العصافير .. أساليب ناعمة لنزع اعترافات الأسرى

أمام الصمود الأسطوري الذي يبديه المقاومون الفلسطينيون الذين يقعون في أسر قوات الاحتلال الصهيوني، ورفضهم القاطع الإدلاء بأي معلومات تفيد الاحتلال في كشف مجموعات المقاومة وأساليبها وأماكن تواجدها رغم التعذيب الذي يمارس عليهم، لجأ الاحتلال وأجهزة مخابراته لاستخدام وسائل مختلفة أهمها ما يعرف بـ”العصافير”.
وبالرغم من مرور عدة عقود على استخدام هذا الأسلوب ورغم كثير من التحذير والتوعية التي تمت في هذا الموضوع إلا أن الاحتلال لا يزال يسجل بعض النجاح عبر استخدامه له مع المعتقلين الجدد.
من هم؟
“العصافير” هو مصطلح أطلقه المعتقلون الفلسطينيون على العملاء في سجون الاحتلال، ويرجع سبب التسمية إلى طريقة تسليم هؤلاء العملاء أنفسهم لإدارة السجون؛ حيث إنهم ينتظرون قدوم إدارة السجن من أجل العدد، أو تفتيش المعتقلين، فيستغلون الموقف ويهربون إلى إدارة المعتقل، وهي تشبه فرار الطائر من عشه.
ويقال عندما يسلم شخص نفسه لإدارة المعتقل: فلان طيّر، أو عصفر، وتثير الدراسات والأبحاث التي أجراها العديد من الأسرى ومنهم أسرى محررون، أثناء وجودهم بالأسر أن الغالبية الكبيرة من الاعترافات، تم الحصول عليها من الأسرى الذين عايشوهم كانت من خلال العصافير، سواء في زنازين التحقيق أو الأقسام الخاصة بهم الموجودة بالسجون.
ويشير بحث أجراه الأسير هلال يوسف القابع حالياً بسجن النقب، أن قرابة 85 % من اعترافات الأسرى تم الإدلاء بها بعد التحايل عليهم في غرف العصافير، ومنها اعترافات أدت إلى اعتقال العشرات، وهدم منازل وإصدار أحكام بالسجن المؤبد للعديد من الأسرى.
ويقول إن هناك صدمة في صفوف الأسرى القدامى، كون القسم الأكبر من الأسرى الجدد، وقعوا في فخ غرف العصافير، رغم ما يقال عنها ويتردد من وصف ومعلومات من الأسرى المحررين ومن خالطهم.
مسلسل كذب
ورصد الأسير المحرر الدكتور الإعلامي أمين أبو وردة حكايته مع العصافير عند اعتقاله في فترة سابقة، حيث كشف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، وجودهم بشكل فردي في زنازين التحقيق، ينتحلون أسماء وهمية ويمارسون أدواراً محددة، وهو ضرب الروح المعنوية للأسير، وحثه على الاعتراف تحت ستار “أحسن لك خلص ومش مستاهل الإنكار”.. و”كلها كم شهر وبتروح”.. و”أولادك ينتظروك”.
كما يحاول معرفة كيف يفكر الأسير في الزنزانة ومشاعره، لينقلها للمحقق لاستخدامها في جولات التحقيق القادمة، وفق تعبيره.
وقال إن قسم العصافير في سجن مجدو عبارة عن قسم جديد كان يطلق عليه سابقا قسم 10، وهو مكون من عدة غرف منها غرفتان لإقامة الأسرى والأخرى كمكتبة ومصلى ومغسلة، ويتم إحضار الطعام جاهزا للأسرى بعكس الأقسام الاعتيادية، وهذا يكاد ينطبق على أقسام العصافير في سجني عسقلان وبئر السبع.
وأشار أبو وردة أن العصافير يستخدمون نفس الأسلوب منذ أكثر من 3 عقود، ومع ذلك يقع العشرات من الأسرى شهريا في حبائلهم، حيث يدّعي العصافير أنهم مكلفون أمنياً بمتابعتهم، من أجل حماية التنظيم خارج السجن، وعليهم كتابة ماذا تبقى لديهم من معلومات وأسرار، حتى يتم إيصالها لأقرانهم خارج أسوار السجن من أجل طمأنتهم.
تجربة مرة
ويشعر الأسير (ع. ح) من بلدة بيتا جنوب نابلس بالندم عن ما أدلاه من اعترافات في قسم العصافير في سجن “مجدو”، منوهاً إلى أن اعترافه جاء بعدما قام عشرة أفراد من العصافير بتمثيل أدوار منها الناصح الأمين، ومنها التهديد بالتصفية أو الاتهام بالعمالة، في حالة عدم الاعتراف.
وأوضح في أقوال وصلت “المركز الفلسطيني للإعلام“، أن اعترافه أدى إلى فتح ملف بحقه والمطالبة له بـ 5 سنوات، وهناك خوف من زيادتها؛ لأن اعترافه فيه إصابة سيارة مستوطنين، واعتقال خمسة من أصدقائه بعضهم طلاب جامعات، أدى اعتقالهم إلى حرمانهم من إكمال دراستهم الجامعية.
ووصف الأسير ظروف وجوده بقسم العصافير؛ حيث قال: “تواجد شخص يطلق على نفسه أبو تحرير (تبين أنه عميل من سكان مدينة نابلس، فرّ في بداية الانتفاضة الأولى إلى داخل “الخط الأخضر”)، وكان يمثل دور الفكاهي، لإعطاء الأمان للأسير ومن ثم الدخول معه، لتشجيعه على الاعتراف والتحدث دون توجّس”.
وتابع: “أغروني بالحلوى والطعام الوفير بعد أسابيع من الحرمان في زنازين التحقيق، ما سهل عليهم استغلالي، كما تشجعت للحديث معهم لأني مكثت 12 يوما منعزلا، واشتقت لمحادثة البشر”.
أسباب السقوط
من جهته يرى الباحث في قضايا الأسرى إسلام أبو عون، وهو أسير محرر، أن كثيرا من الأسرى يقعون في فخ العصافير، لعدة أسباب أهمها قلة التوعية الأمنية والتثقيف الأمني في المجتمع، بالإضافة إلى الاحترافية العالية للعصافير في أداء الدور المنوط بهم.
وبين أن هناك أسبابًا تعود لفقدان الإرادة في المواجهة، بمعنى أن الأسير يعرف أو يغلبه الشك في أنهم كذلك، ولا يقوم برفض التعامل معهم، إما خوفاً من الأذى أو رغبة في إنهاء مسار التحقيق معهم.
ويرى الأسير المحرر أحمد الخليلي من نابلس، أن هناك ضعفًا في التوعية في مواجهة العصافير واعتمادًا على الرواية الشفوية فقط، منوها إلى أهمية اختراق الدراما والقصة في التوعية وبثها على نطاق واسع في وسائل الإعلام، إضافة إلى إنتاج مواد من خلال الرسوم المتحركة (الانميشن)؛ كونها الأكثر تداولا وتأثيرا وسهولة في إقناع الجيل الناشئ.
ويرى الأسير المحرر (ن، س) الذي أمضي 8 سنوات في السجن أن أهم نصيحة للأسير في فترة التحقيق والتوقيف، أن لا حق لأحد بسؤاله عن قضيته، وعن اعترافه وما يخفيه، وعدم الموافقة على أي عرض مساعدة، لإيصال معلومة لبقية أفراد مجموعته، أو معارفه من أمور لم يعترف بها.
ونصح كذلك بضرورة عدم تصديق تهديداتهم بالمسّ به؛ كون ذلك مستحيلا ونادرًا جدا، إضافة إلى أهمية نكران أية معلومة أدلى بها عند العصافير، في حالة وقوعه في مصيدتهم عند نقله للتحقيق مجددا، باعتبار أنها لا تدين، والإدانة فقط تكون في اعترافه أمام المحقق.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

قطر ترفض تصريحات نتنياهو: تحريضية وغير مسؤولة
الدوحة - المركز الفلسطيني للإعلام عبرت دولة قطر عن رفضها لاتهامات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووصفت تصريحاته بأنها تحريضية وغير...

إصابات واعتقالات بمداهمات للاحتلال في الضفة
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامشنت قوات الاحتلال الصهيوني - فجر الأحد- حملة اقتحامات ومداهمات واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية....

ما تأثير طوفان الأقصى على المكانة الدولية لإسرائيل؟
المركز الفلسطيني للإعلام خلصت ورقة علميّة، أعدّها وليد عبد الحي وأصدرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تحت عنوان: "تأثير طوفان الأقصى على مؤشرات...

عائلات أسرى الاحتلال تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو
المركز الفلسطيني للإعلام طالبت عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة، اليوم السبت، بإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو، محذرة من تصعيد القتال في القطاع كونه...

حماس تدين العدوان الصهيوني على سوريا ولبنان
المركز الفلسطيني للإعلام أدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) العدوانَ الصهيوني الغاشم والمتواصل على الأراضي السورية واللبنانية، في تحدٍّ سافرٍ لكلّ...

حماس: شعبنا وعائلاته الأصيلة يشكّلون السدّ المنيع في وجه الفوضى ومخططات الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام حيّت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” جماهير شعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة، وفي طليعتهم العائلات والعشائر الكريمة، التي...

وجهاء غزة للعالم: كفى صمتا وتحركوا عاجلا لنجدة غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أدان وجهاء قطاع غزة وعشائرها -اليوم السبت- استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي الغذاء والتجويع "سلاحا" ضد أبناء القطاع،...