الفالوجة.. حكاية المدينة الأخيرة في مجلد النكبة

تشكل بلدة “الفالوجة” آخر القلاع الفلسطينية التي سقطت بيد العصابات الصهيونية عام 1949، بعد معركة صمود وتحد سطرها أهلها في الدفاع عنها، والإصرار على عدم الخروج منها، حيث قدم أهلها والحامية المصرية التي كانت مرابطة بالبلدة نحو أربعمائة شهيد بحسب ما ذكره المؤرخ الفلسطيني عارف العارف في كتابه النفيس (نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود).
خرج أهل الفالوجة مرغمين تحت قصف الطائرات الصهيونية، فيما خرجت القوات المصرية ومن تبقى فيها من سكان البلدة وفق اتفاقية هدنة (رودس) عام 1949م، ولم تدخلها العصابات الصهيونية إلا بعد هذا التاريخ.
تراث وماض عريق
أحداث الفالوجة وتاريخها وتراثها وماضيها العريق تروي حكاية شعب ظلم وشتت وهجر في المنافي تحت دعاية عنصرية صهيونية مقيتة مغرضة قاهرة كان شعارها (فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، ورغم ذلك فتاريخ القرية لا زال حاضرا في وجدان كبار السن والمؤرخين والباحثين وحتى الأطفال الذين ولدوا في الشتات.
فمفاتيح بيوت آبائهم وأجدادهم لا يزالون يحتفظون بها على آمل العودة القريبة، فيما تشكل وثائق “الطابو” التي بحوزتهم لأراضيهم في الحارة الشرقية والغربية وبجوار الجسر وبالقرب من وادي الفالوجة وبجانب البلدية وبالقرب من مقام الشيخ أحمد الفالوجي وغيرها، دليلا دامغا على أحقيتهم بهذه الأرض التي سقيت بدماء آبائهم وأجدادهم خلال معارك النكبة.
المؤرخ الفلسطيني ورئيس جمعية الفالوجة في الضفة الغربية الدكتور عدنان يونس أبو تبانة، يكشف صفحات تاريخية مشرقة عن بلدة الفالوجة المهجرة وتاريخها وماضيها العريق فيقول في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”: “الفالوجة بلدة عربية فلسطينية كانت تسمى (زريق الخندق) وتقع بين مدينتي الخليل وغزة، وعلى وجه الخصوص إلى الشمال الشرقي من غزة حيث تبعد عنها نحو 30 كيلومترا، كما تتوسط المنطقة السهلية الواقعة ما بين عسقلان والخليل، وهي ذات موقع استراتيجي قديم منذ الفراعنة والبابليين، فكانت تحتوي على أثار تدل على تواجد الإنسان منذ القدم في تلك المنطقة”.
وأضاف الدكتور أبو تبانة أن سبب تسمية الفالوجة بهذا الاسم يرجع إلى ولي الله الشيخ شهاب الدين أحمد العابد الفالوجي أحد أتباع الطريقة الصوفية القادرية، الذي قدم من فلوجة العراق في القرن الثاني عشر، وسكن منطقة زريق الخندق، وبنى زاوية له اشتهرت في المنطقة، الأمر الذي دفع بالمزارعين والسكان في المناطق المجاورة التجمع حول هذه الزاوية والسكن فيها وحولها، لتصبح مركزا سكانيا يزداد سنة بعد سنة.
وأشار إلى أن الفالوجة تبعت في العصر التركي لقضاء الخليل، وفي فترة الاحتلال الإنجليزي لقضاء غزة، وهي مذكورة في المصادر المملوكية والتركية كحاضرة من حواضر فلسطين، وحول القرية وحياة الفلسطينيين.
وتابع: “تتميز الفالوجة بسعة أراضيها الخصبة والبالغ مساحتها 38038 دونما، وعدد سكانها الكبير الذي بلغ في حين النكبة ستة ألاف شخص، كما تحيط بها قرى عراق المنشية وجسير وكرتيا وحتا وعراق سويدان، وكانت تضم بلدية يرأسها الشيخ محمد عواد، ومسجدا بني فوق ضريح الشيخ الفالوجي له ثلاثة أروقة وقباب وصحن، كما أنشئت في القرية مدرسة للبنين عام 1919م وأخرى للبنات عام 1940م”.
ولفت إلى أن القرية تحتضن سوقا تجاريا كبيرا يسمى (سوق البرين) نسبة إلى سوق البادية وسوق الفلاحين، حيث كانت مركزا تجاريا مشهورا في جنوب فلسطين، وكان هناك يوم مخصص لهذا السوق، هو يوم الخميس وكانت تباع به أصناف زراعية وحيوانية، وكان السوق يقع في منتصف القرية، وكان سوقا حاضرة ومشهورة في الجنوب الفلسطيني، كما كان للفالوجة علاقات تجارية مع المناطق المحيطة كبلاد الشام ومصر، ووصل تجارها إلى شمال بلاد الشام.
حصار الفالوجة
وحول مجريات النكبة والحصار الذي حل بالبلدة في العام 1948 يروي الدكتور أبو تبانة ما حدث فيقول: “في العام 1948 نال الفالوجة ما نال القرى والمدن الفلسطينية من هجوم وحصار وترحيل لسكانها، ولكن تميزت الفالوجة بصمودها وعصيانها على الاحتلال الإسرائيلي؛ فكانت آخر بلدة فلسطينية سقطت بيد العصابات الإسرائيلية وذلك في أوائل العام 1949، فقد حوصرت البلدة في آخر ثلاثة شهور من العام 1948، وكان بداخلها ثلاثة قطاعات من الجيش المصري تحت مجموعة من قيادات الجيش المصري في جنوب فلسطين كجمال عبد الناصر ومحمد نجيب والبيك طه، ونتيجة هذا الحصار قطعت الإمدادات العسكرية والغذائية عنهم، فباتوا محاصرين مع السكان داخل القرية، الامر الذي دفع بأهالي القرية إلى تقاسم الغذاء وكل ما لديهم مع الجيش المصري”.
وتابع الدكتور أبو تبانة حديثه قائلا: “نتيجة هذا الحصار سقط عدد من الضحايا، حيث استشهد ما يقارب الأربعمائة فلسطيني ومصري في داخل القرية، وبعد ثلاثة شهور من هذا الحصار أي مع بداية العام 1949، جاءت اتفاقية هدنة رودوس التي قضت بانسحاب الجيش المصري من الفالوجة، فكانت هناك مؤامرة على الفالوجة وأهلها بحيث نقل السكان جبرا بعد انسحاب الجيش المصري منها إلى غزة والخليل، ودمرت البلدة عن بكرة أبيها، ولم يبق فيها سوى أجزاء من مسجد وبئر قديمة وبقايا من السوق المركزي، لتزرع البلدة بأشجار من الصنوبر والكينيا والنخيل، إضافة إلى بناء عدد من المستوطنات أكبرها مستوطنة لجوت ومعسكرات للجيش الإسرائيلي وجزء من مستوطنة جريات جات.
صفحات مجيدة من تاريخ نكبة الفالوجة التي كانت امتدادا للنكبة الكبرى لن تسقط بالتقادم ولن تنسى، فلا زالت القرية باسمها وتاريخها وتراثها محفورة في قلوب الآلاف من أهلها وأصحابها الذين هجروا في المنافي والمخيمات والشتات على أمل العودة التي يرونها قريبة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تعطل ثلثي مركبات الدفاع المدني في غزة بسبب نفاد الوقود
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفاد جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في غزة، اليوم الثلاثاء، بأنّ الوقود المخصّص لتشغيل مركباته نفد في جنوب القطاع...

“الغارديان”: الجنائية تأمر بإبقاء المذكرات المتعلقة بفلسطين سرية
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت صحيفة ذا غارديان البريطانية عن أمر أصدره قضاة المحكمة الجنائية الدولية بعدم الإعلان عن أي مذكرات اعتقال قد...

أونروا: المساعدات تفسد بسبب إغلاق المعابر بينما يشتد الجوع بغزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إن المساعدات الإنسانية التي من المفترض إدخالها...

93 يومًا للعدوان على طولكرم والاحتلال يواصل تدمير البنية التحتية
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها شمالي الضفة الغربية المحتلة لليوم الـ93 على...

عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى وباحاته
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام اقتحم عشرات المستوطنين، صباح اليوم الثلاثاء، المسجد الأقصى المبارك وباحاته، بحماية مشددة من قوات الاحتلال...

تحطم طائرة أمريكية مقاتلة خلال اشتباك مع القوات اليمنية
واشنطن - المركز الفلسطيني للإعلام أقرت البحرية الأمريكية، بسقوط طائرة F18 من حاملة الطائرات ترمان، وذلك خلال قيام حاملة الطائرات بمناورة مراوغة في...

الاحتلال يشرع بهدم منازل في رام الله والخليل
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الثلاثاء، بهدم منازل فلسطينية في قرية الزويدين جنوب الخليل، وبلدة قبيا...