الجمعة 09/مايو/2025

إسرائيل والسودان… أصحيح ما رواه بعضهم عنا وعنها؟

اللواء يونس محمود

الأخبار المتداولة و(بإشفاق) بأن وزير الخارجية، قال في معرض حديثه، ف ي منتدى العلاقات الدولية، رداً على (عبد الله دينق نيال) من دولة جنوب السودان، أن هناك إمكانية لدراسة موضوع التطبيع مع إسرائيل.
والمهم في أي سياق جاء الحديث (فصلاً أم هزلاً) فإنه أثار عاصفة من التساؤلات، إلى أي مدى يثبت السودان أمام اقتراف هذا الجرم؟ وهو العلاقات مع دولة الكيان الصهيوني، الغاصبة، المحتلة، التي بنيت على جماجم وأشلاء أهل فلسطين، وما تزال ترتكب كل يوم جرماً واعتداءً، دون رادع من مجلس الأمن، ولا سواه. 

وقد بني السودان موقفه بالتعاضد مع مجموعه العربي والأفريقي (الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية) حين نال استقلاله عام 1956م، وشهد حروب النكسة عام 1967م والعبور عام 1973م وشارك فيه بقوة قوامها لواء مشاة. وفتح آفاقه للفلسطينيين، وأقام لهم سفارة، وأعانهم بما استطاع، في غزة وحركة المقاومة الفلسطينية.

وكل ذلك يقيناً منه أن فلسطين هي أرض العرب، والقدس الشريف هي رمزية الإسلام (مسرى، ومصلى، وإمامة، النبي صلى الله عليه وسلم) مع الحرمين الشريفين، مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وبالتالي تقع مسئولية الدفاع عنها وحمايتها على جميع الدول والشعوب الإسلامية، ظل هذا الموقف صامداً في وجه المتغيرات لم يهده منذ إرهاصات استقلال السودان في العام 1953م، إلا لقاء (حزب الأمة) حيث التقى الصديق المهدي مع السكرتير الأول في السفارة الإسرائيلية (مردخاي جازت) في لندن عام 1954م، ثم توج بلقاء (عبد الله خليل مع قولدمائير) بفندق بلازا في باريس عام 1957م.

وكل ذلك تم في الخفاء بعيداً عن أعين الناس خشية تأثيراته، الداخلية بانصراف الناس عن حزب ذي علاقة مع عدو الأمة، وخشية التأثيرات الخارجية بالعزلة عن المجموعة العربية، التي أصدرت قرار المقاطعة الكاملة مع إسرائيل.

ولكن ذلك لم ينتج علاقة أو يتطور لأن البيئة الداخلية والخارجية غير مواتية البتة. 

ثم تلا ذلك لقاء الرئيس جعفر نميري مع شارون (مذكرات المغوار كتبها شارون) في 13 مايو 1982 م في نيروبي بواسطة (يعقوب نمرودى) رجل الأعمال وصاحب العلاقات مع المخابرات الإسرائيلية، حيث رغبت إسرائيل في توظيف السودان لإسقاط نظام القذافي (لعداوته لهم)، والخميني في إيران، وكذلك لم ينتج هذا القاء غير الموافقة على ترحيل يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل عبر مطار (كرساقو) شرقي مدينة سنكات، في شرق السودان، وقد تم ذلك برغم اجتياح إسرائيل لبنان وارتكاب مجازر، احتلال العاصمة بيروت، وإجلاء قوات فتح منها.

وبعدها لم يجرأ أحدٌ على الاقتراب من إسرائيل سوى الحركات المتمردة التي دفعها اليأس للاستنصار بإسرائيل، وإغرائها بالتدخل في السودان لإسقاط نظام الحكم (الإسلامي)، وذلك بتبني الحركات، ومدها بالمال، والخبراء والسلاح، والدعم السياسي، والإعلامي، ولكن ضآلة شأنهم، من خلال الدراسة والفحص لم يخرجوا منها بشيء ذي قيمة

الآن يتجدد العرض و(اختبار المسند) من جديد، من خلال كلمة هنا، وأخرى من هناك (في رواق المداولات في مؤتمر الحوار) عن أهمية إعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل، والتي ربما تكون فتحاً للسودان للخروج من قفص الحصار الأمريكي الأوروبي، وربما تدفق أموال، واستثمارات، وسياح، وبراءة من الإرهاب، وتأهيلاً للقبول في أندية دول العالم الأول، وغير هذا من (الوهم، والوهن) الذي ضرب عميقاً في أنفس المشككين الذين يخشون أن تصيبهم الدوائر.

ثلةٌ من العلماء التقوا وزير الخارجية (كفاحاً) حتى يسمعوا منه يعووا هذا الأمر، أمر إقامة علاقات مع دولة الكيان الصهيوني، واحتمالية رفرفة علم نجمة داؤود في فضاءات الخرطوم التي طالما صدعت بلاءاتها الثلاث. حيث قطع وزير الخارجية، أمام وفد العلماء، بأن كل هذا الأمر أكذوبة كبيرة، أنبتتها أجهزة الإعلام، ووسائل التداول التقليدية والحديثة، بعيداً عن موقف السودان المبدئ، الرافض تماماً لإقامة علاقات مع دولة الكيان الإسرائيلي.

والحقيقة أن إقامة علاقات لن تغير في الوضع شيئاً، بل (ستزيده بللاً على طينه) فتلك هي مصر مثلاً على علاقة مع إسرائيل منذ العام 1980م استطاعت فيها إسرائيل إضعاف مصر وتحييدها تماماً، وتخريب الأرض الزراعية، وتصدير المنتجات الملوثة، واختراق المجتمع والمؤسسات بآلاف الجواسيس والعملاء الذين يكشف عنهم كل مرة، بغرض الإضرار بالمصالح الاستراتيجية المصرية، كما يُحمد للشعب المصري رفضه مبدأ التطبيع مع إسرائيل، الذي ما يزال محصوراً فقط في جانبه الرسمي، وعلى ذات الدرب دخلت دول على استحياء ووقعت اتفاقات ما جنت منها شيئاً، لأن الله تعالى يقول عنهم “أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا”، ولذلك خرجت هذه الدول أيضاً على استحياء، لأن اليهود يوظفونك لتقتل نفسك بسلاحك ولا تكلفهم شيئاً. 

ولذلك لا حاجة للسودان في إقامة علاقة مع إسرائيل، لأن المبادئ والقيم تأبى ذلك. مع عدم وجود مصالح حقيقة يمكن تحصيلها مع دولة الكيان، فضلاً عن خطورة ذلك على الموقف الداخلى، فلو تجرأ حزب أو حكومة على اتخاذ مثل هذه الخطوة، فإنما يقود نفسه إلى حبل المشنقة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات