تكية خاصكي سلطان.. قبلة الفقراء في القدس المحتلة

تكية “خاصكي سلطان”.. ذلك القصر المملوكيّ البناء وسط حارات القدس وأزقتها الذي تحول إلى قبلة الفقراء وملاذ المحتاجين من زوار المدينة المقدسة منذ ما يقارب 464 عاما.  

فمنذ عام 1552م بنيت تكية خاصكي سلطان وسط البلدة القديمة شمال غرب المسجد الأقصى المبارك بموازاة قبة الصخرة المشرفة.

وسميت المنطقة أو الزقاق بعقبة التكية، تيمنًا بها، وما تزال إلى اليوم محتفظة بهذا الاسم، وبدورها كمقصد للمحتاجين والفقراء وزوار المدينة المقدسة من الأماكن البعيدة من علماء وطلاب العلم والوافدين إلى مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، وقد تداخل بناؤها في أقسام عديدة من مبنى سرايا الست طنشق المظفرية، اليوم مدرسة (دار الأيتام الإسلامية).

تاريخ التكيةأمرت ببنائها (روكسيلانة) زوجة السلطان سليمان القانوني عام 960هـ/1552 وهي من أصل روسي وقامت بإنشاء مساجد وتكايا وحمامات في مدن أخرى مثل مكة واسطنبول وأدرنة ودمشق وغيرها.

وكانت تكية خاصكي سلطان من أكبر المؤسسات الخيرية في فلسطين في العهد العثماني، واستمرت في تقديمها الخدمات الجليلة للفقراء والدراويش والمرابطين والمسافرين لمئات السنين، وكان ذلك بفضل مبنى التكية ووقفيتها التي حررتها عام 964هـ.

ولكي تضمن خاصكي سلطان استمرارية الحياة والعطاء لتكيتها، فقد أوقفت عليها قرى و مشاريع تدر أرباحا تسد احتياجات التكية ومصاريفها والعاملين عليها، ومن هذه القرى قرية اللد وبيت اكسا و كفر عانا وبيت لقيا وبئر معين والسافرية، وبلغت المشاريع والقرى الموقوفة على التكية 29 قرية ومزرعة ومشروعا حسب ما ورد في وقفيتها.

كان للتكية دور بارز في تأمين الطعام للفقراء والمحتاجين وطلاب العلم والدراويش وزوار المسجد الأقصى المبارك، وكان الطعام المقدم فيها هو الشوربة (الدشيشة)، وهي تصنع من القمح المجروش، وكان زائرها ينال وجبة أو وجبات مع خبز ويقدم في كثير من الأحيان اللحم و اللبن.
 
وتقدر الكلفة اليومية لوجبة طعام ساخنة بنحو (1500) ألف وخمسمائة دينار في اليوم الواحد في الأحوال العادية، أما خلال شهر رمضان المبارك فيرتفع عدد المستفيدين إلى حوالي (1000) ألف عائلة، ويزداد عدد الضيوف في المسجد الأقصى المبارك وخاصة في أيام الجمع والعشر الأواخر من شهر رمضان.

وعليه فان الكلفة الشهرية لوجبة ساخنة يوميا تصل إلى ثلاثين ألف دولار أمريكي، وتبلغ الكلفة السنوية نحو ثلاثمائة وستين ألف دولار.

و تزداد الحاجة إلى دعم أهل الخير إذا ما قصد رفع عدد العائلات المستفيدة إلى (1000)عائلة بالظروف العادية والعمل علي تقديم الفواكه وحلويات مع الوجبة الساخنة حتى لا يشعر المحروم بالغبن. 

مختلف الأديانيقول سمير أبو الليل مدير صندوق الزكاة في القدس لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، إن تكية خاصكي سلطان تتبع دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، وهي تتبع لوزارة الأوقاف وشؤون المقدسات الإسلامية في الأردن، بنتها “روكسلانة” لحبها للقدس وأهلها كنوع من التكافل الاجتماعي للفقراء والمساكين ورواد طلبة العلم في المسجد الأقصى المغتربين الذين يحضرون لأداء الصلوات في المسجد الأقصى لإطعامهم وتلبية احتياجاتهم من طعام ومشرب.
 
وأضاف أبو الليل “تقدم الوجبات الساخنة وتوزع تقريبا الساعة الواحدة ظهراً، حيث يتجمع رواد التكية على الباب وكل فرد يحمل الأواني والطناجر والصحون لتلقي الوجبات، ثم يحصلون على الخبز وينطلقون، وفق بطاقات تعريف تحدد عدد أفراد الأسرة.

ولفت أبو الليل إلى أن عدد العاملين في التكية في الأيام العادية (٦) موظفين و في أيام شهر رمضان يتم تعزيزهم بـ(٩) أو ضعف العدد.

وأوضح أن التكية تقدم الطعام لكل من يأتي من الفقراء من مختلف الأديان من إخواننا المسيحيين في المدينة المقدسة والمغتربين خارج مدينة القدس وأبناء مدينة القدس الفقراء، فالجميع يعلم أن مدينة القدس تحت الاحتلال، وفي ضائقة كبيرة جدا وضغوط مالية هائلة جدا علي المواطنين، ويوجد عائلات تعتمد على هذه الوجبة طيلة الـ٢٤ ساعة وهذا مؤشر يدل علي أن نسبة الفقر كبيرة في مدينة القدس.

وأشار أبو الليل إلى أن التكية تمول من صندوق الزكاة، وصندوق زكاة القدس يتبع إدارة الأوقاف ووزارة الأوقاف في عمان، ولكن هذه الزكاة ليس لها ميزانية إذ تعتمد على التبرعات وزكاة الفطر من المواطنين المقدسين في الداخل والخارج، وفي مدينة القدس يوجد خمس لجان زكاة، منها لجنة زكاة القدس المركزية بالقرب من مسجد سعدو سعيد، وتضم (٣٠) موظفا وميزانيتها كبيرة تقوم بمساعدة ما يقارب ٧ ألاف عائلة في المدينة وخارجها، بالإضافة إلى برنامج التعليم الجامعي لأبناء الفقراء والمحتاجين والأيتام ويوجد كفالات داخلية وكفالات خارجية.

ووجه أبو الليل كلمة لأصحاب الضمائر الحية الذين يهمهم التكافل الاجتماعي في مدينة القدس أن يمدوا أيديهم لهذه التكية المعطاءة التي تجسد بشكل واضح التكافل الاجتماعي بين الأسر.

وقال: “لا بد أن نمد يد العون للفقراء والمحتاجين بسبب الزيادة المفرطة في عددهم جراء الضيق والاحتلال في مدينة القدس، مناشدا أن يتم دعم وتطوير هذا التكية حتى تقوم بواجبها علي أكمل وجه”.

فقراء المدينةولفت إلى أن زوار التكية يزدادون كلما عصفت المحن بالأمة وازداد الفقر، ولكن مدينة القدس لا يبيت فيها جائع، فالتكية يستفيد منها فقراء المدينة التي يصل عدد سكانها حاليا نحو (300) ألف وازدادت الحاجة إلى إعادة تنشيط التكية في هذه الأيام خاصة، حيث الظروف التي يعيشها الناس والمسلمون بجوار المسجد الأقصى المبارك خصوصا، وسائر فلسطين عموما.

وتابع “الفقر أصبح من مظاهر الحياة اليومية بهدف تهويد المدينة المقدسة وتهجير أهلها، فالضرائب الباهظة، وغلاء المعيشة، والبطالة، والضغط الاقتصادي، وسائل تستخدم ليرحل المسلمون عن أكرم بقعة، علاوة على فرض منع التجول وفصل القرى عن المدن وعدم الحركة إلا بتصريح وإقامة السور الاحتلالي الذي مزق أوصال المدينة وعزلها عن المدن والقرى والمخيمات المحيطة بها كل ذلك أدى إلى تدهور الأحوال المعيشية للفرد والأسرة”.

وذكر أنه إزاء هذا الواقع المتردي كان من واجب إدارة الأوقاف الإسلامية وأهل الخير أن يهتموا بالتكية لتخفيف الضائقة المعيشية وتثبيت المسلمين بجوار ثاني المسجدين وقطع الطريق على إغراءات هجرتهم من حول المسجد الأقصى المبارك مع العلم أن معظم العائلات الساكنة بالقرب منه هي عائلات فقيرة بحاجة إلى دعم، وأن إعادة تنشيط التكية وإحياء دورها بالشكل المطلوب يدفعنا إلى التساؤل عن مصادر التمويل و خاصة بعد إن فقدت التكية ريع أوقافها بسبب نكبة الـ(١٩٤٨) لوقوعها تحت سيطرة الاحتلال.

يقول الشيخ عزام الخطيب التميمي مدير عام أوقاف القدس لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” إن هذه التكية تعمل على مدار العام، وهي من أقدم التكايا في فلسطين، وتقدم وجبات إفطار ساخنة في رمضان للمواطنين الذين يتوجهون إليها، وخاصة أهالي البلدة القديمة من الفقراء والوافدين على المسجد الأقصى المبارك، وكذلك تقدم الوجبات لسكان بعض القرى القريبة والمخيمات الذين يتمكنون من الوصول إلى القدس ومعظمهم من المعدمين والفقراء وذوي الظروف الصعبة.

مرفد اقتصاديوأضاف إن التكية مرفد اقتصادي مهم، تساعد المواطنين على الثبات والصمود على ضوء الفقر الذي ينتشر في مدينة القدس، وهناك شريحة كبيرة من المواطنين بحاجة إلى سد رمقها وتوفير الطعام لهم ولأطفالهم ،والتخفيف من عبء الحياة وتكاليفها الكبيرة في القدس.

ولفت الخطيب إلى إن التكية في الأيام العادية تقدم نحو (٥٠٠) وجبة، أما في شهر رمضان المبارك فان العدد مضاعف ويزيد عن (١٠٠٠) وجبة يومياً، والعدد في العشر الأواخر من رمضان يزداد أكثر.

وأكد الخطيب أن الوضع صعب في القدس على ضوء الفارق في مستوى الدخل بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” وهو مضاعف عنه في الضفة الغربية، وقال إن تكاليف الحياة في القدس كبيرة وصعبة وقد حولت قسما كبيرا من المواطنين إلى معوزين وفقراء لا يستطيعون توفير احتياجاتهم؛ الأمر الذي دفع أكثر من ألف أسرة للاعتماد على التكية.

وأشاد الخطيب بجهود الشيخة شمس آل نهيان من الإمارات العربية، والتي تساهم مساهمة كبرى في دعم هذه التكية في القدس عبر الهلال الأحمر الإماراتي وكذلك وزارة الأوقاف الأردنية في عمان التي تساهم مساهمة كبيرة في دعم هذه التكية وبعض المتبرعين والمحسنين.

وأوضح أن التكية تعمل بطاقم موظفين مكون من (٩) موظفين يشرفون على تزويد التكية باحتياجاتها اليومية ومخزن ومدير وطباخين ومساعدين يشرفون على توزيع الطعام يومياً بعد صلاة الظهر في المسجد الأقصى المبارك.

وقال إن استمرار التكية يعتمد على توفر الدعم المالي، ونحن نشكر كل من يقدم الدعم المالي أو المساعدات العينية لهذه التكية التي كانت ولا تزال ملاذ الفقراء والمساكين في القدس ومحيطها من القرى والضواحي والأحياء.