حول زيارة وفد حماس للقاهرة

أحدثت الزيارة التي قام بها وفد حركة حماس للقاهرة الأسبوع الماضي لغطاً واسعاً، سواء على صعيد ظروفها أو على صعيد نتائجها.

فبعض وسائل الإعلام عزت هذه الزيارة إلى أنها نتائج وساطة سعودية بين نظام السيسي وقيادة حركة حماس، وأنها تأتي في إطار مشروع صفقة تلتزم الحركة بموجبها بقطع علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين، والنأي بنفسها عن إيران، مقابل فتح صفحة جديدة في العلاقات مع النظام.

وقد اكتنف نتائج الزيارة الغموض، فالتسريبات التي تحدثت عن فشلها، قوبلت بنفي قاطع من عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق.

وبغض النظر عن حقيقة ظروف الزيارة ونتائجها، فإن جميع الذين ناقشوا الزيارة وظروفها وأبعادها ومآلاتها المرتقبة قد ركزوا على العاملين العربي والفلسطيني، وتجاهلوا العامل الصهيوني.

فليس سراً أن الموقف من حركة حماس يعد مركباً أساسياً من مركبات العلاقة بين “تل أبيب” ونظام السيسي. ولا حاجة للعودة للتأكيدات الصهيونية التي لم تنف من القاهرة بأن مواجهة حماس، والسعي لإضعافها يعد أهم المصالح المشتركة التي أسست للتحالف بين الجانبين.

وقد دلت التجربة خلال الأعوام الثلاثة أن سلوك النظام المصري تجاه الفلسطينيين وغزة تحديداً يتأثر بالموقف الصهيوني. ولا حاجة للتذكير مجدداً بما قاله الوزير الصهيوني يوفال شطانيتس الذي أكد أن إجراءات مصر العدائية ضد حماس، ولا سيما تدمير الأنفاق التي تربط شمال سيناء بقطاع غزة، جاء بناء على طلب “إسرائيل” ولخدمة مصالحها.

ومن أسف أن سلوك القاهرة تجاه غزة يتأثر بالمصلحة الإسرائيلية أكثر من تأثره بمتطلبات الأمن القومي المصري. من هنا، فإنه في كل ما يتعلق بمقاربة زيارة وفد حماس للقاهرة، يتوجب أن يُسأل السؤال التالي: هل موافقة القاهرة على استقبال وفد الحركة يرتبط بتحذير الكثيرين في “تل أبيب” من أن الحرب التي يشنها نظام السيسي ضد حماس ألحقت بشكل غير مباشر ضرراً استراتيجياً بمصالح الكيان الصهيوني.

فعلى سبيل المثال، يقول المعلق الصهيوني يوسي ميلمان إنّ مبالغة نظام السيسي في حربه على حماس وتشديده الحصار على غزة سيفضي إلى اندلاع مواجهة جديدة بين حماس و”تل أبيب”، وهذا ما لا يتماشى مع المصالح الصهيونية. وحتى وزراء ينتمون لليمين الصهيوني باتوا يطالبون بتخفيف مظاهر الحصار عن قطاع غزة، وضمن أولئك الوزير الليكودي حاييم كاتس والوزير المتطرف أوري أرئيل والوزير يوآف جلانت، حيث إن هؤلاء يلمحون بشكل واضح إلى أن سلوك نظام السيسي يمكن أن يفضي إلى اندلاع حرب جديدة بين “إسرائيل” وحماس لن تحقق أية مصلحة استراتيجية لتل أبيب.

فهل يمكن والحالة هذه أن يكون الجانب الصهيوني قد طلب من القاهرة تغيير نمط علاقاتها وسلوكها تجاه قطاع غزة، ولا سيما في مجال الحصار، من أجل تقليص فرص اندلاع مواجهة مع حماس في المستقبل، ومن أجل تحسين فرص تحسين العلاقات مع أنقرة؟ هذه مجرد تساؤلات لا يعني طرحها أن هذه هي بالضبط الأسباب الكامنة وراء الزيارة، فقد تكون أسباب أخرى، لكن ليس من المنطقي تجاهل هذه الأسئلة، ولا سيما في ظل الغموض وحالة الالتباس السائدة.

إنَّ ما يدفع لطرح هذه الأسئلة حقيقة أن استقبال وفد حماس في القاهرة قد جاء تحديداً بعد أسبوع من الاتهامات التي وجهها وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار الذي اتهم الحركة بالضلوع في عملية اغتيال النائب العام المصري السابق هشام بركات التي نفذها، حسب مزاعمه، عناصر من جماعة الإخوان المسلمين.

وبغض النظر عن الجدية التي يمكن التعامل بها مع هذا النمط من الاتهامات، فإن استقبال وفد حركة حماس بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الداخلية المصري عبد الغفار؛ منح دليلاً آخر على أن الجانب المصري نفسه لا يتعامل بجدية مع هذه الاتهامات، وإلا كيف يمكن لجهاز أمني مصري سيادي أن يستقبل ممثلي حركة يتهمها النظام بالمسؤولية عن اغتيال مسؤول قضائي بارز، بحجم النائب العام.

لقد كان من الأهمية بمكان لو قارب نظام الحكم في القاهرة مسألة العلاقات المصرية الفلسطينية فقط من زاوية الأمن القومي المصري، للتوصل بكل تأكيد لقناعة مفادها أن حالة العداء الحالي يتوجب أن تستحيل إلى علاقة تحالف.

فالاستثمار في هذه العلاقة أكثر جدوى وأضمن، في الوقت الذي يتبين أن “تل أبيب” عملت كثيراً من أجل إقناع روسيا بعدم تزويد مصر بسلاح اعتبرته إسرائيل “كاسرا للتوازن”؛ أي أن “إسرائيل” لا تزال ترى في مصر حتى في عهد السيسي “عدواً”.