الجمعة 27/سبتمبر/2024

أحمد دوابشة طالباً في مدرسة شقيقه الشهيد

أحمد دوابشة طالباً في مدرسة شقيقه الشهيد

إلى بلدة دوما جنوب شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، اتجهت الأنظار صباح يوم الأحد (28-8)، إنه اليوم الأول للطفل أحمد دوابشة، الناجي الوحيد من محرقة عائلته قبل عام ونيّف، في الصف الأول الأساسي.

كانت الساعة قرابة السابعة صباحا، عندما وصل أحمد برفقة جده وعمه وعدد من أقربائه إلى المدرسة التي حملت منذ عام اسم شقيقه الشهيد علي، وبينما حضر الأطفال الملتحقون بالصف الأول بصحبة أمهاتهم، كان أحمد ينظر إليهم وفي ذهنه تدور أسئلة كثيرة، لم يكن ليجد الإجابة عليها ممن حوله.

في تلك الأثناء، كان جده يداعبه لينسيه أن والدته الشهيدة رهام دوابشة لم تستطع أن تحضر كباقي الأمهات، لكن “أحمد” أخذ يجر حقيبته المدرسية التي تحمل صورة ناديه المفضل (ريال مدريد)، طالبا من جده أن ينظر إليه.

انطلق طلبة الصف الأول خلف معلمتهم لتعرّفهم بمرافق المدرسة، ولحقهم “أحمد” الذي بدا مندمجاً مع حديث المعلمة، وهو يحاول أن لا يعير انتباهه للصحفيين الذين تجمهروا من حوله، وصرف بصره عن عدساتهم التي تطارده.
يوم ثقيل

لم  يكن سهلا على عائلة دوابشة أن تسد مكان الشهيدين (سعد ورهام) في أول يوم لابنهما في المدرسة، ويقول نصر دوابشة، عم أحمد، لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” إن لحظة دخول أحمد للصف الأول كانت إحدى أكثر اللحظات التي كان ينتظرها شقيقه الشهيد سعد وزوجة شقيقه الشهيدة رهام.

ويضيف: “أعلم كم ستكون فرحتهما به الآن لو كانا بيننا، وأعلم كم كانا ينتظران مرافقته في يومه الدراسي الأول”.

ويشير إلى أن هذا اليوم كان صعباً على العائلة أكثر من “أحمد”، بكل تفاصيله، وبتجهيزاته الصغيرة، كشراء ملابس بدل التي كانت عائلته قد حضرتها له، لكنها احترقت معهم والبيت والذكريات، ويضيف: “مؤلمٌ عندما أتذكر أن والديه كانا يجب أن يرافقاه اليوم، لا نحن”.

وأوضح نصر أن مرافقتهم لأحمد ستقتصر على أول يوم، وبعد ذلك سيقومون بإيصاله للمدرسة فقط.

وأشار إلى أنهم كعائلة بذلوا جهدهم لتهيئة المدرسة لاستقبال طفل كأحمد يعاني من آثار حروقٍ في جسده، ومن ذكرياتٍ مؤلمةٍ في قلبه، فقد تم تزويد المدرسة بمكيفات، وبمرافق صحية داخلية تحميه من الشمس التي لا يجب أن يتعرض لها كثيراً.
 
حلم لم يكتمل
قبل المحرقة التي ارتكبها المستوطنون بحق عائلة دوابشة في آخر أيام شهر تموز/ يوليو 2015، كانت الشهيدة رهام قد جهزت لطفلها حقيبة ليدخل الروضة، لكن النيران التهمتها ضمن ما التهمته في ذلك اليوم الأسود.

حرم “أحمد” من مرحلة الروضة، كما حرم من أشياء كثيرة نتيجة المحرقة، وبسبب مكوثه الطويل في المستشفى للعلاج، لم يعد إلى قريته إلا قبل شهر ونصف فقط، ليجد نفسه فجأة وقد أصبح طالباً مدرسياً.

مدرسة الشهيد علي كان عليها أن تشهد حدثاً استثنائياً صباح أول يومٍ دراسي، هو حدثٌ سنوي اعتيادي في أي مدرسة أخرى، لكنه هنا يحمل أبعاداً أكبر بكثير.

وتقول مديرة المدرسة هدى علي عيد لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”: “ظاهرياً سنعامل أحمد كأي طالب آخر، كي لا نؤثر على حالته النفسية، فهو مطالب بالأمور الفنية التي نطلبها من كل طلابنا، كالنظام والالتزام بمواعيد الدوام والزي المدرسي”.

المديرة “عيد” أكدت أنها سبق وأن التقت بالطالب أحمد، ولاحظت أن تجمهر الناس من حوله، وعنايتهم واهتمامهم الشديد به، يسبب له إزعاجاً كبيراً، وهي تأمل أن تعيد له المدرسة جزءاً من طفولته التي سلبت على مدار سنة كاملة أمضاها بالمستشفيات.

تجهيزات استثنائية
وأكدت “عيد” أنه تم تجهيز أمور استثنائية لأحمد بسبب وضعه الصحي، من دون إشعار الطلبة الآخرين، فقد تم تركيب ستائر خاصة لصفّه لحجب أشعة الشمس، بالإضافة إلى رسوماتٍ فنية، وذلك بتنسيق وإشراف من عائلته والمجتمع المحلي.

وتشير المديرة “عيد” إلى أن التجهيزات للصف الأول دائماً ما تكون خاصة، لكنها هذه السنة أكثر خصوصية، وهي تعلم أنها مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقها بالعناية بأجيال من الطلاب، فكيف بطفلٍ كأحمد.

ولفتت إلى أن المستشفى الذي يتلقى الطفل أحمد علاجه فيه أوصى بضرورة وجود مرشدة خاصة للمدرسة، وقد استجابت وزارة التربية والتعليم لذلك.

تغريد دوابشة، إحدى معلمات المدرسة، اختارت أن تكون مربية الصف الأول بحكم صلة القرابة التي تربطها بأحمد، ولقناعتها بأن ذلك قد يساعد في جعل العام الدراسي الأول له أكثر راحة ومرحاً.

في تمام الساعة الثامنة، قُرِعَ الجرس، ودخل أحمد غرفة الصف، وعيناه ترقب جده من بعيد، وبدا فرحاً بصفه ومقعده الجديد، ليبدأ عهدا جديدا، ويطوي مرحلة مضت لا زالت آثارها المؤلمة محفورة على جسده ومطبوعة في ذاكرته.
 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات