القيادي بكر بلال.. عاش مجاهدًا ورحل ساجدًا

في العشرين من شهر شباط الماضي، كان القيادي في حركة حماس بكر سعيد بلال يحتفل بزفاف أكبر أبنائه، هي لحظات من الفرح اختلسها وعائلته من بين سنوات طويلة عاشوا خلالها كل معاني الألم والمعاناة.
ولد بكر في البلدة القديمة بمدينة نابلس عام (1965) لأسرة تنحدر من بلدة طلوزة شمال نابلس، وهو الابن الأكبر للشيخ الداعية الراحل سعيد بلال أحد مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين.
نشأ بكر في بيت عرف بالتمسك بتعاليم الدين الحنيف وحب الجهاد، فوالده الذي كان إماما لمسجد التينة بحارة القريون، كان مقصدا لأبناء الحركة الإسلامية الذين يتوافدون عليه لسماع خطبه ودروسه، أما والدته فكانت أول من ارتدت النقاب بمدينة نابلس، وعملت في العمل النسوي الإسلامي في بداية الصحوة الإسلامية.
انضم بكر لجماعة الإخوان المسلمين منذ نعومة أظفاره، وتلقى تعليمه في مدارس مدينة نابلس، ومع انطلاقة الانتفاضة الأولى وحركة حماس عام 1987، كان من أوائل المنضمين للحركة الوليدة والمنخرطين في فعاليات الانتفاضة المباركة.
منذ العام 1992، والقيادي بكر يعدّ السجن بيته الثاني؛ فلا يكاد يخرج منه لفترة من الوقت، حتى يعود إليه، حتى بلغ مجموع ما أمضاه في السجون عشرة أعوام ونصفًا.
تعرض في اجتياح نابلس الشهير عام (2002) لرصاصة بالوجه، ونجا من موت محقق، واعتقل عام 2003 بعملية خاصة بعد مطاردة لعدة سنوات، وخضع لتحقيق قاسٍ، أبدى خلاله صمودا منقطع النظير، وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ونصفًا، وبعد الإفراج عنه بدأت معاناة جديدة مع الاعتقال الإداري الذي لازمه حتى الشهور الأخيرة من حياته الحافلة بالجهاد والتضحية.
عائلة مجاهدة
لم يكن القيادي بكر حالة فريدة في عائلته؛ فكل أفراد عائلته انخرطوا بالجهاد والتضحية، وعرفوا السجون وغرف التحقيق، وفي عام 2009 كان هو وإخوانه الأربعة ووالدتهم وابنه سعيد موزعين على سجون الاحتلال في وقت واحد.
وبدأت قصة عائلة بلال مع السجون عام 1981 عندما اعتقل الوالد الداعية سعيد بلال على خلفية مشاركته بتأسيس خلية مسلحة للحركة الإسلامية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وخضع لتحقيق قاسٍ، قبل أن يفرج عنه ويفرض عليه الاحتلال الإقامة الجبرية، والمنع من مغادرة مدينة نابلس.
في عام 1995 اعتقل شقيقه عثمان الذي كان من تلامذة الشهيد المهندس يحيى عياش، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد لدوره في التخطيط لإحدى العمليات الاستشهادية.
أما شقيقه معاذ فاعتقل عام 1998، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد 26 مرة، بتهمة مشاركته بتأسيس وقيادة مجموعة “شهداء من أجل الأسرى” التابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام، التي نفذت سلسلة عمليات استشهادية بالقدس المحتلة عام 1997.
واعتقل شقيقه عمر الذي أمضى عاما كاملاً بالسجون الصهيونية قبل أن يفرج عنه.
أما شقيقه الأصغر عبادة فاعتقل عام 2002، بتهمة صناعة المتفجرات، وحكم عليه بالسجن 11 عاما وأطلق سراحه بصفقة “وفاء الأحرار” عام 2011، وبعد سنوات من اعتقاله اعتقل الاحتلال زوجته، وحكم عليها بالسجن 20 شهرًا.
ولم يوفر الاحتلال والدة بكر التي ذاقت هي الأخرى مرارة الاعتقال، وواجهته بكل صبر واحتساب؛ فقد اعتقلت عام 2009، بينما كان جميع أبنائها في السجون، وقد تجاوزت الستين من العمر.
وخلال إحدى اعتقالات بكر، اقتحم الاحتلال منزله واعتقل نجله سعيد الذي بدأ هو الآخر مسلسل اعتقالات متكررة بين سجون الاحتلال وسجون السلطة، أما الشقيقة الوحيدة لبكر، فكان نصيبها من البلاء والتضحية أن اعتقل الاحتلال ابنيها عمير وأسيد سلامة.
شهادات
الناشط الحقوقي في مجال الأسرى فؤاد الخفش، الذي ربطته علاقة صداقة قوية بالقيادي بلال وعائلته، بدا شديد التأثر وهو يتحدث عن صديقه الراحل الذي أمضى معه اليوم الأخير من حياته.
وقال لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”: “تعرفت على بكر عام 1993 في سجن النقب، ومن خلاله توطدت العلاقة مع جميع أفراد العائلة الذين لم يبق أحدٌ منهم خارج السجون، وبقوا رغم كل هذا التنكيل كالطود الشامخ في وجه الرياح العاتية، تزيدهم البلاءات قوة، وتعطيهم السجون عزيمة، ويحولون المحن إلى منح”.
ويقول الخفش إن الراحل امتاز بسعة الصدر ومحبة الناس له، والشجاعة والإقدام في المواقف التي يجبن فيها الكثيرون، وأخذ على عاتقه أكثر من مرة إقامة مهرجان الانطلاقة لحركة حماس رغم ملاحقات الأجهزة الأمنية لأبناء الحركة.
ويضيف: “كان بكر لا يكل ولا يمل، ومنذ عام 1996 لم يمضِ عاما واحدا في بيته، بسبب الاعتقال أو المطاردة”.
نموذج للتضحية
أما النائب المقدسي في المجلس التشريعي الدكتور إبراهيم أبو سالم، الذي عرف عائلة بلال منذ فترة شبابه وتتلمذ على يد الشيخ سعيد بلال، فيقول إن عائلة بلال هي نموذج فريد في التضحية والفداء.
ويشير إلى أنه عرف بكر وأشقاءه وهم أطفال، وكان يسمع بالكثير من العائلات التي قدمت واحدا أو اثنين من أبنائها في سبيل الله، لكنه لم يكن يتصور أن يشترك كل أفراد هذه العائلة في التضحية والفداء.
“حماس” التي انتمى لها الراحل، نعته وقدمت التعزية لعائلته ولأشقائه ولكافة أهالي محافظة نابلس، وقالت الحركة في بيانها إنه “كان أحد قياديي الحركة البارزين في محافظة نابلس، وقد أمضى في سجون الاحتلال قرابة 10 أعوام على خلفية دوره القيادي ونشاطه العسكري ضمن كتائب الشهيد عز الدين القسام، خاصة في انتفاضة الأقصى”، أما كتائب القسام، فوصفته بأنه “أحد السباقين للعمل الجهادي في شمال الضفة المحتلة”.
رحل بكر بلال، بعد أن أدى واجبه تجاه ربه ووطنه، مختتما خمسة عقود ونيفًا لم يعرف خلالها الراحة والاستقرار، رحل وهو ساجد لله تعالى في صلاة الوتر، فأي خاتمة أحسن وأروع!.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

ألبانيز: الجميع مسؤول أمام القانون الدولي لصمته على المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين
تونس – المركز الفلسطيني للإعلام قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، إن...

أبو سلمية: نفاضل بين الجرحى والمرضى والمنظومة الصحية شبه منهارة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، محمد أبو سلمية، إن الأطباء في المستشفى يفاضلون بين المرضى والجرحى. وأضاف أبو...

القوات اليمنية: نفذنا عمليتين استهدفتا مطار رامون ردًا على جرائم الاحتلال
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت القوات المسلحة اليمنية، مساء اليوم الأربعاء، تنفيذ سلاح الجو المسير عمليتين عسكريتين استهدفتا مطار رامون في...

حماس: عملية جنين أبلغ رد على محاولات الاحتلال إخماد المقاومة
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مساء اليوم الأربعاء، إن عملية إطلاق النار البطولية التي وقعت عند حاجز الريحان...

إصابة جندي إسرائيلي بعملية دهس في الخليل واستشهاد المنفذ
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام استشهد، يوم الأربعاء، منفذ عملية الدهس قرب حاجز "سدة الفحص" جنوبي الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، والتي أسفرت...

قرار أمريكي بإغلاق مكتب الشؤون الفلسطينية في القدس
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام قرر السفير الامريكي في الكيان "مايك هاكبي" وفي خطوة غير مسبوقة إغلاق مكتب الشئون الفلسطينية في القدس ودمجه...

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 4 مستوطنين عصر اليوم الأربعاء، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة قرب مدينة جنين، قبل أن ينسحب منفذ العملية من...