الخميس 08/مايو/2025

على الجانب الآخر من الحدود

ريم عبد العال

جِئتُ إلى هنا ولم أتمكن من الدخول، هُنا أقفُ في الجانبِ الآخر من الحدود، على الضفةِ الأخرى من المعبر، آه يبدو أن ذاكرتي لم تعُد تُسعِفُني في اختيار المفردات، تباً لشابةٍ في العشرين تشتكي قلة التركيز.

لقد نسيت ما اسمه، هل يا ترى هو معبر أم حاجز، فلو كان معبراً لم لا نعبر من خلاله ونعود إلى بلادنا؟ لم لا نتخلص من وصمة اللجوء ونعود حيث بيوتنا وأراضينا؟ لم لا نمتزج بجمال الطبيعة ونحصد ثمار أشجار الزيتون في حقولنا الخضراء!.

لقد نسيت ما اسمه، هل يا ترى هو معبر أم حاجز، فلو كان معبراً لم لا نعبر من خلاله ونعود إلى بلادنا؟ لم لا نتخلص من وصمة اللجوء ونعود حيث بيوتنا وأراضينا؟ لم لا نمتزج بجمال الطبيعة ونحصد ثمار أشجار الزيتون في حقولنا الخضراء!.

 أولا يحق لنا العبور منه بسلامٍ وأمانٍ كأي إنسانٍ في العالم! أم هو حاجزٌ يحجزنا عن بلادنا وأراضينا يمنعنا من السفر يمنعنا من الخروج لتلقي العلاج، يمنعنا من العبور، يَحجِزُنا وأحلامنا إلى حيث يريد المحتل!.

لا زلتُ أنظرُ إلى ما وراء تلك التلال على امتداد البصر، وكأن أفق العودة يرتسم أمامي بلا حدود، بلا قيود، بلا جدار عازل ولا أسلاك شائكة، لا قواعد عسكرية ولا جنود مُدججين بالأسلحة، لا قناصة يصوبون فوهات بنادقهم نحونا.

لا يُخيل إليَّ سوى بيت جدي ومفتاحه الذي لن أضيعه يوما، أشحذ بذاكرتي قصصاً سمعتها عن قريتنا، أجولُ ببصري شرقاً وغرباً، ألتفتُ ذات اليمين وذات الشمال، أتفقدُ بلدتي التي هُجّرنا منها آنذاك وقت النكبة الفلسطينية 1948م.

في الذكرى الأربعين ليوم الأرض الفلسطيني تنضج التساؤلات وتتعالى الآهات حول هذه الذكرى الأليمة في تاريخ الشعب الفلسطيني،  تعود بنا الذكريات إلى 30 آذار  1976م حيث قامت “إسرائيل ” بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية ذات الملكية الخاصة أو المشاع في مناطق ذات طبيعة سكانية عربية وسط ردود فعل ثورية غاضبة من الفلسطينيين تمثلت بإضرابات ومسيرات شملت كل أرجاء الوطن من الجليل شمالاً وحتى النقب جنوباً، مما أسفر عن استشهاد 6 فلسطينيين و إصابة واعتقال المئات.

لازلت أشعر بالغيرة كلما رأيت مشهداً طبيعياً خلاباً، تمنّيت الوصول إليه ولم أستطع، أشعرُ بالغيرة كلما شاهدت المرابطين الفلسطينيين في باحات المسجد الأقصى ينعمون بجمال أروقة المصلى القبلي ويصلّون في مسجد قبة الصخرة الذي لا أمتلك الحق سوى برؤيته صوراً.

لازلت أشعر بالغيرة كلما رأيت مشهداً طبيعياً خلاباً، تمنّيت الوصول إليه ولم أستطع، أشعرُ بالغيرة كلما شاهدت المرابطين الفلسطينيين في باحات المسجد الأقصى ينعمون بجمال أروقة المصلى القبلي ويصلّون في مسجد قبة الصخرة الذي لا أمتلك الحق سوى برؤيته صوراً.

تنتابني الحسرات كلما شاهدت مسلسلاً تلفزيونياً تنتهي حلقاته باجتماع عائلي سعيد يحضره كل أفرادها، أتساءلُ دوما لما لا نتملك أنا وعائلتي هذا الحق في الاجتماع ورؤية بعضنا البعض كما باقي البشر في العالم، لمَ تبقىَ الحدود حائلاّ بيننا وبينهم دوماً، ماذا فعلنا كي تتم معاقبتنا بكل هذه القسوة، متى تنتهي حلقات هذا المسلسل المؤلم  متى نعود، لماذا يكتوي الفلسطينيون بنار الغربة ولوعة الفراق، في يوم الأرض لست أرى الأرض بل أرى أصحابها مشتتون في مخيمات اللجوء على امتداد الوطن وخارجه.

 نعم على هذه الأرض ما يستحق الحياة، فحياتنا لن تكون حياة بلا وطن، كيف نحيا بلا أمل، حينما أنظر إلى دموع أطفالي وسط معاناتنا التي لم تنته منذ سنين ينتابني شعور من الحسرات على ما آلت إليه أوضاعنا، فأذهب عنهم بعيدا أذهب إلى ماضٍ قريب بعيد، أعودُ إلى الوراء قليلاً لأتذكر ما كان يرويه لي جدي قبل أن يموت حسرة على أرضه التي سُلبت منه، حكايا جدي عن حاكورة بيتنا وماذا كان يزرع بها، بين فناء منزلنا المصنوع من الطين تتراءى لي أشجار الزيتون وورد الحنون بين جنباته وزهر الليمون يفوح عبيره إلى فؤاده ليزيح عنه عناء النهار، وآلام ظهرٍ لفلاح فلسطيني بسيط يحفر بفأسه هذه الأرض ليعيل أسرته ويكمل المشوار كما باقي البشر في العالم ولست أنسى تلك الوصايا بأن لا أستسلم مهما كان المشوار صعباً وقاسياً فصاحب الحق لا يلين.

في يوم الأرض أُذكر نفسي وأطفالي بأن هذه الأرض لنا ولن تكون إلا لنا، ستعود يوماً ما بلا حدود وبلا معابر، بلا قرىً غير معترف بها، ولا منازل بحاجة إلى تراخيص، بلا جدارٍ عازلٍ، يوماً ما سنلهو على سور عكا ونأكل البرتقال من يافا عروس البحر لنصلى الجمعة في المسجد الأقصى ونذهب مساءً إلى الشاطئ نتمتع بنسمات الهواء العليل والقمر يزين سماء بلادنا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات