السبت 06/يوليو/2024

صراع الكيان حول «أخلاقياته»

يونس السيد

لم يكن الخلاف الذي انفجر إلى العلن بين نتنياهو ووزير حربه موشيه يعلون، سوى التعبير الأوضح عن أحد مظاهر الأزمة التي تعصف بالكيان الصهيوني، من القاعدة إلى القمة، حول ما يسمونه بـ«أخلاقيات» الكيان ومدى الانحطاط الذي وصل إليه على المستويين المجتمعي والأمني- العسكري، خصوصاً في التعامل مع الفلسطينيين، بجانب الصراع في أعلى الهرم على احتكار القوة، وتوظيفها في خدمة المصالح الشخصية والحزبية.

يأتي هذا الخلاف في خضم سجال حاد بين المؤسستين العسكرية والسياسية، على خلفية التصريحات التي أطلقها نائب رئيس الأركان يائير غولان، وشبه فيها أجواء التطرف والعنف الصهيوني وممارسات جيش الاحتلال بالممارسات النازية، وهي تصريحات لم ترق لنتنياهو، التي اعتبرها مضرة بالكيان في الساحة الدولية. كما أنه يتزامن مع انقسام عنصري وطائفي وعرقي داخل المجتمع الصهيوني أوصل هذا المجتمع إلى ذروة التطرف والعنف، ودفع به لإنتاج حكومة من عتاة اليمين والتطرف الصهيوني، يقودها نتنياهو.

في خضم هذه التداعيات، جاءت تصريحات يعلون المؤيدة للقادة العسكريين، ودعوته ضباط الجيش إلى التعبير عن آرائهم دون خوف حتى لو كانت مخالفة لمواقف القيادة السياسية، لتكون كـ«الشعرة التي قصمت ظهر البعير» بين الاثنين، حيث سارع نتنياهو إلى استدعائه وتوبيخه أيضاً، في محاولة لـ «قصقصة أجنحته» كما فعل بوزراء سابقين، وإن كانت بعض المصادر الصهيونية حاولت التخفيف من الشرخ الحاصل بالحديث عن جلسة «استيضاح للمواقف»، أسفرت عن بقاء المواقف على حالها، فيما اعتبرت مصادر صهيونية أخرى أن الأمور بينهما وصلت إلى نقطة اللاعودة، وأن تصريحات يعلون دفعت نتنياهو إلى السعي لتوسيع حكومته، عبر ضم الحزب اليميني المتطرف ««إسرائيل» بيتنا» بزعامة افيغدور ليبرمان، أو تشكيل ما يسمونه بـ«حكومة وحدة» مع «المعسكر الصهيوني» بزعامة إسحاق هيرتسوغ، وفي الحالتين ستكون وزارة الحرب موضوعاً للمساومة.

والواقع أن هذا الصراع لم يكن نتاج تناقضات متراكمة ومتدرجة في المواقف بين المستويين السياسي والعسكري فحسب، بقدر ما هو نتاج لإفرازات المجتمع الصهيوني برمته الذي جنح أكثر فأكثر نحو التطرف والعنف والإرهاب، وأوصل ممثليه هؤلاء إلى سدة الحكم، مما جعل الفجوة تضيق بين قادة هذا المجتمع ورغبات جمهوره؛ فيعلون كان من أخلص رجالات نتنياهو، رغم وجود بعض الخلافات بينهما كدفاع يعلون عما يعده «قيم العقيدة» و«أخلاقيات الجيش» أو مطالبته بتسليم جثامين الشهداء الفلسطينيين، في حين لا يستطيع نتنياهو سوى التساوق مع «أخلاقيات الجمهور»، حيث إن الأغلبية الساحقة رفضت انتقادات غولان، وتشبيهه ممارسات جيش الاحتلال بالنازية، كما أبدت هذه الأغلبية تأييدها لإعدام الجريح الفلسطيني عبد الفتاح الشريف بدم بارد في الخليل، وتضامنها مع السفاح الصهيوني وعائلته، مما يجعل من الأزمة الدائرة في الكيان أكبر بكثير من مجرد أزمة في أعلى الهرم السياسي والعسكري، لتطال عمق المجتمع الصهيوني وصورته في عيون المجتمع الدولي.

المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات