الإثنين 05/أغسطس/2024

الانتخابات البلدية؛ أجواء ضبابية وخيارات ناقصة

لمى خاطر

حين قررت قيادة السلطة في الضفة إجراء الانتخابات المحلية (موعدها بعد شهرين من الآن) يبدو أنها كانت تراهن على أمرين: الأول أن تقاطع حماس الانتخابات في الضفة ترشيحاً وتصويتاً كما فعلت قبل أربعة أعوام، وهو ما يعني تأمين فوز سهل لحركة فتح، والثاني أن تمنع حماس في غزة تنظيم الانتخابات البلدية فيها، وهو ما سيوفر لحركة فتح وسلطتها زخماً دعائياً لفكرة أنها راعية الديمقراطية مقابل حماس المتنكرة لاستحقاقاتها.

غير أن التعاطي الإيجابي لحركة حماس مع الأمر فاجأ السلطة كما يبدو وأربك بعض حساباتها كون حركة فتح تعاني من ترهل تنظيمي وسياسي ووطني، لأن قوام وجودها في الضفة بات يعتمد فقط على ذراعها الأمنية التي نراها تحضر في كل منافسة انتخابية وتبذل جهوداً ترغيبية وترهيبية مختلفة في أي انتخابات بهدف تفويز فتح حتى لو كانت بمستوى انتخابات نادٍ رياضي. أما في غزة فثمة انقسام حاد وواضح بين تياري عباس ودحلان، وهو ما يمكن أن يؤثر على حظوظ الحركة في الانتخابات هناك.

ومع هذا، فلا يمكن الادعاء بأن حماس بدورها تعيش أوضاعاً مريحة وأنها ستمتلك فرص منافسة مكافئة لبقية الفصائل، فإن كانت أوضاع غزة المستقرة أمنياً تساعد الحركة على تشكيل قوائمها بكل سهولة وتنظيم حملة دعائية دون عوائق، إلا أن عامل الحصار ليس في صالح الحركة في غزة، خصوصاً مع وجود قطاع عريض من الجمهور يحكم على الظاهر فقط ولا يعبأ كثيراً بإدراك خلفيات الحصار وأهداف الجهات الممكّنة له.

أما في الضفة فليس بمقدور الحركة خوض الانتخابات عبر قوائم صريحة باسمها (على غرار ما حدث عام 2005) فإن كان الاحتلال قد غض الطرف قليلاً عن نشاط الحركة الانتخابي المحلي والتشريعي حينها على أمل ترويضها فإنه الآن قد وعى الدرس جيداً وأيقن أن الحركة ليست بصدد التخلي عن خيارها المقاوم الذي ما يزال يتصدر أولوية اهتمامها، وقد ضاعف الاحتلال من استهدافه للحركة خلال السنوات العشر الأخيرة إلى درجة باتت فيها كل مظاهر نشاط الحركة عرضة للملاحقة والتصفية حتى لو كانت دعوية أو إغاثية أو نقابية بحتة. فكيف حين يضاف لذلك ملاحقة مماثلة من أجهزة السلطة الأمنية لم تتوقف يوماً وليست بوارد التوقف، بل نراها تعتمد معايير الاحتلال ذاتها في استهداف نشاط حماس؟

ثمة أمر خطير هنا ولا يبشر بخير وهو أن قرار إجراء هذه الانتخابات اتخذته السلطة منفردة ولم يأت كنتيجة توافق مع حماس أو بقية الفصائل، وهو ما سيعني أن السلطة لن تجد نفسها ملزمة بتقديم أي ضمانات لتأمين انتخابات نزيهة أو كفّ يدها الأمنية عن البطش والملاحقة، بل يبدو أنها وصلت لقناعة بأن نشاطها الأمني ضد حماس والمقاومة عموماً هو عامل مهم من عوامل استمرارها وبقائها كسلطة أمر واقع في الضفة، ولعلّ هذا ما يفسر تلك الرعونة السياسية التي تكتنف إجراءاتها وقراراتها الأخيرة التي تنفرد بها وكأنها اللاعب الوحيد المؤثر على الساحة الفلسطينية.

ومن هنا، فإن هذه الأجواء الضبابية التي تكتنف مسألة الانتخابات لن تكون في صالح حركة حماس في الضفة، وهو أمر يبدو أنه يريح معظم الفصائل الأخرى التي لم تبدِ اعتراضاً على تفرّد حركة فتح في القرار واستمرار حملاتها الأمنية في الضفة، ولعلّ الخيار الأكثر ملاءمة لحماس (وليس الأمثل) أن تساهم في دعم قوائم فيها شخصيات مهنية غير محروقة تنظيمياً أو أن توجه كتلتها التصويتية لانتخاب أفضل القوائم في كل ساحة، ولا يعني هذا أن الشخصيات التنظيمية تفتقر للكفاءة بالضرورة كما يحلو لقطاع من المستقلين الادعاء، بل إن التنافس الحزبي يفترض أنه أفضل تجليات الحالة الديمقراطية السليمة في كل مكان، وهو ينبغي أن يتقدم على العامل العشائري واعتباراته المتخلفة، وليس العكس. لكن الحالة السياسية والأمنية في فلسطين ليست مثالية ولا ربع مثالية لنتوقع ممارسة انتخابية سليمة لا تعارضها عوامل شتى متداخلة أو متنافرة.

إن التوافق على كفاءات مهنية وإدارية تحظى بقبول عام يبدو خياراً مناسباً لإدارة البلديات، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عامل الاحتلال وقيود المانحين والبيئة الأمنية الصعبة، إلا أنه من الصعب توقّع هكذا توافقات في ظل التفرد الذي تمارسه قيادة فتح بهدف إقصاء خصومها، وفي ظل انتهازية بعض الفصائل الصغيرة التي تتركز غاياتها في تحسين حظوظها الانتخابية فقط بالاستفادة من مآزق وأزمات غيرها.

وفي كل الأحوال، ليس لنا أن نتوقع نتائج كبيرة بعد هذه الانتخابات، لا على الصعيد السياسي ولا على صعيد الخدمات، فقد تكون الانتخابات محطة لتأزيم المشهد وليس لحلحلة قضية الانقسام، أما العامل الخدماتي فسيظل محكوماً بسقف محدد مهما كانت هوية الفائز، لأننا قبل كل شيء في وطن محتل، وأما اتجاهات النتائج فلن تعطي مؤشراً واضحاً للمتابعين حول المزاج العام، فليست القناعات السياسية وحدها من تتحكم في خيارات الناخبين هنا. بل ينبغي توقّع وضعاً في غاية المأساوية إن تم الانتقال نحو مرحلة الانتخابات التشريعية والرئاسية وفق الآلية ذاتها، وفي ظل الأوضاع المأزومة وغير المتغيرة الحالية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يسلّم جثامين 84 شهيدا سرقها من غزة

الاحتلال يسلّم جثامين 84 شهيدا سرقها من غزة

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام سلمت جيش الاحتلال الإسرائيلي العشرات من جثامين الشهداء كان قد اختطفهم من مقابر في قطاع غزة. وأعلنت اللجنة الدولية...

حماس تنعى الشهيدة وفاء جرار

حماس تنعى الشهيدة وفاء جرار

جنين - المركز الفلسطيني للإعلام نعت حركة حماس إلى جماهير شعبنا الفلسطيني العظيم وأحرار أمتنا العربية والإسلامية: الأسيرة المحررة الجريحة وفاء جرار...