ملاك وعلي

ليست قصة من قصص العشق التقليدية، هي قصة عشق فلسطيني من نوع خاص، ملاك ابنة العاشرة وعلي ابن الخامسة، والذي ولد قبيل اعتقال والده بأيام معدودات.
الرابعة فجرا من صبيحة الاثنين، الثامن عشر من يناير، الأرصاد الجوية تحذر من عواصف رملية ودرجات حرارة منخفضة، شوارع المدينة خاوية، أضواء خافتة تطل من نوافذ بعض البيوت بينما تغرق أحياء بكاملها في العتمة.

وصلت ملاك وعلي برفقة والدتهما الشابة متدثرين بملابس تعينهم على رحلة في يوم شديد البرودة، لا يمكن أن ترى ملاك وعلي إلا ويجدا طريقا ممهدا إلى قلبك.
كان علي يملأ الحافلة فرحا، اختار – كما كل الأطفال حين الصعود إلى حافلة – الكرسي الأخير الكبير وتبعته ملاك ووالدتهما، واختارت ملاك النافذة لتكون بجوارها، بينما جلس هو على الطرف الآخر.
لم يتوقف عن الحديث والأسئلة، والدته لا تتوانى عن إجابة كل سؤال، متى سنتحرك؟ ماذا ننتظر؟ متى سنصل؟ “مطولين ماما؟” ملاك تساعد أمها “علي تعال جنبي واسكت شوي”.
صعد ناصر من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ليقوم بالتأكد أن الجميع على متن الحافلة وليخبرهم ببعض الإرشادات حول الزيارة، مهمة يفعلها كل يوم اثنين منذ أكثر من خمسة عشر عاما، “أبو السعيد” كنيته التي تناديه بها الأمهات والآباء وهم يسألونه تارة ويمازحونه تارة أخرى.
انشغلت ملاك في ورقة طوتها ووضعتها في كيس بلاستيكي شفاف، تخرجها تقرأها وتعيدها، ثم تخرجها وتعيدها وهكذا. بدأت الحديث مع ملاك عن دراستها فقالت لي إنها حصلت على 89% في الفصل الأول وأنها الآن في إجازة نصف العام ثم أخرجت الورقة مرة أخرى وقالت هذه شهادتي “جبتها أورجيها لبابا”.
الأم انشغلت بكيس من الملابس الشتوية أعدته لزوجها، الصحراء لم تكن يوما رحيمة، وسرير -بارد خاو إلا من عطر خلّفه وراءه – لم يكن رفيقا بها، طبقات حزن معتقة كانت وسائدها كلما بللها نزيف عينيها علت طبقة، وحيدة تأوي إليه فلا تجد سوى الحنين يتربص بها يقضم قلبها قطعة قطعة.
انطلقت الحافلة، في الطريق إلى معبر بيت حانون (إيريز) كانت هناك عدة وقفات لينضم إلينا المزيد من الزائرين الذين حملوا أيضا ما استطاعوا من ملابس لأبنائهم.
السادسة صباحا في معبر بيت حانون انطلق علي وملاك بسرعة الريح، انتهى المرور وصعدوا إلى الحافلات التي ستقلهم إلى سجن نفحة، الزوجة لم تنم في الليلة السابقة، وفي الصباح لم تستخدم أيا من المساحيق التي يكرهها لتخفي إرهاق الليل، بعض خطوط الزمن تحت العين لا تهم كثيرا، ارتدت فستانها الأزرق الذي يحبه تحت معطف رمادي.
تحركت بهم الحافلة وساد الصمت، تابعت أم ملاك وعلي قدم السائق، كانت تستعجله ليعطي دفعات من السولار أكثر، عين على عداد السرعة وعين على قدم السائق، مع كل دفعة سولار نبضة قلب كانت تدفع ما في عروقها من دماء للرأس فتوردت وجنتيها لتصبح بكامل بهائها.
ما أن توقفت الحافلة أمام سجن نفحة الصحراوي حتى تهللت الوجوه، وبدأ الجميع في تبادل السلامات والأحاديث. وكأنها ليست فقط زيارة لقرة الأعين، هي صناعة الفرح وكأن ريشة مرت على الشفاه فرسمت ابتسامة بعرض الوجه.
سيدة أخرى كانت تجلس بانتظار دورها للزيارة، الأمل باللقاء كان قاتلا، آلام روحها لفراقه وحين أزف الموعد أخذت من مسكنات آلام جسدها الذي أنهكه المرض ما يمكّنها أن تبدو أمامه عفيّة، فلا يهن ولا يضعف. بثته من قوتها عبر لوح زجاجي بارد فصلها عنه، بريق عينيها لم يثنه الزجاج ولم يكسره ليصبح موصلا جيدا للحب وحرارة القلب واليدين.
ماذا لو أمسكت بيده هكذا ببساطة واصطحبته معي للمنزل تماما كما كنت أفعل حين عودته من المدرسة؟ قالت. خفقة غرقت في دمعة، أشاحت بوجهها صوب نافذة الحافلة وشرد الذهن. من يمكنه أن يقنع امرأة بكامل أمومتها أن تترك ابنها وتعود أدراجها خالية الوفاض. ومن أين آتي بالقوة لتلتقي عيناي بعينيها.
أسيل ابنة الخامسة عشرة عاما ونصف تزوز والدها للمرة الأولى بعد أن سمح للأولاد ممن تزيد أعمارهم عن 14 عاما بزيارة آبائهم، أسيل انشغلت بمراقبة معالم الطريق حيث إنها المرة الأولى التي تغادر فيها غزة عبر سنوات عمرها الغض.
ملاك وعلي سمح لهما بالدخول لعناق والدهما وخرجا بصندوقي سكاكر كان اشتراهما الوالد من كنتية السجن عادا للحافلة فرحين برؤيته وفرحين بالسكاكر والشوكلاتة، التي سترافقهما لموعد زيارة قادمة بعد شهرين.
* الناطقة الإعلامية للجنة الدولية للصليب الأحمر
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

أجبره الاحتلال على هدم منزله في العيسوية فجعل منه محرابا
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام أجبرت بلدية الاحتلال الإسرائيلي، المقدسي محمود عبد عليان على هدم منزله في حي المدارس بقرية العيسوية بالقدس المحتلة...

المظاهرات تعمّ المدن المغربية للمطالبة برفع الحصار عن غزة
الرباط – المركز الفلسطيني للإعلام طالب آلاف المغاربة، الجمعة، وللأسبوع الـ74 على التوالي برفع الحصار عن غزة وفتح كافة المعابر لدخول المساعدات...

حماس: الاحتلال يسعى لكسر إرادة شعبنا بكل السبل وسط غياب الضمير العالمي
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عبد الرحمن شديد، الجمعة، إن قطاع غزة يواجه اليوم واحدة من أسوأ...

المقاومة تعلن تفجير جرافة وقنبلة برتل لآليات الاحتلال شرق غزة
الخليل- المركز الفلسطيني للإعلام أعلن الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي " سرايا القدس" عن تفجير جرافة عسكرية إسرائيلية وقنبلة من مخلفات الاحتلال...

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام تظاهر مئات الآلاف من اليمنيين، الجمعة، في 14 محافظة بينها العاصمة صنعاء، دعما لقطاع غزة في ظل استمرار الإبادة...

ايرلندا تدعو “إسرائيل” لرفع الحصار عن غزة والسماح بدخول المساعدات
دبلن – المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت ايرلندا من استمرار الكارثة الإنسانية في غزة، وأنه لم تدخل أي مساعدات إنسانية أو تجارية منذ أكثر من ثمانية...

رغم تضييقات الاحتلال.. عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
القدس- المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة، في المسجد الأقصى المبارك وباحاته، وسط تشديدات وإجراءات مكثفة فرضتها سلطة...