إسراء.. أسيرة فلسطينية أكلت النار أكثر من نصف جسدها

عشرة أصابع، هي نعمة لا يقدّرها إلّا من فقدها، عشرةٌ كانت تعمل طيلة الوقت، إمّا بالرسم أو الخياطة أو إعادة تصنيع المواد، لكن إسراء لم تفقد ثمانية من أصابعها فحسب، بل هي أسيرة أكلت النار 60 في المائة من جسدها، وحرمها الاحتلال من أن تُكمل دربها في رسم الفرحة على وجوه الأطفال.
قبل حادثة اعتقال إسراء جعابيص (31 عامًا)، حاكت لباسًا تنكّريًا على شكل “خاروف”، ارتدته في أول فعالية تقوم بها في المدارس أو المشافي كعادتها، لكن حياتها قُلبت رأسًا على عقب، بفعل شرطي صهيوني، ادّعى بأنها كانت تنوي تنفيذ عملية تفجير بسيارتها شرقي القدس المحتلة العام الماضي.
عُطل المركبةفي 11 من تشرين أول/ أكتوبر 2015، كانت إسراء في زيارة لزوجها في مدينة أريحا (شرق القدس المحتلة)، وفي هذا الوقت كانت تنقُل بسيّارتها مستلزمات بيتها الجديد في القدس.
وفقًا لوالد زوجها، فإن السيارة كانت معطّلة في صباح ذلك اليوم، ثم استطاعت عقب محاولات كثيرة إعادة تشغيلها قبل أن تتوجه نحو القدس، ولدى وصولها وسط البلد (أريحا)، تعطّلت مرّة أخرى، فقام أهل الخير بمساعدتها، وعلى بعد مئات الأمتار من حاجز الزعيم شرقي القدس، تعطّلت للمرة الثالثة، لتقوم إسراء بركْن السيارة على مسلك الباص.
توقّفت إسراء ورآها شرطي “إسرائيلي” وتساءل حول سبب تواجدها في هذا المكان، لكنّ صعوبة الموقف كانت في تفهّم اللغتين (هو يتحدّث العبرية، وهي تتحدث العربية، ولا أحد يفهم لغة الآخر)، فحاولت أن تُفهّم ذاك الشرطي بأن السيارة تعطّلت وهي ليست المرة الأولى، وما هي إلّا دقائق حتى بدأ الدخان يخرج من المركبة بسبب تماس كهربائي، والبعض قال إن أنبوبة غاز منزلية كانت في السيارة، ما فاقم من حدّة الانفجار ليُحرق جسد إسراء.
إسراء كانت تُحاول إثبات إقامتها في القدس، والحصول على رقم هوية لطفلها معتصم، فكانت تقوم بنقل مستلزمات البيت الجديد من أريحا للقدس عبر مركبتها، فمن المعلوم أن نقل الأثاث عبر سيارات خاصة يحتاج للمال، فأرادت أن توفّر نقودها، وأن تقوم بنفسها في نقل الحاجيات في كل مرة كانت تزور فيها زوجها وتعود لبلدتها جبل المكبر، جنوبي شرق القدس، على فترات.
وبعد الحادثة، اتهمت شرطة الاحتلال إسراء بمحاولتها تنفيذ عملية فدائية من خلال مركبتها عبر تفجير أسطوانة الغاز المنزلية، والتي كانت تُريد نقلها لمنزلها الجديد.
مُفعمة بالحيويةإسراء كانت تلك الشخصية المحبوبة والطموحة والرسامة والفنانة أيضًا، وكيف لا وهي التي كانت ترسم البسمة على وجوه الأطفال الذين تلتقيهم، لم يتبنّاها أحد من المؤسسات، فكانت تشتري زي “المهرّج” وحاجيّاته من بالونات ملونة وهدايا رمزية تُسعدُ بها قلوب الأطفال، فتطوّعت من أجل عمل تُحبّه.
تقول منى جعابيص، شقيقة الأسيرة إسراء، التي تقبع في سجن “هشارون الإسرائيلي” اليوم، وهي في وضع صحي سيّئ، “من منّا لا يحبّ إسراء، فقد كانت الأم والأخت والصديقة والزوجة الصالحة، كانت مفعمة بالحيوية ومُقدمة على الحياة بكل أمل وتفاؤل، لم يُثنها عن كل ما تحبّه أي عائق”.
وتضيف في حديثها لوكالة “قدس برس” أن إسراء كانت تدرس في السنة الثانية بالكلية الأهلية في بلدة بيت حنينا، شمالي القدس، في تخصص التربية الخاصة، كما كانت تعمل مع المسنّين، إلى جانب الفعاليات الترفيهية في المدارس والمؤسسات، وهي متزوجة ولديها معتصم، الابن الوحيد ذو الثماني سنوات والذي ما زال يشتاق رؤية والدته.
طفلها الوحيد يسأل“تدريجيًا، وبشكل لا نُحسسه بأن حدثًا عظيمًا قد حصل مع والدته، أخفينا عليه في البداية، لكن سؤاله عنها بشكل متكرّر أجبرنا على إخباره بأن إسراء تعرّضت لحادث وهي في المشفى، بعد انتقالها للسجن أفهمناه بأن والدته قد اعتُقلت من قبل الشرطة”، تقول منى.
وتضيف أن معتصم تفّهم أن شكل والدته قد تغيّر بسبب الحادث، وكان يصمت كلما قلنا له كلامًا أكبر من عمره وطفولته، حتى أحضرنا له صورة حديثة لها، لكنها أقل قساوة من الواقع (بالأبيض والأسود)، لأننا لا نريد أن تكون ردة الفعل على الأم والطفل قاسية، مشيرة إلى أنها تخوّفت من عدم سؤال معتصم مجددًا عن والدته بعد رؤيته للصورة.
معتصم اليوم يسأل أكثر من مرة عن والدته التي نهشت الحروق 60 بالمئة من جسدها، وهي كذلك تسأل عنه “هل يسألكم عنّي وعن أحوالي، هل يشتاق لي، هل ما زال يحبّني بشكلي هذا”، معتصم يقول لخالته: “أنا أحب ماما كيفما كانت، وأريد رؤيتها”، لكن مصلحة السجون لم تسمح له بذلك، ولم يرها وجهًا لوجه منذ يوم الحادثة.
السجن وآلام الحروق
عالية العباسي (50 عامًا) هي الأسيرة التي تهتم بإسراء، كما لو كانت والدتها تمامًا، في سجن “هشارون” إلى جانب الأسيرات الأُخريات اللواتي يقدّمن لها كلّ ما تحتاجه من رعاية وطعام وإعطائها الدواء، لكن رغم تلك المساعدات إلا أن عائلة جعابيص تحتاج إلى أن تكون إسراء بينهم، ويقومون بمتابعة علاجها بأنفسهم، لذلك توجّهوا في محاولة عن طريق المحامي إلى تحويل إسراء للحبس المنزلي.
تقول منى: “أحضرنا عددًا من الأوراق المطلوبة من المركز الطبي، وقمنا بكافة الإجراءات اللازمة، لكنني تفاجأت أمس (الثلاثاء) بأن مدير المركز الطبي يتّصل بي ويبلغني بأن الاحتلال قد سحب التأمين الصحي عن إسراء، وبذلك لا يُمكن أن نُخرجها للحبس المنزلي، فمن الذي سيتكفّل بعلاجها”.
كلمات إسراء هي التي تُشفي قلب ذويها ولو قليلًا، كلمات تلك الشابة التي كانت تطمح بالكثير: “أنا لست خائفة من شيء، فأنا لم أفعل شيئًا، والله سبحانه وتعالى معي”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

10 شهداء على الأقل في قصف جديد لمدرسة وسط القطاع
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام ارتقى 10 شهداء على الأقل، وأصيب أكثر من 50 مواطنًا بجراح، إثر قصف إسرائيلي جديد، استهدف، مساء الثلاثاء، مدرسة أبو...

الإعلامي الحكومي: مجزرة البريج امتداد مباشر لجرائم الإبادة في غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي إن مجزرة مخيم البريج تُعد جريمة امتداد مباشر لجريمة الإبادة الجماعية التي يواصل جيش...

الهيئات الإسلامية: الاعتداء على ساحة الشهابي سياسة تهويدية لتطويق الأقصى
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام قالت الهيئات الإسلامية في القدس أن اعتداء سلطات الاحتلال الإسرائيلي على ساحة "الشهابي" التاريخية داخل البلدة...

حماس: مجزرة البريج جريمة حرب بشعة تضاف للسجل الأسود للاحتلال
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مجزرة مدرسة أبو هميسة في مخيم البريج، والتي كانت تؤوي نازحين، جريمةٍ جديدةٍ...

بلدية جباليا تحذر من كارثة وشيكة لتراكم النفايات
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت بلدية جباليا النزلة، يوم الثلاثاء، من انتشار وتراكم كميات النفايات في مناطق نفوذها، مع عدم مقدرة طواقم العمل على...

الاحتلال يشرع بهدم منازل في مخيم نور شمس شمال الضفة
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام شرعت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء، بهدم عدد من المباني السكنية في مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم شمال الضفة...

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، مجزرة مروعة بحق النازحين، عقب قصف الطيران الحربي لمدرسة تُؤوي...