الخميس 27/يونيو/2024

السلطة الفلسطينية والهبّة الشعبية

د. محمد صالح المسفر

مرت حتى اليوم ستة أشهر على الانتفاضة الشعبية في الأرض المحتلة، أي “الهبة” الشعبية، كما يحلو لقادة سلطة رام الله تسميتها. لا نريد أن نحصي عدد شهور وأيام الانتفاضة منذ انطلاقتها في مطلع أكتوبر من العام الماضي. إن الإحصاء الأهم هو الإحصاء الكيفي للزمن، والذي نتعلمه من خلال اكتشاف قدر الذين يتحركون في الزمن فيعطون اليوم معنى، كما يعطون الساعات معانيها الكاملة.

(2)
إذا قسنا زمن الانتفاضة الثالثة “الهبة” بزمن سلطة محمود عباس نجد أن لها زمنها الخاص الذي تجاوز حركة زمن القيادة الفلسطينية في رام الله، فالانتفاضة الثالثة اليوم قد برهنت أنها أكبر بكثير من زمن الرئيس محمود عباس الذي يمضي اتكالياً ومتواكلاً ومسترخياً، تحده روح المساومات التي تكاد تلغي العلاقة بين الفلسطيني والزمن حتى لتبدو إيقاعات الدقائق والساعات بل والأيام والشهور أكبر من قدرات السلطة الفلسطينية على ملء فراغات الزمن، وهنا يكمن الفرق الكبير بين زمن السلطة العام العاجز عن الحركة والفعل في مقابل زمن الانتفاضة الذي يملأ كل ثانية ويستثمر إيجابياً كل لحظة من زمن الأرض المقدسة ويستجمع الزمان والمكان في نبضات قوية دافقة تشكل انتفاضة ليس ضد الكيان الصهيوني وحده؛ وإنما تنتفض أيضاً على رتابة الزمن الفلسطيني على وجه الخصوص والعربي على وجه العموم، وعلى هذا المكان الحبيس الأنفاس الجامد البدن.

(3)
انتفاضة “هبّة” أكتوبر الماضي تواجه قوّتين في آن واحد؛ القوة الأولى قوة السلطة في رام الله والتي لا تقوى إلا على المواطن الفلسطيني وحده، أما مواجهة قوى العدو الصهيوني دفاعاً عن المواطن الفلسطيني وممتلكاته فذلك شأن آخر، لا مصلحة للسلطة في مواجهته.

بعض عناصر القيادة السياسية الفلسطينية متهم بالفساد والإثراء غير المشروع، والتعاون والمتاجرة مع قيادات صهيونية بهدف تحقيق مصالح ذاتية لا دخل للوطن والمواطن بها. يقول المواطن الفلسطيني في رام الله المقهور من الاحتلال الإسرائيلي ومن قهر سلطة محمود عباس: لا فرق عندي في هذه الحالة بين عودة الاحتلال لكل مدن وقرى الضفة الغربية أو بقاء فريق القطط السمان وانتشارها في مدن الضفة الغربية، والفرق الوحيد عند المواطن أن مقاومته الاحتلال لا يمكن المساومة عليها.

القوة الثانية هي قوة المحتل الإسرائيلي ليس للضفة الغربية وحدها وإنما لكل فلسطين من النهر إلى البحر تمارس هذه القوة الباغية في غياب رادع لسلطة محمود عباس أقسى أنواع التعذيب النفسي والبدني لكل الفلسطينيين ما عدا رجال السلطة.

تزايدت عمليات هدم المنازل في المناطق المحتلة منذ عام 1967 بما في ذلك جميع المباني التي بنيت بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي، تسلح الشرطة الإسرائيلية المستوطنين وتدربهم على قتل الفلسطينيي دون رادع أخلاقي أو إنساني، تمثل ذلك في قتل الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف (21 عاماً) وصديقه رمزي عزيز القصراوي (21 عاماً) وهو مصاب وممدد على الأرض لا يقوى على المقاومة، قُتل بطلق صوب على رأسه وهو ينزف دما.

تؤكد المعلومات غير القابلة للشك أن عدد الشهداء منذ الأول من أكتوبر الماضي وصل إلى 209 شهداء، بينهم 128 أعدموا على خلفية تنفيذ عمليات طعن، أو دهس، أو اشتباه بذلك، منهم 60 فلسطينياً تم إعدامهم على حواجز ونقاط عسكرية في الضفة الغربية وخارجها. إن عملية القتل التي يرتكبها المستوطنون والشرطة وحرس الحدود في الضفة الغربية الواقعة تحت سلطة سيادة محمود عباس وأمام جيشه وشرطته وحرسه الرئاسي أصبحت عملية ممنهجة تدعمها أجهزة الاحتلال الرسمية القضائية منها والأمنية والإعلامية دون أي رد من حكومة رام الله.

بينما “إسرائيل” تسلح مواطنيها للنيل من الشعب الفلسطيني صاحب الحق، تقوم السلطة بتجريد المواطن الفلسطيني من أي سلاح حتى ولو كان سكين مطبخ، وتلاحق الناشطين من شباب الانتفاضة وتعتقلهم وقد تسلمهم لسلطات العدو الإسرائيلي، وتحرض على الإمعان في حصار قطاع غزة، فأي سلطة هذه يجب أن تُحترم وتُطاع؟!

(4)
السؤال الذي يسأله الخلق جميعا، ماهي وظيفة السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس؟ أليس من أولى وظائفها حماية الوطن والمواطن؟ أليس من مهامها تحقيق الانسجام الاجتماعي بين أفراد الشعب، والمنظمات الوطنية، أليس من واجبها الدفاع عن الوطن وسيادته؟ يظهر من الملاحظة أن القيادة الفلسطينية في رام الله منشغلة بتحقيق المصالح الذاتية لجميع أفراد القيادة.

يجوب محمود عباس بعض العواصم العربية القادرة ماليًّا، مطالبًا تلك الدول بالمساهمة في تمويل ميزانية سلطته والتي جلُّ بنودها تذهب مرتبات وأجورًا لحرس قيادات السلطة وحمايتهم، وليس لحماية الشعب الفلسطيني، ونلاحظ أيضاً أن الأجهزة الأمنية في الضفة ما هي إلا لحماية المستوطنين وحماية الجيش والشرطة الإسرائيلية من غضبة الشعب الفلسطيني.

في أوروبا تكتلات مدنية أوروبية تقاطع منتجات المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما تدفع السلطة الفلسطينية بأكثر من 80 ألف فلسطيني للعمل في بناء المستوطنات ومزارعها، وتقاطع جامعات أمريكية وغربية الإنتاج الأدبي والعلمي من منتسبي الجامعات الإسرائيلية، والسلطة تتعاون مع حكومة الإسرائيليين، فأي سلطة تلك؟! 

آخر القول: يا عرب لا تموّلوا ميزانية السلطة الحاكمة في رام الله؛ لأن أموالكم تذهب لحماية المستوطنين والإسرائيليين عامة. إن شعوبكم أولى بالرعاية من حماة قطعان المستوطنات.

المصدر: صحيفة الشرق القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات