الأحد 10/نوفمبر/2024

نتنياهو بأفريقيا.. تمدد إسرائيلي وانكماش عربي

 ياسر محجوب الحسين

كما يفعل زعماء الدول العظمى جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عددا كبيرا من قادة الدول الأفريقية للقائهم دفعة واحدة، كما طالبت “إسرائيل” بمنحها صفة دولة مراقب في الاتحاد الأفريقي على غرار دول وكيانات كبرى كالهند والصين وتركيا والبرازيل واليابان، والاتحاد الأوروبي.

وقد نبهت زيارة نتنياهو إلى أربع دول أفريقية ذات ثقل كبير بداية يوليو/تموز الحالي، للمخططات الإسرائيلية في القارة السمراء. وجاءت الزيارة -التي وصفها نتنياهو بالتاريخية- تحت شعار حالم مفعم بالشاعرية، “إسرائيل تعود إلى أفريقيا، وأفريقيا تعود إلى إسرائيل”، وبدأها بأوغندا ثم كينيا ورواندا لينتهي به المطاف في إثيوبيا.

ولا يمكن وصف هذه الزيارة بأقل من أنها زيارة بالغة الخطورة وتحمل في طياتها الكثير من الدلائل والمعاني، وقد تعمد نتنياهو الإعلان بأنها تصادف الذكرى الأربعين لمقتل شقيقه في عملية عنتيبي قبل 40 عاما خلال عملية تحرير طائرة ركاب كانت الجبهة الشعبية الفلسطينية قد اختطفتها إلى أوغندا آنذاك.

وربما رأى نتنياهو أن التوقيت مناسب للتمدد بأفريقيا في ظل انهيار كبير لمنظومة النظام العربي؛ فالعراق منشغل في حرب طائفية، وكذلك سوريا، وتنشغل دول الخليج بحرب اليمن، وليس الحال بأفضل في ليبيا ومصر والسودان والصومال. أما الجامعة العربية فلا تكاد تسمع لها ركزا، رغم أن من مهام أمين عام الجامعة العربية السياسية توجيه نظر مجلس الجامعة أو الدول الأعضاء إلى مسألة يقدر الأمين العام أهميتها. ومنذ تعيين الأمين العام الجديد أحمد أبو الغيط قبل 4 شهور لا يكاد أحد يعرف له نشاطا في ظل أحداث عظام تمسك بتلابيب الأمة العربية.

وتعود علاقات “إسرائيل” ببعض الدول الأفريقية إلى خمسينيات القرن الماضي، بيد أنها تضررت بعد حرب يونيو/حزيران 1967؛ إذ أدى العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن، آنذاك، والضغوط العربية إلى مقاطعة 35 دولة أفريقية لـ”إسرائيل”.

وعقب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، عمدت الدول الأفريقية إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع “إسرائيل” بشكل جماعي، بقرار ملزم صادر من منظمة الوحدة الأفريقية. لكن تيرمومتر العلاقات الإسرائيلية مع الدول الأفريقية عاد ليرتفع إثر توقيع مصر و”إسرائيل” اتفاقية كامب ديفيد في العام 1978، حيث بدأت من ذلك الحين بعض الدول الأفريقية في إعادة علاقاتها مع “إسرائيل” بشكل فردي.

ومن المؤكد أن جولة نتنياهو الأفريقية أعقد وأعمق.. فـ”إسرائيل” اليوم تحقق مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية في الفضاء الأفريقي على حساب الأمن القومي العربي، وتستثمر ما استطاعت في الغياب العربي عن ساحة حيوية لأمنها ووجودها، ويبدو أن “إسرائيل” تعمل بنصيحة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، لرئيس وزرائها الأسبق مناحيم بيغن حين قال له: “إني أسلمك أمانة أمة تنام ولكن لا تموت؛ استثمر ما استطعت نومها فإن استيقظت أعادت ما أخذ منها بقرون”.

أهمية أفريقيا الاستراتيجية
تحتل أفريقيا المكانة الثانية بين قارات العالم من حيث المساحة إذ تزيد مساحتها عن الثلاثين مليونا من الكيلومترات المربعة، وتحتل أفريقيا موقعا جغرافيا يتيح لها مناخا مداريا يوفر موارد طبيعية كبيرة. وقسم كبير من أراضيها ذو مناخ استوائي ومداري، مما ساعد في توفر بيئة طبيعية لنمو الثروة الحيوانية وتطورها.

وفوق ذلك؛ فإن أفريقيا مستودع مهم للمواد الأولية، ولم يتم استغلال ما يزيد عن الطبقة السطحية من أرضها حتى اليوم، ومع ذلك فإنها تنتج ما يقرب من 98% من إنتاج العالم من الماس و55% من ذهبه و22% من نحاسه مع كميات ضخمة من معادن جوهرية كالمنجنيز والكروم واليورانيوم. كما تنتج أفريقيا حوالي ثلثي كاكاو العالم وثلاثة أخماس زيت النخيل، وتضم أرضها احتياطيات لا نهاية لها من القوة المائية.

وتتمتع القارة باحتياطيات نفطية كبيرة، ويعتبر معدل اكتشاف هذه الاحتياطيات الأسرع في العالم خلال العقد الماضي، ويقول الاتحاد النفطي السويسري -وهو أكبر معهد نفطي متخصص في الدراسات والأبحاث النفطية في سويسرا- في دراسة حديثة، إن احتياطي النفط في أفريقيا يبلغ 17.2 مليار طن، وهو ما يعادل احتياطي النفط في أوروبا.

وكان أحد الأهداف الاستعمارية في أفريقيا، السيطرة على مناطق التحكم الاستراتيجي، والمعابر المائية القابضة على طرق التجارة الدولية. ولم تكن “إسرائيل” بدورها بعيدة عن مشاكل أفريقيا لارتباطها العضوي بالاستعمار الذي تشترك معه في خلفية ثقافية واحدة، فعندما حصلت الدول الأفريقية على استقلالها في القرن الماضي وجدت نفسها مثقلة بميراث استعماري تمثل في خلفية ثقافية تتماشى مع وجهة النظر الإسرائيلية.

الروابط العربية الأفريقية
ربما لا يجد الباحثون عناء كبيرا وهم يبحثون عن الروابط التي تربط العرب بالأفارقة، سواء كانت روابط دم أو دين أو ثقافة أو غيرها. وهي روابط ساهم الواقع الجغرافي في تعزيزها؛ فالعلاقات بينهما علاقات قديمة قدم التاريخ، وتعود إلى أكثر من ألفي سنة؛ ومما يعزز هذا الاعتقاد أن أفريقيا ومنطقة شبه الجزيرة العربية كانتا تمثلان رقعة أرضية واحدة، حتى انشطرت الأرض وأصبح البحر الأحمر الذي يسمى بالأخدود الأفريقي العظيم يفصل بينهما.

وتؤكد المصادر التاريخية أن عرب الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية هم أقدم من وصل إلى ساحل شرق أفريقيا، حيث اختلطوا بالسكان المحليين وأقاموا المراكز التجارية. وتعطي بعض الأرقام صورة عن أهمية الترابط الجغرافي؛ إذ إن أكثر من نصف العرب يعيشون في أفريقيا (حوالي 60%)، و25% من الأفارقة هم عرب، وأكثر اللغات التي يتحدث بها أهل أفريقيا هي اللغة العربية.

وكان للإسلام القدَح المعلى في توثيق عرى الروابط العربية الأفريقية؛ ومما لا ريب فيه أن انتشار الإسلام وحضارته في أجزاء واسعة من القارة الأفريقية عبر القرون قد أوجد روابط حضارية وثقافية مهمة بين قطاعات كبيرة من أهل القارة.

وهناك ما يشير إلى أن أفريقيا هي القارة الوحيدة التي يتجاوز عدد المسلمين فيها نصف عدد السكان، مما يجعلها القارة الإسلامية الأولى؛ أضف إلى ذلك الانتشار الكبير للّغة العربية في أفريقيا الغربية وفي ساحل المحيط الهندي، بالإضافة للأثر الفعّال الذي أحدثته في اللهجات الأفريقية الكبرى، خاصة الأمهرية في أرض الحبشة التي كتبت بالحرف العربي أزمانا متطاولة إلى بدايات القرن العشرين.

وتركزت آثار اللغة العربية في عدد من اللغات الأفريقية المحلية لدرجة كبيرة، وظهر هذا الأثر واضحا في لغة الهوسا وصنفي والفولاني، ويُوجد في هذه اللغات الكثير من الكلمات ذات أصول العربية، بل إن الحروف العربية استخدمت في كتابة لغة الهوسا منذ زمن مبكر، كما استخدمت في اللغة الفولانية.

وفيما يخص العلاقات العربية الأفريقية المعاصرة، فقد خطا الشعور العربي الأفريقي بوحدة المصير خطوة في الاتجاه الصحيح حين شهدت العاصمة السنغالية داكار انعقاد المؤتمر الوزاري العربي الأفريقي في أبريل/ نيسان من العام 1976؛ لبحث التعاون العربي الأفريقي الذي أقرته اللجنتان الوزاريتان الأفريقية والعربية في العام 1975.

وفي 9 يوليو/تموز 2002 أُنشئ الاتحاد الأفريقي في محاولة لتطوير أهداف منظمة الوحدة الأفريقية بمبادرة عربية ليبية، وكان من أكثر الأشياء مدعاة لقلق “إسرائيل” قيام تضامن عربي أفريقي يفضي إلى جبهة سياسية واحدة، تزيد من حالة العزلة التي تعاني منها، ولذلك جعلت “إسرائيل” من أهدافها المهمة في القارة الأفريقية إضعاف العلاقات الأفريقية العربية.

الأهداف الإسرائيلية
يمكن حصر أهداف “إسرائيل” في أفريقيا في ثلاثة أهداف؛ عسكرية، وسياسية واقتصادية. ويعتبر المجال العسكري هو الأكثر استقطابا للأفارقة، وتشير الأرقام إلى ارتفاع مطرد في مبيعات الأسلحة الإسرائيلية في أفريقيا، والتي بلغت أكثر من مائتين وعشرين مليار دولار.

وفي زيارة نتنياهو أبدت “إسرائيل” استعدادا لتزويد جيوش جنوب السودان وأثيوبيا وكينيا وتنزانيا بمساعدات عسكرية تشمل طائرات بدون طيار، وسفنا سريعة، ومرشدين عسكريين، ومركبات مدرعة ووسائل تعقب إلكتروني. وتستهدف المساعدات العسكرية الإسرائيلية في تلك المناطق ضمان قواعد لأسلحة الجو والبحرية الإسرائيلية على امتداد خليج عدن وشرق المحيط الهندي.

وتتخذ “إسرائيل” من الصراعات المسلحة في أفريقيا مدخلا لتفعيل نفوذها السياسي والأمني، فلم تكن إسرائيل بمنأى عن الصراع في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، كما لم يغب الدور الإسرائيلي عن الصراع المسلح بين جنوب السودان وشماله قبل إعلان دولة الجنوب.

ورعت “إسرائيل” تمرد جنوب السودان منذ بدايته، وتدرب كل قادة التمرد في “إسرائيل”. وفي أول زيارة رسمية ومعلنة لرئيس جنوب السودان سلفا كير إلى “إسرائيل” في ديسمبر/كانون الأول 2011، قال كير للرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريز: “لقد وقفتم إلى جانبنا طوال الوقت، ولولا الدعم الذى قدمتموه لنا لما قامت لنا قائمة”، وجاء كلام سلفاكير تعليقا على قول بيريز إن علاقة بلاده بقادة انفصال الجنوب بدأت أثناء حكومة ليفى أشكول في منتصف ستينيات القرن الماضي عندما كان بيريز نائبا لوزير “الدفاع”.

وفيما يخص الأهداف السياسة، فقد اعتبرت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن الهدف الأساسي من زيارة نتنياهو، هو عدم الاعتماد على أوروبا كلاعب مركزي ووحيد في الساحة الدولية، وأن تعزيز العلاقات مع أفريقيا يدعم “إسرائيل” في المحافل الدولية، خاصة أنه في فترة سابقة كانت أفريقيا عاملا مساعدا للقضية الفلسطينية، وتضع “إسرائيل” نصب عينيها أن عدد سكان أفريقيا سيبلغ خلال عقود مقبلة 2.5 مليار نسمة، وهو ما لا ينبغي تجاهله.

وتأتي محاولات “إسرائيل” الحصول على وضعية عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي لتحسين مكانتها الدولية وقدرتها على مواجهة التحركات الفلسطينية في الأوساط الدولية، فضلا عن أن العضو المراقب له حق المشاركة في الاجتماعات، كما يحق له تقديم المقترحات والتعديلات والمشاركة في المناقشات.
أما اقتصاديا؛ فإن “إسرائيل” تسعى لفتح أسواق جديدة في ظل أزمة اقتصادية عالمية وإقليمية، وتعلم “إسرائيل” أن أفريقيا قارة صاعدة، وقد تم تصنيف سبع دول منها ضمن قائمة أعلى عشرة دول في العالم من حيث معدلات النمو.

وتوحي “إسرائيل” للأفارقة بأنها بوابة رئيسية لأسواق المال العالمية، ولذلك تنظر عدد من الدول الأفريقية إلى “إسرائيل” باعتبارها بوابة لتمتين علاقاتها مع الغرب، خصوصا مع المؤسسات المالية الدولية طمعا في الحصول على المساعدات.

وأخذ الحضور الاقتصادي الإسرائيلي في أفريقيا أشكالا مختلفة؛ ففي ساحل العاج على سبيل المثال، تقوم “إسرائيل” على إنجاز محطة للطاقة الحرارية باستخدام الغاز الطبيعي بكلفة 500 مليون دولار. وفي أثيوبيا من المقرر أن تتولى شركة كهرباء “إسرائيل” إدارة كهرباء سد النهضة المثير للجدل وإقامة محطات توليد الكهرباء الخاصة به.

المصدر: الجزيرة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات