الإثنين 05/مايو/2025

ماذا كتبت مي الزين في ذكرى استشهاد والدتها الـ12؟

ماذا كتبت مي الزين في ذكرى استشهاد والدتها الـ12؟

“لم تكن أمًّا عادية كباقي الأمهات؛ فأبناؤها الثلاثة بشار وعمار ومحمد كانوا من الناشطين في بدايات الانتفاضة الأولى، وتعرضوا للاعتقال عدة مرات، لذلك لم تعش حياة هانئة وعادية”. هكذا وصفت الناشطة الفلسطينية في مجال ميلودراما مي الزبن من نابلس أمها في ذكرى استشهادها الـ 12.

ذكرياتها في الطفولة عندما كان جيش الاحتلال يقتحم مدينة نابلس تراها تركض خلف بشار وعمار، وهما يتصديان لدوريات الاحتلال بالحجارة والأكواع،  وتارة تراها تتفقد الجرحى وتبحث بين المعتقلين عن ابنيها اللذين كانوا من مجاهدي منطقة رأس العين وأبطالها، وأخرى تذهب للمستشفيات ويدها على قلبها خوفا من وجود أحدهما بين الشهداء.

وتتابع مي “في نهاية الثمانينيات اعتقل جنود الاحتلال ولديها بشار وعمار، فكانت تقسم نفسها ما بين زيارة بشار في سجن الجنيد في اليوم الأول، وزيارة عمار في سجن النقب، والتي كانت تصادف أحيانا ثاني يوم مباشرة”. فتبدأ رحلة معاناتها مع الزيارة عند الساعة الثالثة قبل الفجر صعودا بالباصات ومرورا بالحواجز وانتهاء بأقصى بقعة في جنوب فلسطين، حيث يوجد ابنها الثاني، وفي كثير من الأحيان كان يتم منعها من زيارته، فترجع مكسورة الخاطر منهكةً وقلبها يعتصر ألما وحزنا لعدم رؤيتها ابنها الحبيب”..

وتتكرر الاعتقالات خلال سنوات الانتفاضة الأولى لأبنائها، ولكن الحدث الأكثر إيلاما لها كان إصابة ابنها البكر بشار برجله بعد إطلاق سراحه بشهر واحد فقط عام 1993، فتبدلت الفرحة؛  فبدلا من أن تفرح به وتخطب له أصبحت تداوي جراح رجله المصابة، وعمار حينها كان على وشك الإفراج عنه من سجون الاحتلال. وبعد فترة قصيرة من إصابة ابنها بشار خرج عمار، ولم تكتمل فرحتها بلم الشمل للعائلة، وأبى الاحتلال الصهيوني كعادته إلا أن يسرق الفرحة من بيتها، فاحتدت المواجهات بنهاية الانتفاضة الأولى وتحديدا عام 1994 بشهر أيار استشهد نجلها الكبير بشار على دوار الشهداء بعد مقارعته سيارة صهريج صهيونية، فأطلق عليه سائق الصهريج عدة طلقات في رأسه وصدره ورقبته، فاستشهد على الفور.

هذا الخبر نزل كالصاعقة على عائشة الزبن، ولم تصدق أن ابنها الكبير قد استشهد وفارق الحياة، فعم الحزن بيتها، وأما ولدها الآخر، فزوجته حتى تتناسى ألم الفراق ويصبح لها أنيس في بيتها أنجبت ابنته الكبرى بشائر النصر، التي أوقدت شمعة حياة وأمل في منزل عائشة.

ولكن عمار ومع حياته الجديدة لم ينس أخاه الشهيد؛ فقد أخذ على عاتقه أن يثأر لدمائه ودموع والديه، فشكل خلية مجاهدة مع ثلة من الشباب الثائر هدفها كان إطلاق سراح الأسرى، وكان أبرز عملياتها عملية سوق محني يهودا وشارع بن يهودا بالقدس عام 1997، والتي أودت بحياة أكثر من 27 صهيونيا وجرح العديد، وبعد مدة من الزمن كُشف أمر الخلية واعتقل أفرادها، ومن ضمنهم عمار الذي كان عائدًا من رحلة سفر في الأردن.

شكل هذا النبأ زلزالا ببيت والدته التي لم تنس ابنها الأول وفقده، حتى فوجئت بعمار وبتبنيه العمليات، ومكثت سنة تذهب لمحاكماته في بيت إيل حتى تم الحكم عليه 26 مؤبدا بالإضافة إلى 25 سنة، فانهارت أمه كما البنيان الذي تم قصفه، وأصيبت بعدة أمراض منها الضغط وآلام مختلفة بجسمها، بالإضافة إلى مرض والده الذي أصيب بعدة جلطات أدت إلى فقدانه البصر وشلل جزئي بأطراف جسده، ما زاد العبء على أم بشار.

وعلى صعيد آخر؛ فقد كانت الشهيدة مواظبة على اعتصامات الأسرى وفعاليات التضامن مع ابنها  وبقية الأسرى كافة، وعندما تسمع أن هناك شهيدا أو أسيرا جديدا تذهب وتواسي والدته وتخفف عنه، ومرت السنوات وتم منع الزيارات لأكثر من أربعة أعوام، وأم بشار ما تزال محرومة من رؤية ابنها.

وفي العام 2004 نفذ الأسرى الفلسطينيون إضرابهم الشهير عن الطعام الذي استمر 17 يوما، وكانت عائشة كباقي أمهات الأسرى أول المتضامنات مع أبنائهم الأسرى، فاعتصمت في خيمة الاعتصام المقامة على دوار الشهداء وأضربت عن الطعام، وكانت تقول: (كيف بدي آكل وابني عمار والأسرى مضربين عن الطعام).

وجاءت ساعة الصفر عندما عاجلتها أزمة قلبية، ووقعت بوسط الخيمة، ونقلت على إثرها إلى المستشفى وتقرر لها عملية قلب مفتوح في مشفى المقاصد، وهناك قبيل العملية بيومين سمعت أن خيمة اعتصام مقامة في القدس للتضامن مع الأسرى، فعضت على جراحها، وأخذت لها مكانا بين الأمهات، وتوسطت الخيمة وعندما سألها النسوة هناك: لماذا أتيت يا حجة؟! يبدو عليك التعب، فأجابتهن: “أنا مستعدة للبقاء مع أولادي الأسرى حتى آخر يوم بعمري، ووقعت بالخيمة بعد ارتفاع ضغطها، ونقلت للمشفى على الفور”.

وعشية عمليتها كانت تدعو الله بأن يفرج عن ابنها وقرة عينها والألم يعتصر قلبها، ولسان حالها يقول: “لي خمس سنين ما شفتك يما، ورح أموت بحسرتي وأنت لسه مش طالع، بس إن شاء الله رح ألتقيك بالجنة”. وفارقت الحياة وهي تحت العملية بتاريخ 29 آب 2004.

وهكذا انقضت حياة عائشة الزبن، تلك الأم الصابرة المجاهدة التي فقدت الأبناء ما بين شهيد وأسير، وماتت وهي صائمة ومعتصمة مع الأسرى.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات