الإثنين 01/يوليو/2024

نيران خامدة

علي قباجة

مهما كثرت التحليلات عن خمود انتفاضة الفلسطينيين وتراجع زخمها، فإن هذه الآراء تبقى حبيسة اللحظة، ولم تضبط ضمن سياق نضالهم. فالفلسطينيون لطالما خالفوا التوقعات وأشعلوا انتفاضات أذهلت كل شاهد ومتابع؛ فهم كالجمر المتّقد تحت الرماد، وما انتفاضة الأقصى عام 2000 وانتفاضة القدس 2015 إلا خير دليل.

رغم خفوت زخم جبهة الضفة إلا أن الوضع الميداني يبقى على رمال متحركة، فأبطال العمليات لا يتبعون فصيلاً ولا يندرجون ضمن مخططات مسبقة تابعة لأحد تقيد أعمالهم، إنما أفعالهم فردية بامتياز، وهذه الأفعال لا يمكن السيطرة عليها أو قياسها، ولا حتى توقعها والتنبؤ بها، فالتخطيط ينبع من الشخص والتنفيذ كذلك. ولذا فإن تعويل الاحتلال على تراجع الفلسطينيين هو محض وهْم لا يلامس الواقع بشيء.

الانتفاضة ماضية حتى تحقيق أهدافها، أو على الأقل الانعتاق من القيود الصهيونية ولو جزئياً، وأيضاً إجبار الكيان على عدم المساس بالمقدسات أو الاقتراب منها. جميع المؤشرات تقول الآن إن الضفة قد تواجه زخماً ميدانياً أقوى وأشد، وأهم تلك الدلالات إمعان الاحتلال في تقييد الفلسطينيين، باقتحام مدنهم وزجّ العشرات في معتقلاته، إضافة إلى استمرار قطعان مستوطنيه في تدنيس المقدسات وتقديم «قرابينهم» فيها.

القادم ينبئ بمزيد من الدماء؛ فجهود الحلول السياسية تحطمت بفعل العناد «الإسرائيلي»، فحكومة نتنياهو، ما زالت متمسكة بموقفها بعدم تقديم التنازلات، وتمعن في وأد حلم الدولة، كما أن الأمر وصل بها إلى محاربة ومهاجمة كل من ينتقد سياستها التي لا تجلب استقراراً.

الانتفاضة كانت متوقعة بعد أن أعطوا فرصة كافية للسلام الذي كان يُعوّل عليه أن يوجد حلاً منصفاً للقضية، ولكن بعد الإسفاف الصهيوني لم يبق أمامهم خيار سوى المقاومة، وجاءت استفزازات المستوطنين في الأقصى لتشعل شرارة الحراك. إلا أن الشعب كان وحده دون قيادة فاعلة توجهه، لذا اتسم الحراك بالصعود والنزول، ولم يحافظ على زخمه، وهذا تحديداً ما عانت منه “الهبّة”، إذ إنها حُرمت من قيادة موحدة تديرها للوصول بها لتحقيق نتائج ملموسة؛ فالفصائل اكتفت بالمشاهدة والتحريض دون خوض غمار المواجهة، وهذا سبب مهم وجوهري لتراجع الجماهير عن حماسها الكبير.

المعطيات تشير إلى أن منجزات أطفال السكاكين والحجارة خلال أشهر معدودة فاقت ما حققه المفاوض الفلسطيني خلال سنوات عمله العجاف.

كما المطلوب من الفصائل هو الاندماج في مواجهة المحتل، وعدم الانكفاء والاكتفاء بالتصفيق والإدانات؛ فعلى كاهلها مسؤوليات كبيرة لا بد من تحملها، وإلا فإنهم فاقدون لأسباب وجودهم.

المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات