ناجح عليوي.. رحل تاركًا إرثًا ثقافيًّا واسعًا

قامة من قامات نابلس، أمضى حياته بين الكتب، ومسافرا بين البلدان لإحضارها وتوفيرها للقراء والطلاب وكل من يحتاجها.. هكذا يصف أهالي نابلس الحاج ناجح عليوي “أبو رامي” الذي رحل قبل عدة أيام تاركا خلفه تاريخا ثقافيا طويلا في عالم الكتب.

فأبو رامي هو صاحب أقدم مكتبة تجارية في نابلس وفي الضفة الغربية، أنشأها في خمسينيات القرن الماضي وبقي متمسكا بها على مدار عقود طويلة، يزوّد الطلاب والأساتذة والأدباء والمثقفين بالكتب. 

من أعلام المكتبات

الدكتور جبر خضير المحاضر في قسم اللغة العربية بجامعة النجاح، ومن رواد المكتبة القدماء يتحدث لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” عن علاقته بالحاج عليوي قائلا: “تربطني به علاقة صداقة وثقافة متينة منذ ما يزيد عن ثلاثين عاما، وكان المرحوم علمًا من أعلام المكتبات في فلسطين عامة وفي نابلس خاصة، فمكتبته كانت أول مكتبة في نابلس والضفة، وامتهن هذه المهنة حبا وشغفا بالقراءة والعلم”.

وبالرغم من أن الحاج عليوي لم يكن متعلما كثيرا، إلا أنه كان قارئا ومثقفا وينهل من الكتب في شتى أنواع العلوم والثقافات؛ فلم يكن مجرد بائع للكتب، فهو يتعامل مع الكتاب كقيمة ثقافية كبيرة، ويدرك أهمية الكتاب وخاصة في فلسطين التي عايشت الكثير من الشدائد، كما يقول خضير.

وتابع “باعتبار مكتبته من أهم مكتبات فلسطين؛ تنوعت الكتب عنده ما بين الثقافية والأدبية والدينية والسياسية، وكان شغوفا بها لدرجة كبيرة، وزبائنه من مختلف مدن الضفة، حتى كان له زبائن من قطاع غزة ومن الداخل الفلسطيني”.

ومن أكثر ما يميز شخصية المرحوم، كما يحدثنا خضير، الطريقة الحضارية الراقية التي كان يتعامل بها مع القراء والزبائن.

ويستذكر: “كنا لا نمل من الجلوس معه؛ فجلسته شائقة تحمل الكثير من الفائدة والثقافة، فكان يأخذنا الحديث معه لساعات، فأحاديثه طيبة وتحمل الكثير من المعارف، كيف لا وقد كان قارئا نهما يطالع الكتب يوميا وبشغف”.

وأوضح أن كل طالب أو باحث أو إمام يجد ضالته عند أبي رامي، الذي كان يسافر للعديد من الدول العربية ويزور مكتباتها ويعود منها بكل ما هو جيد وقيم، والكتب التي لا تتواجد عنده كان يسعى في العديد من الدول لإحضارها، فيوفر المشقة على كل طالب علم وباحث وأديب وفقيه.

وكان للحاج عليوي دراية كبيرة بالكتب الجامعية، فعمل على طباعة هذه الكتب بأعداد كبيرة وتوزيعها على جامعات الضفة وتوفيرها لها، فهو يدرك مدى قدسية رسالة العلم والثقافة، فساهم على مختلف المراحل بتطوير الثقافة لدى الأجيال.

مدينة الكتب

أما نجله أيمن عليوي فيحدثنا عن المكانة التي تتبوؤها البلدة القديمة بداخله والتي جعلته ينشئ أول مكتبة فيها، قائلا: “حاولنا عدة مرات إخراجه من البلدة القديمة لإنشاء دار نشر له في مكان آخر، وفي مدينة أخرى إلا أنه كان يرفض”.

كما حدثنا عن بدايات والده الذي بدأ حياته بائعا للكتب على بسطة داخل “الخط الأخضر” قبل عام 1948، وبعدها فتح مكتبته في نابلس في الخمسينيات.

عليوي الذي كان يفتتح مكتبته بجوار الجامع الكبير في البلدة القديمة، عمل على استئجار المحلات المحيطة جميعها وحوّلها إلى مخازن للكتب، لدرجة أن الزائر لهذا القسم من البلدة يظنها مدينة كتب، ثم عمل على افتتاح مقر آخر للمكتبة.

وتطرق عليوي إلى الصعوبات الكبيرة التي مر بها والده خلال العقود الطويلة التي عمل بها في مجال الكتب؛ فخلال الانتفاضة الثانية وبفعل ظروف الحصار وفرض الإغلاقات على المدن لم يكن عليوي يتمكن من إيصال الكتب التي يطبعها للجامعات خارج مدينة نابلس، فكان يطبع كتبًا بكميات ضخمة، ولكن لا يتمكن من إيصالها.

ويعدّ عليوي كما يحدثنا نجله صاحب رسالة، ويسعى لنشر القراءة بين الأجيال الشابة فيعمل على تزويد المعارض بالكتب المختلفة لبيعها بسعر رمزي.

وفي ختام حديثه، أكد أن العائلة ستحافظ على هذا الإرث، وستعمل على توسيع عمل المكتبة للاستمرار برسالة صاحبها الذي أفنى معظم حياته في عالم الثقافة والكتب وتزويدها لكل من يحتاجها ويطلبها، “فالمكتبة كانت وستبقى علمًا يشار له بالبنان في نابلس”.

ومع انتهاء اليوم الثالث من العزاء للمرحوم عليوي فتح أحد أنجاله المكتبة،  ليعلن أن مشوار ومسيرة المكتبة ما تزال حية وحاضرة، كما كانت على الدوام، مكانا لكل باحث عن الثقافة والمطالعة.