الأحد 04/مايو/2025

تحديات الوعي الجمعي الفلسطيني في ظل تقليصات (أونروا)

علي هويدي

ساهمت أزمة تقليصات (أونروا) في إعادة تشكيل الوعي الجمعي للشعب الفلسطيني، إذ مع التباين في الرؤى السياسية بين الفصائل والقوى والأحزاب الفلسطينية الوطنية والإسلامية التقت وتوحدت على رؤية وهدف انتزاع الحقوق المشروعة للاجئين من (أونروا).

بدأت التقليصات بصورة لافتة بعد المؤتمر الصحفي للمفوض العام لوكالة (أونروا) بيير كرينبول في 14/5/2015م، الذي أعلن فيه أن تقليصات حادة ستشهدها الوكالة نتيجة العجز في الموازنة، وتصاعدت مع التقليصات الصحية للاجئين الفلسطينيين في لبنان مع بداية سنة 2016م.

استشعارًا لحجم المخاطر السياسية والإنسانية على اللاجئين نتيجةً للتقليصات؛ سارعت القوى السياسية واللجان الشعبية والأهلية والمجتمع المحلي في لبنان إلى تشكيل “خلية أزمة” لمتابعة مجريات الأحداث، لتقدم بالتجربة أنموذجًا يحتذى به، ليس فقط في المقدرة على إدارة الأزمة مع (أونروا)، وإنما أيضًا فيما يؤهل القيادة السياسية لتشكيل “خلايا” أخرى لإدارة ملفات أخرى معنية بها القوى السياسية والشعبية الفلسطينية وتمس الوجود الفلسطيني في لبنان، لاسيما على مستوى توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

كلما زاد تعنت (أونروا) وتجاهلها لحقوق اللاجئين اكتسب اللاجئون مزيدًا من الخبرات والمهارات في إدارة الأزمة، وزادت مساحة التوافق والانسجام والتلاقي والتفاعل بين القوى السياسية والشعبية مع البرامج التي تضعها خلية الأزمة تلك، التي احتضنها المجتمع المحلي الفلسطيني، وأيدها في حراكها السلمي الوسط اللبناني الرسمي والشعبي، وتفاعل مع مطالبها بعض سفارات الدول المانحة؛ فقد حافظت منذ البداية على منهجية تنوع الحراك السلمي ضمن برنامج غير عشوائي، يعد بالتوافق مقدمًا، ويستثني أي تأثير على مطالب واحتياجات الحياة اليومية للاجئين من العيادات اليومية أو المدارس أو عمال التنظيفات، في حراك مستمر تشهد بسلميته الأجهزة الأمنية اللبنانية والمجتمع المحلي اللبناني، إذ يحافظ على ممتلكات الدولة خلال الاعتصامات أو الاحتجاجات.

ولا يتسبب بأي إزعاج للمواطنين اللبنانيين، خاصة في بعض المناطق التي لا يزال البعض فيها يتخذ موقفًا عدائيًّا من الوجود الفلسطيني في لبنان، كالاعتصام الذي نفذه اللاجئون أمام السفارة الأمريكية في منطقة عوكر شمال شرق لبنان، أو أمام سفارة الاتحاد الأوروبي في بيروت المحاذية لمركز “بيت الكتائب” في منطقة الصيفي، حتى إن المشاركين في الفعاليات على مستوى الصف الأول من القيادة السياسية المُنظِمة يعمدون إلى المبادرة في تنظيف أماكن الفعاليات.

يشهد الحراك والاحتجاجات تسابقًا محمودًا وتنافسًا شريفًا في خدمة اللاجئين الفسطينيين، وأحد مؤشرات ذلك المسارعة مع ساعات الفجر الأولى إلى القيام بأنشطة متعددة ضمن مظلة برنامج خلية الأزمة، لإقفال المكتب الرئيس لـ(أونروا) في بيروت، أو مكاتب المناطق، أو مكاتب المخيمات، في صورة موحدة قلّ نظيرها في المدى المنظور من السنوات الماضية، لتتحوَّل -مثلًا- الساحة الخاصة لركن مركبات (أونروا) في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، التي تنقل الموظفين إلى المكتب الرئيس في بيروت ومناطق أخرى؛ إلى مَحَجٍّ للعديد من القوى والفعاليات اللبنانية والفلسطينية المساندة.

أثبت اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بحراكهم الحضاري والمنظم أن تجربة إدارة الأزمة مع (أونروا) تمثل -بتقديرنا- جولة تدريبية عملية في إدارة الأزمات الكبرى ذات الأهمية القصوى، ووَضَعت القيادة السياسية أمام تحدٍّ في المستقبل -وربما هو الأقوى- مع الدولة اللبنانية في إدارة أزمة الحصول على الحق في العمل والحق في التملك، لذلك نعتقد أنه من المفيد جدًّا توثيق هذه التجربة، وتعميمها على بقية مناطق عمليات (أونروا)، وحيثُ أمكن.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات