الأربعاء 26/يونيو/2024

أقمار الأنفاق السبعة

د. يوسف رزقة

لكل مجتهد نصيب. ولكل عمل ضريبة. ولكن ليس كضريبة الجهاد في سبيل الله ضريبة. لأنها ضريبة محببة لمن يدفعها، لأنه يدفعها طوعا وحبا، ويتمنى على الله أن يقبلها، وأن يدخر له أجرها. ومع ذلك فهي مسكونة أيضا بالألم في الدنيا، ففقدان الأهل لفلذة الكبد مؤلم حتى مع عظم أجر الشهادة، تلك هي طبيعة البشر، فقد بكى رسول الله صلى الله وسلم وهو يوسد ابنه إبراهيم التراب.

سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ليست ماض وانتهى، بل هي حاضر دائم، ودرس عامر بالعبر والعظات، وحسبنا منها الآن بمناسبة استشهاد رجال الأنفاق درسا تألم منه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كثيرا، وربما نحن الآن نتألم كألمهم وقد فقدنا سبعة أقمار درية بعد أن ارتد عليهم سلاحهم فاستشهدوا وهم في جهادهم .

الدرس الذي نعنيه يقول: ” كانت مأساة (بئر معونة) قاسية على المسلمين؛ فهم ( سبعون )من القُرَّاء ومن الدعاة ومن العلماء، قتلهم عامر بن الطفيل غدرا، وظل الرسول صلى الله عليه وسلم يقنت شهرًا كاملاً يدعو على قبائل ( عامر ورعل وذكوان) التي شاركت ابن الطفيل في قتلهم، في كل صلواته حتى الصلوات السرية.

وفي العام نفسه والشهر نفسه (صفر عام 4 من الهجرة) كانت مأساة ( بعث الرجيع ) فقد قتلت هذيل عشرة من صحابته صلى الله عليه وسلم غدرا، وكانت قريش قبلهم قد قتلت سبعين من صحابته صلى الله عليه وسلم في أُحد. ففي عام واحد فقد المسلمون مائة وخمسين شهيدًا، فهذا عدد كبير.

إن فقد مائة وخمسون من خيرة الصحابة في شهر واحد كان أمرا جللا، وفقدا مؤلما، ولكنه في الوجه الآخر كان واجبا شرعيا دفاعا عن دين الله ودعوته، وكان عملا ممهدا لنصر عظيم قادم، وفتح أكبر يدخل به الناس في دين الله أفواجا. وإن فقد القسام لسبعة من ( رجال الأنفاق) في يوم واحد مؤلم لهم ولذويهم ولشعبنا كافة، ولكنه فقد يمهد الطريق إلى العزة والحرية، ونصرة دين الله في فلسطين المحتلة.

أن تفقد ( التفاح) سبعة من أقمارها الدرية في سن التوهج والشباب مؤلم لها، ولكنه ألم يهون مع شرف الهدف، ونبل المقصد، الذي من أجله رحل الراحلون عنا. فدين الله أغلى عندهم وعندنا من حياتنا، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من الدنيا وما فيها، وأحب إلينا من أنفسنا وأهلنا، ولن يتحرر الأقصى بالخطب، وإنما يتحرر بالدماء الزكية الطاهرة، دماء الشهداء.

بعد هذه الدماء وغيرها أيضا منّ الله على من بقي من أهل( أحد، والرجيع، ومعونة) ، بالفتح والنصر،”إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا”. فالنصر والفتح من الله لا من قوتنا ولا من ضعفنا. ونحن علينا أن نعمل ونتوكل ليس إلا.

ومن ثمة نقول على رجال الأنفاق والقسام أن يسبحوا، ويكبروا، ويستغفروا الله كثيرا، بعد اعتلت أقمارهم السبعة سماء الحرية، وطافت بقباب الأقصى، وعرجت من هناك إلى خالقها، تسأله القبول، وتستنجزه الفتح والنصر على يهود.

لا نصر في التاريخ إلا بضريبة ودم، ونحمد الله نحن المسلمين أن ضريبتنا شهادة في سبيل الله، نحيا بها أبدا ولا نموت، ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل هم أحياء عند ربهم يرزقون”. رحم الله شهداء الصحابة وشهداءنا، وجميع من جاهد واستشهد لنصرة دين الله والدفاع عن مقدساته، وخفف الله ألم الفقد عمن يخلفهم بخير، وعن أهلهم وذويهم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يهدم منزلين في رام الله وأريحا

الاحتلال يهدم منزلين في رام الله وأريحا

الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامهدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، منزلين في رام الله وأريحا، ضمن انتهاكاتها المتصاعدة ضد...

الاحتلال يعتقل 19 مواطنًا في الضفة

الاحتلال يعتقل 19 مواطنًا في الضفة

الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني، 19 مواطنًا على الأقل، منهم والدة مطارد، خلال حملة دهم - فجر الأربعاء- في...