الثلاثاء 06/مايو/2025

الحبس المنزلي.. طفولة المقدسيين بين الجدران

الحبس المنزلي.. طفولة المقدسيين بين الجدران

بسياسات وقرارات متعددة يحاول الاحتلال “الإسرائيلي” فرض واقعه على المقدسيين ضمن محاولات “تهجيرهم” أو “تدجينهم” للتعامل مع الاحتلال على أنه واقع مقبول.

أحدث هذه السياسات، التي تستهدف الأطفال المقدسيين، قرارات “الحبس المنزلي”، والتي يلجأ لها الاحتلال في خطوة للتحايل على القوانين الإنسانية في العالم التي تطالب بتوفير كل سبل الحياة والحماية للأطفال في كل مكان.

فقد كثفت قوات الاحتلال خلال الأعوام الثلاث الأخيرة في استخدام عقوبة “الحبس المنزلي”بحق المقدسيين، لاسيما الأطفال منهم، وكذلك بالغت في فرض الغرامات المالية بحقهم، في محاولة منها إلى التحلل من مسؤولياتها وعدم إبقائهم في سجونها نظراً لصغر سنهم، وجعلت من هذه العقوبة سياسة ثابتة في تعاملها مع المقدسيين، وإجراءً ثابتاً ضمن محاكماتها، فقد حولت منازل المئات من المقدسيين إلى سجون لأبنائهم فيما بات الأهالي بمثابة سجانين.

والحبس المنزلي هو “إجراء يتخذه الاحتلال لتقييد حركة الطفل إلى حين انتهاء الإجراءات القضائية بحقه، وإصدار المحكمة حكمها في قضيته، ولذلك فإن الفترة التي يقضيها الطفل في الحبس المنزلي لا تحتسب من فترة الحكم الفعلي الذي يصدر لاحقا بحقه”.

كما أن “الحبس المنزلي” في القدس على وجه التحديد لم يستثن الرجال والنساء والأطفال، ووفقا للمعلومات التي رصدها “المركز الفلسطيني للإعلام”، فإن الأطفال الذين اعتقلوا خلال العام الماضي (2015) بلغ 300 طفل، خضع %48 منهم للحبس المنزلي بعد اعتقال فعلي، بينما واجه 23% من هذه الحالات الحبس المنزلي المفتوح بمعنى أنهم لا يُبَلغون عن الوقت الذي يتمكنون فيه من متابعة دراستهم وأعمالهم أو أية نشاطات أخرى.

منذ بداية العام صدر ما يزيد عن 50 أمرًا بالحبس المنزلي طالت أطفالًا ونساءً وبالغين، منهم 40 حالة في القدس لوحدها.

أرقام تجسد المعاناة
وتشير الإحصائيات والأرقام أن الاحتلال ضاعف خلال الشهور الأخيرة من فرض قرارات الحبس المنزلي، حيث بلغت القرارات، وفقا لـ” مركز أسرى فلسطين للدراسات”، ما يزيد عن 50 أمرًا بالحبس المنزلي طالت أطفالًا ونساءً وبالغين، منهم 40 حالة في القدس لوحدها.

فيما رصدت على مدار العام 2014 ما يزيد عن (80) أمراً بالحبس المنزلي طالت أطفال ونساء في القدس لوحدها، وارتفعت أوامر الحبس المنزلي في 2015 إلى 110 أمر طالت في معظمها الأطفال من عمر 12-14 عاماً، فيما أكدت دائرة الصحة النفسية والاجتماعية في مركز”مدى” أن 23% من ضمن الأطفال الصغار الذين تعرضوا “للحبس المنزلي”، يعانون من التبول اللاإرادي والخوف والهلع، وأن 42% تأخروا في دراستهم، و 44 % منهم تركوا المدرسة بشكل نهائي.

أنواع الحبس المنزلي
– الحبس المنزلي في بيت الطفل: حيث إن بعضهم يفرض عليه الحبس المنزلي في بيته، حيث لا يستطيع الخروج منه بشكل مطلق حتى لو كان للمدرسة أو لتلقى العلاج إلا في حالات معينة تتطلب بالضرورة الحصول على إذن مسبق للخروج من سلطات الاحتلال، وفي حال خالف هذا الإجراء يتعرض لإجراءات عقابية وغرامات إلى جانب عائلته.

– الحبس في منازل أقارب الطفل: بحيث يكون بعيداً عن منزله ومنطقة سكناه، وهذا النوع أصعب من الأول حيث يشتت العائلة ويفرض على الطفل الحياة مع أشخاص لم يألف العيش بينهم بشكل مباشر، وهذا يسبب له الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية، خاصة إذا طالت المدة الزمنية للحبس.

لماذا يلجأ الاحتلال للحبس المنزلي:
– استهداف الأطفال دون سن 14 عاماً، حيث لا يجيز القانون “الإسرائيلي” الحالي حبسهم، وخوفا من الانتقادات الدولية والمؤسسات الحقوقية، ورغم ذلك إلا أن الاحتلال نفذ اعتقالات عدة خلال الفترة القليلة الماضية وكانوا دون سن 14 عاماً كما حدث مع الطفل المقدسي أحمد مناصرة الذي يتهمه الاحتلال بتنفيذ عملية طعن.

– يستخدم الاحتلال الحبس المنزلي ضمن إجراءات إطالة مدة المحاكمة، فالقانون يجبر الأطراف ذات الصلة بإنهاء محكمة الطفل المعتقل حتى نهاية الإجراءات القضائية ضده خلال 6 شهور، إلا أن الاحتلال يقوم بفرض قرار بالحبس المنزلي لحين المحاكمة؛ وهو ما يعني إبقاء قضية الطفل في أروقة المحاكم لأطول فترة ترغب أجهزة مخابرات الاحتلال إبقاءها.

– كثافة حالات الاعتقال، واكتظاظ مراكز الاعتقال والتحقيق، يدفع الاحتلال إلى إصدار أوامر بالحبس المنزلي وهو ما يجعل الاحتلال يفرض عقوبات على أكبر عدد من الفتية المقدسيين.

تنتهج المحاكم التابعة للاحتلال منهجاً مغايراً لروح ومبادئ القانون الخاص باعتقال القاصرين، وبهدف شرعنة هذهالخطوات التي تنتهك أبسط قواعد حماية الطفولة، تصدر قراراً قضائياً بفرض الحبس المنزلي على الأطفال، 

– في محاولة لخلق حالة من الخوف والردع في نفوس العائلات المقدسية لمنع أطفالها من مواجهة ممارسات الاحتلال، وكذلك محاولة التضييق أكثر على المقدسيين لدفعهم لقبول الواقع الاحتلالي.

تحايل على القانون
تنتهج المحاكم التابعة للاحتلال منهجاً مغايراً لروح ومبادئ القانون الخاص باعتقال القاصرين، وبهدف شرعنة هذه الخطوات التي تنتهك أبسط قواعد حماية الطفولة، تصدر قراراً قضائياً بفرض الحبس المنزلي على الأطفال، ولتشديد حالة تطبيقه تقوم بإجبار عائلة الطفل على توقيع كفالة مالية تصل إلى ما يزيد عن 10 آلاف دولار تدفعها العائلة في حال خرق شروط الحبس المنزلي. وهذا يُعتبر إجراءً تعسفياً ولا أخلاقياً ومخالفةً لقواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث إنه يشكل عقوبة جماعية للأسرة بمجموع أفرادها التي تضطر لأن تَبقى في حالة استنفار دائم، حريصة على حماية ابنهم من خطر تبعات تجاوزه للشروط المفروضة.

الجانب النفسي
يؤكد أخصائيون اجتماعيون ونفسيون بالعديد من الدراسات أن الحبس المنزلي له آثار نفسية لا تقف عند حد تقييد حرية الطفل وحرمانه من ممارسة حياته بحرية، ولكن هذا النوع من الاعتقال له انعكاسات على نفسية الطفل ما يجعله متذمراً ومتوتراً وعدائياً بشكلٍ مستمر، وقد يضطر الأهل خوفاً على ابنهم من ضربه وتوبيخه، وهذا له آثار اجتماعية على طبيعة العلاقة داخل الأسرة الواحدة، ويخلق حاجزا وجدارا بين الطفل وذويه.

الأعراض النفسيّة التي قد يُصاب بها الطفل:
* أعراض تجنبية: وتتعلق الأعراض التجنبية بمحاولة الطفل تجنب الأمور والظواهر المتعلقة بالحدث؛ على سبيل المثال ينزعج الطفل من وجود سيارة شرطة قريبة. كما يندرج تحت الأعراض التجنبية كذلك ميل الطفل إلى الانعزال اجتماعياً وقلة الحديث، إضافة إلى شعوره بالخوف العام، وكذلك يكون متأهبًا طوال الوقت، وكأنه مستعد لأي طارئ وشيك الحدوث، كالاعتقال أو غيره وهو ما يجعله يترقب حركة الباب أو يتأكد من إغلاقه أكثر من مرة.

* أعراض متعلقة بإعادة الحدث: فهي تدخل الصدمة في نفسية الطفل وتعيد استرجاعها، إذ يعيد الطفل تكرار الحدث في مخيلته كشريط، ويستذكره أكثرمن مرة.

التداعيات السّلبية المرتبطة بالحبس المنزليّ، بناء على إفادات من أطفال حبسوا منزلياً ومن أمهاتهم:
1. الرقابة الذاتية والضغط الشديد: بعض الأطفال ممن يفرض عليهم الحبس المنزلي يشعرون بضغط كبير نتيجة تقييد حركتهم ومنعهم من الخروج من البيت، ويتحولون إلى أجهزة رقابة يمارسونها على ذواتهم. حتى في بعض الحالات التي تسمح فيها المحكمة للطفل بالخروج إلى المدرسة بشرط مرافقة أحد أولياء أموره، فإنه يبقى تحت الضغط، ويبالغ في التأكد من الوقت، ولا يسمح لنفسه باستغلال كلّ الوقت المسموح له الخروج
فيه من المنزل، بل يسارع إلى العودة إلى بيته قبل انتهاء الوقت بكثير. 

يشعر الأطفال الواقعين في الحبس المنزليّ بأن بيوتهم التي يفترض أن توفر لهم شعور الأمان والراحة تحولت إلى “سجون” وأن آباءهم وأمهاتهم هم “السجانون”

2. تحول البيت إلى سجن: حيث يشعر الأطفال الواقعين في الحبس المنزليّ بأن بيوتهم التي يفترض أن توفر لهم شعور الأمان والراحة تحولت إلى “سجون” وأن آباءهم وأمهاتهم هم “السجانون”، ففي حال لم يقع الطفل ضحية للرقابة الذاتية فإن أمّه وأباه يمارسان هذه الرقابة عليه، ويحاولان ضبط حركته ومنعه من خرق شروط الحبس المنزلي، خاصّة أن أي خروق ترتبط – في العادة – بدفع كفالات مالية مرتفعة جداً.

3. أوقات فراغ كثيرة: بعض الأطفال المحبوسين منزلياً لا يجدون ما يقومون به داخل منازلهم، ويشعرون بثقل روتين الأيام عليهم، مما قد يولد لديهم بعض العادات السيئة كإدمان استخدام الإنترنت وغيرها. 

4. الضغوط الاقتصادية والاجتماعية: بعض قرارات الحبس المنزلي ترفق بشروط صعبة مثل الإبعاد عن منطقة السكن الأصلي، مما يعني أن الطفل يحبس منزلياً ولكن خارج منزل والديه، مما يدفع الوالدين إلى البحث عن بيت قريب عائلة أو صديق خارج منطقة سكنهم لاستضافة ابنهم في بيته. ترتبط هذه الشروط عادة ببعض الحرج الاجتماعي، خاصة إذا طالت فترة الحبس المنزلي.

5. تأثر التحصيل الأكاديمي للطفل: يطلب المحامي من المحكمة أن تسمح للأطفال الواقعين تحت الحبس المنزلي لفترات طويلة بالخروج للمدرسة، وفي بعض الحالات ترفض المحكمة ذلك، وبذلك يمنع الأطفال من مواصلة تعليمهم، وقد يؤدي ذلك في نهاية الأمر إلى تسريبهم من التعليم.

الحديث عن التداعيات النفسية والنتائج السلبية سواء منها الأكاديمية أو الاجتماعية والتربوية والمسلكية أو حتى العقلية لهؤلاء الأطفال الذي حكم عليهم الاحتلال بالحبس المنزلي تأخذ أبعاداً كثيرة ومتشعبة، ومع ذلك لا يمكن التقليل من شأن ما يصيب هؤلاء الأطفال المحكوم عليهم بالسجن القصري داخل جدران منازلهم وما يلحق بهم من أمراض نفسية مزمنة، وهو أحد الأهداف التي يسعى الاحتلال لحدوثها مع تزايد أعداد الأطفال المستهدفين في هذا النوع من السجن.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، مجزرة مروعة بحق النازحين، عقب قصف الطيران الحربي لمدرسة تُؤوي...