الخميس 01/مايو/2025

الانتخابات البلدية.. ضمانات النجاح وأسباب الفشل

ماهر حجازي

لا شك أن الساحة الفلسطينية مقبلة على حدث وطني قد يغير معالم الوضع الراهن في الأراضي الفلسطينية (الضفة والقدس المحتلة وقطاع غزة المحاصر)، وذلك مع دعوة حكومة التوافق الفلسطينية إلى إجراء انتخابات الهيئات المحلية (البلدية) في أكتوبر/تشرين الأول القادم، حيث قوبلت هذه الدعوة بمواقف متقاربة للفصائل الفلسطينية؛ بين مرحب، وداعم، وآخر لا يزال قيد الدراسة ضمن الأطر الداخلية للفصيل.

حركة حماس التي خاضت أول تجربة انتخابية لها على مستوى المجلس التشريعي الفلسطيني عام (2006)، ودفعت فاتورة باهظة نتيجة الخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني الذي انتخب الحركة في عملية اقتراع شهدت المؤسسات الدولية بنزاهتها، كذلك عوقب الشعب على هذا الخيار، واعتقل الاحتلال الصهيوني رئيس ونواب المجلس التشريعي عن كتلة التغيير والإصلاح؛ بهدف تعطيله وتغييبه عن الحياة السياسية الفلسطينية، كما حوصر أهالي قطاع غزة، ومنعت عنهم كل أشكال الحياة، وشنت ضدهم حروب عدة، راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى، ودمرت البنية التحتية للقطاع، كل ذلك لم يمنع الحركة من الترحيب بالانتخابات البلدية القادمة، وصولاً إلى المشاركة فيها، ودعوة أبناء فلسطين لانتخاب من يستحق صوتهم، وقادر على خدمتهم، وتلبية احتياجات الشعب، خاصة بعد عشر سنوات من الحصار الظالم لقطاع غزة والوضع الاقتصادي والخدماتي المتردي والفساد الإداري للبلديات في الضفة المحتلة.

حركة فتح التي تشغل غالبية البلديات في الضفة المحتلة، تستعد لخوض الانتخابات البلدية مع مخاوف عبرت عنها قيادات من الحركة حول ما أسمتها بالمفاجأة في نتائج الانتخابات خاصة في حال فوز قوائم محسوبة على محمد دحلان ضمن أطر حركة فتح، كذلك السؤال الذي يطرح نفسه هذه المرة: ما موقف الحركة في حال تكرر سيناريو الخيار الشعبي في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني 2006، هل ستلتزم فتح بما تفرزه صناديق الاقتراع أم تنقلب على خيار الشعب للمرة الثانية؟

حركة الجهاد الإسلامي لم تحسم حتى الآن موضوع المشاركة في الانتخابات البلدية، وما زالت تتدارس الموضوع ضمن أطرها الداخلية، في ذات الوقت الذي رحبت بالانتخابات، ودعت إلى تشكيل قائمة وطنية موحدة لخوض الانتخابات، بغض النظر عن قرارها النهائي، أيضاً فصائل اليسار الفلسطيني (الجبهتان الشعبية والديمقراطية) هي الأخرى دعت إلى تشكيل قائمة موحدة من هذه الفصائل للمشاركة في الانتخابات البلدية.

اليوم يجري الحديث عن ضمانات فصائلية لنجاح الانتخابات البلدية في الضفة وغزة والقدس المحتلة، ولا بد للمواطن الفلسطيني أن يختار من يمثله بكل أريحية، دون ابتزاز من هذا الفصيل أو ذاك، ولا بد أن نأخذ بعين الاعتبار التجربة التي عاشها المواطن بعد انتخابات التشريعي 2006، وما لحق به نتيجة الانقلاب على خيار الشعب الفلسطيني من قبل السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، وكذلك الانتهاكات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني؛ كعقوبة على انتخابه لحركة حماس، لا بد لهذا المواطن أن يقلق من تكرار السيناريو في حال لم تكن هناك ضمانات فلسطينية فلسطينية بالقبول بنتائج الانتخابات البلدية القادمة، فيما يحقق مصلحة المواطن، ويقدم له كل الخدمات المنوطة بعمل البلديات.

بالحديث عن هذه الضمانات التي يجب الإعلان عنها ضمن ورقة توافق فلسطينية لجميع الفصائل المشاركة في الانتخابات البلدية، أو حتى التي لن تشارك ولكنها تدعم الانتخابات، يجب أن تضمن حرية الاختيار للمواطن الفلسطيني لمن يرى فيه الأجدر بخدمة تطلعات الشعب الفلسطيني المنهك، وعدم التعرض للمواطن بالتهديد أو الاعتقال، وكذلك فسح المجال أمام الدعاية الانتخابية في الضفة والقطاع والقدس للمرشحين، ليكون المواطن على معرفة تامة بالمرشحين، ليتمكن من اختيار الشخص الذي يرى فيه الخير.

كما يجب أن تتوافق جميع الفصائل على ورقة شرف تؤكد التزام الجميع بنتائج الانتخابات، حتى لو كانت غير مرضية لبعض الأطراف على اعتبار أن هذه الانتخابات تجربة وطنية جديدة قد تمهد لمرحلة فلسطينية وطنية بامتياز، ومدخل إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني في حال نجاحها، وأن تتعهد الفصائل في هذه الورقة بدعم الفائزين في الانتخابات البلدية، فيما يحقق مصلحة المواطن الفلسطيني.

كذلك العمل على تشكيل لجنة الانتخابات، وأن يكون لكل فصيل ممثل في هذه اللجنة، بالإضافة إلى شخصيات وطنية فلسطينية مستقلة تحظى بتأييد في الشارع الفلسطيني، للإشراف على سير العملية الانتخابية ونزاهتها، ومنع التزوير والابتزاز للمواطنين، بالإضافة إلى استقبال شكاوى المواطنين قبل وأثناء وبعد العملية الانتخابية لضمان نجاح هذه التجربة.

من الضروري على وسائل الإعلام الفلسطينية المختلفة أن تستطلع آراء المواطنين في الضفة وغزة والقدس المحتلة حول رؤيتهم للانتخابات القادمة، ومقترحاتهم لتشكل أرضية تستند إليها لجنة الانتخابات فيما يتعلق بسير العملية والترشح والقوائم الانتخابية، وكذلك مطالب وتطلعات المواطنين فيما يتعلق بعمل البلديات وتقديم الخدمات. بالإضافة إلى بث البرامج التوعوية للمواطنين، التي تحث على المشاركة الفعالة في الانتخابات انطلاقاً من مصلحة الوطن والمواطن.

أيضاً لا بد من أن تحظى العملية الانتخابية بتغطية إعلامية، وأن يسمح لمختلف وسائل الإعلام بالعمل في الضفة وغزة على حد سواء، ولا مانع من أن تستضيف القنوات المحسوبة على فصائل معينة ضيوفاً من الفصائل الأخرى في جو من الشفافية بهدف إنجاح هذه الانتخابات.

من الضروري أن يأخذ بهذه الضمانات من قبل لجنة الانتخابات، وكذلك الفصائل الفلسطينية والشخصيات المستقلة التي تنوي المشاركة بالانتخابات البلدية، وجمع مطالب المواطنين للخروج بصيغة تحمي العملية الانتخابية، وتصون حق المواطن الفلسطيني في انتخاب من يرى فيه الكفاءة، مع التزام الجميع بنتائج الانتخابات.

أيضاً نستطيع الحديث عن نقطة جوهرية فيما يتعلق بقوائم الانتخاب، حيث تطرقت عدة فصائل لهذه النقطة؛ فحماس دعت إلى قائمة موحدة تضم شخصيات فلسطينية اعتبارية وطنية وذات كفاءة مهنية قادرة على إحداث التغيير الذي يطمح له المواطن الفلسطيني، وأيدت هذه الفكرة حركة الجهاد الإسلامي، في حين اتجهت قوى اليسار إلى قائمة انتخابية موحدة خاصة بها.

من يريد اليوم أن يخدم بشكل حقيقي الإنسان الفلسطيني لا بد أن يحظى بثقة المواطنين، وعلى هذا الأساس لا بد أن تكون قائمة الانتخابات الموحدة تضم شخصيات لها تأثير في الشارع الفلسطيني، وسجل مشرف يعيه تماماً المواطن الفلسطيني، بالإضافة إلى الشخصيات الفلسطينية الفصائلية المتمسكة بثوابت القضية الفلسطينية، من ثم فهذه القائمة ستكون الأوفر حظاً في جذب المواطن ليقابلهم بكملة نعم، إن علمنا أن الانتخاب يتم وفق نظام القوائم، أي لا يمكن التصويت لمرشح واحد بعينه، وإنما الانتخاب للقائمة ككتلة واحدة، ولعل وجود شخصية لا يرغب الناخب الفلسطيني باختياره يجبره على الامتناع عن تصويته، فتكون خسارة لصالح مرشحين آخرين، من ثم الدعوة في هذا المقام مفتوحة للفصائل الفلسطينية خاصة تلك التي تشارك في الانتخابات البلدية لأول مرة، بضرورة إعداد قائمة انتخابية وطنية بامتياز، تضم كل من يثق الشعب الفلسطيني به.

سيناريوهات متعددة تواجه الانتخابات البلدية الفلسطينية بين الفشل والنجاح، بكل تأكيد أن توفر النية الصادقة يشكل عاملاً رئيساً في إنجاح الانتخابات، أما في حال اتباع طرف ما سياسة تشويه الطرف الآخر لزعزعة صورة هذا الفصيل الفلسطيني في نظر الشعب للتأثير في قراره، فسيشكل نعياً حقيقياً لهذه الانتخابات قبل انعقادها، ولا يضير أن يتحدث كل طرف عن إنجازاته على صعيد البلديات والخدمات، بدلاً من تشويه الطرف الثاني، مستغلاً الوضع الجغرافي والانقسام الفلسطيني، وأعتقد أن هذه الأمور قد بدأت فعلاً.

إن النجاح في هذه التجربة التي تحظى بإجماع فلسطيني حتى الآن سيكون نقطة تحول في مسار العملية الديمقراطية الفلسطينية، ونموذجاً مصغراً للإعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، بمشاركة فصائل فلسطينية لم تسجل حضورها سابقاً في أي انتخابات فلسطينية، مع طوي صفحة الانقلاب على الشرعية الفلسطينية، والإقرار بنتائج الانتخابات حتى إن لم تأت الريح بما لا تشتهيه السفن.

المصدر: الخليج أون لاين

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

91% من سكان غزة يعانون أزمة غذائية

91% من سكان غزة يعانون أزمة غذائية

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة منير البرش، اليوم الخميس، أن 91% من سكان القطاع يعانون من "أزمة غذائية"...