الإثنين 05/مايو/2025

ماما راحت على الجنة

خالد معالي

عندما يسأل الطفل أحمد دوابشة عن عائلته وأمه التي أحرقها المستوطنون؛ يكون الجواب بأنها راحت على الجنة؛ وعندما يسأل الطفل معتز ابن الصف الأول الابتدائي؛ أين أمه الشهيدة أماني حسني سباتين (34 عاماً)، التي نفذت عملية دهس بطولية صباح الجمعة 4-3-2016على مفترق مستوطنة “غوش عتصيون” جنوب بيت لحم،  يكون الجواب أيضا دون تردد؛ راحت على الجنة.

ثقافة الجنة لدى الإنسان المسلم تتلخص وترتبط بأعظم وأرقى وأسمي أمنية وهدف؛ وهي التضحية وعدم قبول أو الخنوع للظلم؛ وصولا للحرية وإعمار الكون بالطاقات الخلاقة؛ وكيف للطاقات أن تنطلق وتعمر الكون في ظل احتلال يكتم على أنفاسها! من هنا صار لزاما إزالة الاحتلال لإطلاق تلك الطاقات.

وكون شهداء انتفاضة القدس ضحوا بأرواحهم لأجل الوطن فهم في الجنة؛ والشهداء لا يموتون؛ بل أحياء عند ربهم يرزقون؛ وهنا بيت القصيد الذي لا يريد مفكرو وكتاب صحفيين وقادة الاحتلال أن يفهموه أو يستوعبوه جحودا ونكرانا؛ كعادة الظلمة عبر التاريخ.

الطفل معتز يمسك بصورة والدته ويقول: “ماما راحت عالجنة.. أنا بحبك يا ماما.. الله يرحمك؛ كلمات قليلة توجز قصة الشعب الفلسطيني مع ظلم الاحتلال الذي يحرم الأطفال من أمهاتهم بقتلهن وحرقهن، أو يحرم الأمهات من أطفالهن بقتلهم بدم بارد ودون أي يشكلوا أي خطر على جنود الاحتلال؛ وهو ما وثقته الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.

في قصة الشهيدة الأم؛ وكعادتها أدت صلاة الفجر، وقرأت  ما تيسر من القرآن الكريم، وغادرت المنزل عند الساعة السادسة والنصف صباحًا (بتوقيت القدس) مستقلة سيارة دون أن  يلحظها أحد، ومن ثم قامت بدهس الجنود واستشهدت؛ وكعادتها أخفت الرقابة العسكرية لجيش الاحتلال خسائرها.

لن يفكر الاحتلال ولو للحظة واحدة عن سبب إقدام أم فلسطينية على عملية دهس؛ وكعادته سيخرج بحكاية بأنها كانت تريد الانتحار؛ كما هو يفسر حتى الآن ويكابر؛ بأن منفذي العمليات البطولية ليس دافعهم حرية وكرامة شعب ووطن؛ بل يأس وضيق اقتصادي وانتحار كعادة الطغاة في الابتعاد عن حقيقة الأمور.

المرأة الفلسطينية تعيش الحالة والمرحلة بما لها وما عليها؛ وهي مصرّةً على مشاركة الرجل في أعمال المقاومة في انتفاضة القدس، كونها المربية الأولى وصانعة الرجال؛ بل هي الرجل في الزمن الذي يعزّ فيه الرجال، وهي كانت وما زالت تدفع ضريبة الوطن.

سيكبر أطفال الشهيدة أماني؛ تحفهم عناية الله الذي لا ينسى عباده فكيف بعائلات الشهداء! وسيكبر معهم الوطن، وسيلعنون لاحقا كل من تخاذل عن التضحية للوطن، وسيقدمون للوطن ما يليق بهم كأبناء شهداء.

سيزول الاحتلال عاجلا أم آجلا؛ وحتى ذلك الوقت لا بد من تجميع الجهود وحشد الطاقات من قبل كافة القوى الفلسطينية الحية المخلصة للوطن، ووقف كل ما يوتر الساحة خاصة من تصريحات سياسية صعبة وقاسية؛ تساهم في توتير الحالة الفلسطينية ولا تساهم في لم شملها وجعلها كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات