الثلاثاء 02/يوليو/2024

ما الذي حدث للمسجد الأقصى؟

المحامي خالد رمضان زبارقة *

في صيف عام 2014 قدمت المملكة الأردنية الهاشمية، عبر مسؤول رفيع المستوى في دائرة الأوقاف الأردنية في القدس إلى المسؤولين عن مشروع مصاطب العلم في المسجد الأقصى المبارك، عرضاً ينص على مطالبة المرابطين طلاب العلم بالكف عن ملاحقة المستوطنين وعدم التكبير بصوت عالٍ و”استفزاز” اليهود المقتحمين للمسجد الأقصى المبارك، وفي المقابل فإنها ستضمن استمرار عملهم في المسجد الأقصى، ولن يتعرضوا إلى الحل والحظر.

وعند سؤال المسؤول عن كيفية حماية المسجد الأقصى المبارك وكيفية منع تمرير مخططات الاحتلال الرامية إلى تقسيمه زمانياً ومكانياً، كان الرد أن هذا سيكون من مهمة الأوقاف الأردنية والحراس والذين سيتم تدعيمهم بعدد آخر من الحراس الجدد والمدربين، وسيقفون بالمرصاد لأي انتهاك للوضع القائم قد يتعرض له المسجد الأقصى المبارك. وتم توصيل رسالة أخرى مفادها أنه في حالة رفض هذا العرض فإنهم سيتعرضون إلى أشد صنوف العذاب، وسيتم حظرهم وملاحقتهم في كل مكان.

طبعاً، على ما نعلم، فإن المرابطين طلاب العلم رفضوا هذا العرض رفضاً قاطعاً، وطالبوا المملكة الأردنية بتحمل مسؤوليتها التاريخية في حماية المسجد الأقصى المبارك، ونصحوهم بعدم الانجرار وراء الوعود الصهيونية الكاذبة، وتم التأكيد على أن هذه حقبة تاريخيه مهمة، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وعلى الجميع ان يتكاتف من أجل توحيد الجهود لحماية المسجد الأقصى.

وبعد هذا الرفض القاطع، والذي يعتبر موقفاً تاريخياً يسجل لصالح طلاب مصاطب العلم، بدأت حملات الملاحقة والاعتقال والحبس والضرب والشتم لهم، ومن ثم الإعلان عن المؤسسات الراعية لهم كمنظمات محظورة، ثم بدأت موجة جديدة من الإغلاق للمسجد الأقصى وتحديد الأعمار لفسح المجال لاقتحامات اليهود.

وتحرك الشارع الفلسطيني، وانطلقت “الهبة” الشعبية المناصرة للمسجد الأقصى المبارك، ووجهت رسالة بليغة أقضت مضاجع صناع القرار في المشروع الصهيوني عامةً وخصوصاً الإسرائيلي والأمريكي، وبدأ وزير خارجية الويلات المتحدة جولته المكوكية، واجتمع مع العاهل الأردني ورئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو في عمان واتفق الجميع على تهدئة الأوضاع حول المسجد الأقصى المبارك وخصوصاً منع اقتحام الوزراء والسياسيين الإسرائيليين للمسجد وعدم إغلاق بوابات المسجد الأقصى المبارك على الإطلاق.

وفعلاً طرأ هدوء حذر في القدس، لكن هذا الأمر لم يرق للاحتلال، وبدأ بتنفيذ خطة جديدة ممنهجة من أجل فرض واقع جديد على المسجد الأقصى المبارك، ظناً منه في ذلك الحين، أن الوضع الإقليمي ملائم والفرصة مواتيه. وبدأ في عمليه استفزاز غير مسبوقة للمرابطين، وبدأت اعتداءات الاحتلال وقواته تتصاعد بشكل كبير وعادت عمليات إغلاق البوابات ومنع المصلين وملاحقة المرابطات وفرض سياسات الإبعاد والتهديد والوعيد لكل من يجرؤ على الاعتراض على هذه الاعتداءات، وخاصة في فترة الأعياد اليهودية والمناسبات الدينية المختلفة، والتي وظفها الاحتلال من أجل تعميق سيطرته على المسجد الأقصى المبارك. حتى إنه بدأ يتجرأ على الاعتداء على حراس المسجد الأقصى وموظفي دائرة الأوقاف وموظفي الإعمار، وأصبح يتعامل مع المسجد الأقصى كأنه صاحب السيادة عليه، ومنع موظفي الإعمار إجراء أي عمل مهما كان صغيرا بدون إذنه وموافقته، وفي هذا السياق الجدير ذكره أن الاحتلال منع تغيير ماسورة مياه في سطح قبة الصخرة بدون إذنه، وبقيت المياه تسيل عدة أيام حتى جاء مسؤول الآثار الاسرائيلية وأعطى الإذن بالعمل، ووقف عند العمال حتى أنهوا عملهم. هذه الماسورة كشفت عمق سيطرة الاحتلال على المسجد الأقصى المبارك، طبعاً على حساب السيادة الأردنية.

ازدادت اعتداءات الاحتلال، ونتيجة لهذا الاعتداءات تحرك الشارع الفلسطيني نصرة للمسجد وروّاده، وانطلقت انتفاضة القدس، ومرة أخرى، وبدلا من إلزام الاحتلال بالتراجع عن سياساته العدوانية واعتداءاته، طل علينا، مرة أخرى، وزير خارجية أمريكا جون كيري ليلعب دور عراب عملية تضليل الرأي العام الإسلامي وخاصة الفلسطيني، وظن أنه بهذه الاجتماعات وباستعمال المفردات المختلفة سيكون باستطاعته وقف ثورة الشارع التي انطلقت كرد فعل طبيعي على استفزازات واعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى.

وحصل الاجتماع المعروف في عمان وصدرت عنه ما اصطلح عليه “تفاهمات كيري”، وهي إملاءات من طرف واحد لتمكين الاحتلال من المسجد الأقصى وخصوصاً لشرعنه الاقتحامات وتجريم المرابطين، ومن أجل تمرير هذا المخطط (شرعنة الاقتحامات كمقدمة لشرعنة صلوات اليهود) تم نقاش الأمر تحت فرضية أن الحركة الإسلامية والتيار الإسلامي هم من يثيرون “الشغب”، وبعملية تسطيح للواقع وقلب للحقائق واختلال للموازين، فقد اتفق الحضور على حظر نشاط الحركة الإسلامية وما يقارب ثلاثين مؤسسة خدماتية أخرى من أجل تمرير هذه “التفاهمات”.     

والآن، وبعد حظر الحركة الإسلامية، وحظر المؤسسات العاملة للقدس والأقصى، وبعد حظر المرابطين والمرابطات، وبعد ملاحقتهم واعتقالهم، وتطريز ملفات مفبركة لهم بتهمة الانتماء إلى منظمة محظورة هي المرابطين والمرابطات، وبعد تفريغ الأقصى منهم، وبعد فتح المجال للاقتحامات، وتهيئة الأوضاع للأعياد اليهودية، ولربما نحن على أبواب تقديم قرابين الفصح في المسجد الأقصى، بعد كل ذلك، يبقى السؤال: كيف ستواجه المملكة الأردنية الهاشمية استفحال عدوانية الاحتلال في المسجد الأقصى، وكيف ستواجه سحب السيادة الأردنية منه؟! إن كان هناك فعل حقيقي فذلك جيد ومبارك، ونرجو نشره للجمهور. وإن لم يكن فإننا نقول إن المملكة الاردنية وقعت في فخ كيري ونتنياهو، ولن تفلت من هذا الفخ، وسيبقى سيفاً مسلطاً على رقبتها إلا إذا عادت إلى قراءة الواقع ومخرجاته بالشكل الصحيح بعيداً عن رواية المشروع الصهيوني.

*محامٍ متخصص في شؤون القدس

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات