارجية من مهامها الرئيسة، وتُحسب من نجاحاتها، إذا أحرزت الدعم أو التوأمة مع مدن أخرى، وهي أيضًا في ميزان الحشد لدعم سياسي لقضايانا الوطنية في الصراع مع المحتل “الكولونيالي” الفاشي.

قطاع غزة يئنّ تحت وطأة حصار ظالم منذ عشر سنوات، حصار يُسقط دولًا كبرى، إلى جانب عدوانات ثلاثة متتالية استخدم فيها العدو كل أسلحته التقليدية وتلك المحرّمة دوليًّا، وقد دمرّ في آخر عدوان منها 25% من المنازل والبنى التحتية، ومع ذلك أحبط القطاع الصامد ومقاومته الباسلة أهداف هذه الاعتداءات الدموية الوحشية، وأعادت بلديات القطاع بناء الكثير مما دمرته تلك العدوانات.

أبناء القطاع الشامخ جميعًا يتذكرون أيضًا كيف كان حال القطاع شوارعه الرئيسة والفرعية، وكيف كانت ميادينه، وحال مياهه، وشاطئه الممتد خمسة وأربعين كيلومترًا، قبل الانتخابات البرلمانية الديمقراطية الشفافة في 25/ 1/ 2006م.

نتذكر شارع البحر و”الكورنيش”، وشارع صلاح الدين، كيف كانت وكيف هي اليوم، ونتذكر جيدًا كيف كانت تتدفق المليارات قبل عام 2006م، ويعلم هذا الشعب العظيم في أي جيوب كانت تستقر، أما بقيت الشوارع والميادين والساحات حطامًا، والمياه تتسرب والمفقود منها يزيد على 80% دون حفر آبار جديدة؟!

كلنا كان يرى بأم العين كيف كان جُلّ الشاطئ مصادرًا وحكرًا لاستراحات قالوا: “إنها مقار أمنية”، وهي في الواقع لم تكن سوى مُنتجعات لـ”قادة” التعاون الأمني، يغرقون في لُجتها فسادًا مع خلانهم وخليلاتهم بوجود ضباط العدو وسط غزة العزّة والمقاومة، وأيضًا كيف كانت مشاهد الحافلات التي كانت تَغصُّ بالمستوطنين وشبيبتهم وهي تمخرُ شوارع القطاع لِتَصُبّ في الشاليهات مجونًا وسقوطًا آثمًا وآسنًا.

شعبنا يعلم يقينًا مَن بناة الوطن ومَن المدافعون عنه ومَن المتعاونون المتآمرون على حقوقه بالشراكة مع الاحتلال، وكيف تُطيح المستوطنات بما تبقى من التراب المقدّس بغطاء التفاوض العبثي الهابط، ويرى اليوم تكرارًا في ضفتنا المحتلة الانقلاب المُسبق على انتخابات المجالس المحلية حتى قبل وقوعها، بالتهديد والوعيد حتى الاعتقال للعشرات من المرشحين لرئاسة أو عضوية المجالس المحلية، يقع ذلك بتنسيق لا يخفى على أحد مع أجهزة أمن الاحتلال، لقد خَبِر الشعب انقلاب سلطة فتح وأجهزتها الأمنية وموظفيها على نتائج الانتخابات الديمقراطية بعد يوم واحد فقط من إعلانها، أي يوم 26/1/2006م، وكيف ديست إرادة الشعب وخياراته، وهو يعلم اليوم لمن يُعطي صوته، وكيف يَقفُ صفًّا واحدًا دفاعًا عن ممثليه الحقيقيين ومؤسساته الديمقراطية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات