الأحد 20/أكتوبر/2024

الجمالان.. مداد المقاومة والإنسانية

الجمالان.. مداد المقاومة والإنسانية

قبل ساعات الظهير وفي غمرة الانشغال والازدحام وبعد أيام قليلة على رحيل الشهيد صلاح دروزة، صوت انفجار ضخم يبدد سكون ذلك النهار الكئيب وحشود بشرية لا أول لها ولا آخر، أشلاء تناثرت على الجدران وتكبيرات ملأت الأرجاء، عيون ذرفت الدموع على رحيل نخبة من رجال الوطن.

لم يعد تاريخ (31-7) من كل عام يمر دون أن يقف الجميع على أطلال جريمة الاحتلال الصهيوني التي طالت القادة جمال منصور وجمال سليم وثلة من الإعلاميين أثناء تواجدهم في المركز الفلسطيني للدراسات والإعلام الذي يعملون به، فدخلوه صباحاً بهمة ونشاط وخرجوا منه بعد ساعات محملين على الأكتاف شهداء.

ففي ذلك اليوم من عام 2001 أقدمت طائرات الاحتلال الصهيوني، على قصف مكتب صحفي في وسط مدينة نابلس شمال الضفة المحتلة، وأسفر عن ارتقاء الجمالين و4 من رفاقهما.

وصية الشهادة
تقول منى منصور، النائب في المجلس التشريعي، وزوجة الشهيد جمال منصور لـ“المركز الفلسطيني للإعلام”، إن أبو بكر كان دائم الحديث عن الشهادة والشهداء وكان يتوقع أن يكون في يوم من الأيام ضحية لجرائم الاحتلال الصهيوني التي سعت دوما لاعتقاله وتصفيته.

وتتابع: “أبو بكر دائم الحديث عن الشهادة بل إنه كان يوصيني باستمرار بأن لا أبكي في حال استشهد، وأن أصبر باعتبار ذلك حال المؤمنين الصابرين”.

وعن تفاصيل يوم الشهادة ذكرت زوجة الشهيد أنها كانت في زيارة لمنزل الشهيد صلاح دروزة بتوجيهات من زوجها أبو بكر، وحينما همت بالخروج من المنزل وركبت السيارة برفقة أم الطاهر، زوجة القيادي ماهر الخراز، سمعتا صوت انفجار هز أرجاء وسط المدينة.

وتتابع: “وبسرعة كدت أجزم بأن الهدف هذه المرة هو أبو بكر؛ ولكن وبعد أن عجزت عن الوصول إليه عبر الهاتف لم أقم بالتوجه إلى مكان الانفجار بناء على توصيته بأن لا أكون بأي مكان يكون في انفجار بل أن أذهب إلى أطفالي”.

زفرة أطلقتها زوجة الشهيد خلال استرجاعها لأحداث ذاك اليوم قبل أن تواصل سردها: “تابعت سيري ووصلت إلى بيتي في محيط مستشفى رفيديا، ورأيت حشوداً لا تعد ولا تحصى موجودة هناك، والتقيت بالعديد من قيادات الحركة ومن نعرف فالأغلب كان يقول لي: الله المستعان دون أن أعرف وقتها بأنهم يواسوني باستشهاد أبو بكر، بل إنهم يتحدثون ذلك عموماً”.

وما هي إلا لحظات حتى اقترب إلي أكثر من شخص يواسيني ويصبرني، ووقتها جزمت بأن أبو بكر قد ارتقى شهيدا، ليكون هذا الخبر بمثابة الصاعقة التي نزلت على رؤوس الجميع، قالت منصور.

وتستحضر أم بكر الأيام الأخيرة لزوجها قائلة: “قبل استشهاده بأيام قام باصطحاب أبنائه إلى مكتبة لشراء أغراض المدرسة التي كانت تحتاج إلى عدة أسابيع حتى تبدأ، وعندما قال له البائع: لماذا أنت مستعجل على شراء القرطاسية؟ قال له: وهل أضمن أن أعيش للغد؟!”.

وتؤكد الزوجة أن أبو بكر لطالما طلب من الله أن ينوله الشهادة، حتى حصل على ما أراد، تاركا خلفه سيرة مليئة بمعاني التضحية والتعاون، فكان دائم المشاركة للناس أحزانها وأفراحها بل إنه كان في كثير من الأحيان يمضي معظم أوقاته في إصلاح ذات البين،  ويقدم المساعدة لمن يعرف ولمن لا يعرف.

الأب المثالي ورجل الإصلاح
زوجة الشهيد جمال سليم هي الأخرى تصف لـ“المركز الفلسطيني للإعلام”  اللحظات الأولى لاستشهاد زوجها قائلة: “في صبيحة ذلك اليوم تناولنا طعام الإفطار مع بعضنا البعض، ومن ثم خرج إلى عمله مودعاً لنا، وبينما كنت مع إحدى قريباتي بالسوق رأينا أناس يركضون بعد أن سمعنا صوت انفجار كبير، تساءلت عن مصدره، فقالوا بأن هناك قصفا لأحد المكاتب، فقلت لقريبتي هذا جمال قد استشهد”.

وأضافت: وما هي إلا لحظات حتى تأكدنا بأنه هو، وبالفعل قد صدق إحساسي، وأن المستهدف هم الجمالان، فأصبت بصدمة، وفقدت الوعي، ونقلت على إثرها للمشفى، ولم أعد أقوى على الوقوف، وعندما طلبت أن اذهب لرؤيته، تم منعي من ذلك، كون إصابته في منطقة الرأس، فلم أحظ بنظرة الوداع لجثمانه الشريف”.

وتشير أم مجاهد إلى أن زوجها كان يسعى إلى أن يمضي أغلب الأوقات معهم قدر الإمكان نظراً لكثرة انشغالاته في الخطابة والمواعظ ولجان الإصلاح.

وفي استذكارها لمحاسن زوجها الشهيد، قالت إنه كان نموذجاً للأب المثالي الذي غرس في نفوس أبنائه معاني الحب والانتماء والإخلاص والتعاون والألفه، فلم تذكر في يوم من الأيام أنه قد حرم احد أبنائه من أي طلب أراد، بل إنه كان الأب والصديق في نفس الوقت”.

وذكرت أم مجاهد بأن زوجها كان دائم الحديث عن الشهادة، ويردد عبارات منها “كل الناس يموتون، ولكن قلة الذين يستشهدون”، وكذلك له عبارة مشهورة “كلنا مشاريع شهادة”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات