الأحد 30/يونيو/2024

الحــــالــــــة الفلسطينية الجديدة من «2015» إلى «2016»

د. شفيق الغبرا

تثور فلسطين بسبب الحصار الذي فرض على الفلسطينيين.. فبالإضافة لحصار غزة التي يعيش فيها مليونا فلسطيني فقد أنشأت “إسرائيل” في الضفة الغربية المحتلة، واقعين واحد لليهود المستوطنين وعددهم تجاوز 700 ألف بين القدس والضفة الغربية، وآخر للفلسطينيين العرب التي يقطن فيها أكثر من 2.5 مليون فلسطيني.

أنشأت “إسرائيل” شوارع للمستوطنين وأخرى طويلة والتفافية للعرب، عزلت كل مدينة عن الأخرى، واستقطعت 60% من أراضي الضفة الغربية للاستيطان، بينما قامت بعزل الفلسطينيين وراء جدار يمتد لمئات الكيلومترات.. لقد حولت “إسرائيل” رام الله في الضفة الغربية لمكان منتعش نسبياً، حيث أعمال التجارة ومركز السلطة الفلسطينية، لكنها بنفس الوقت حولت الضفة الغربية لمكان يزداد قهراً وفقراً وبطالة وعزلاً بل وموتاً، في المقابل انعكس كل هذا على عدائية المستوطنين تجاه سكان البلاد الأصليين من الفلسطينيين، إذ تكررت استفزازاتهم، كما حصل عند حرق عائلة الدوابشة في يوليو 2015 ثم عند قيامهم مع أحد وزراء “إسرائيل” بدخول المسجد الأقصى في سبتمبر 2015.. كل هذا ساهم في استفزاز أعمق مشاعر الفلسطينيين.

لقد اعتقدت “إسرائيل” بأن السلطة الفلسطينية في رام الله ستكون قادرة على الإمساك بوضع بائس كهذا، إذ افترضت “إسرائيل” بأن الصراع بين حماس وفتح ثم الخلاف بين السلطة الفلسطينية ومعارضيها في ظل حصار غزة والضفة هو الضامن لعدم ثورة المجتمع الفلسطيني.. وافترضت “إسرائيل” بأن المدخل الاقتصادي مع رام الله سوف يضمن الغرق الفلسطيني في حالة اقتصادية شكلية لفئة من الناس.

لهذا تمثل الانتفاضة الفلسطينية في بداياتها والمنطلقة في سبتمبر 2015 بداية تحول يعيد الساحة الفلسطينية إلى واجهة المقاومة.. فمن خلال عمليات الطعن والدهس وحركات جماهيرية كبرى واشتباكات الحجارة على الحواجز الأساسية التي يقيمها الجيش الإسرائيلي تنتقل الحالة الفلسطينية من سكون نسبي إلى غليان ومواجهة وتنظيم وبروز قيادات ميدانية جديدة.. لقد دخل المجتمع الفلسطيني في حالة جديدة بعد فترة انتظار نتجت عن ذلك الثمن الكبير الذي دفعه الناس بعد انتفاضة الأقصى التي انتهت عام 2004 بموت ياسر عرفات واستشهاده.. فترة الجمود (باستثناء حروب غزة) واليأس والانقسام بين غزة والضفة الغربية والمفاوضات الطويلة التي عمت الوضع الفلسطيني منذ 2004 بدأت تسقط الآن، وهي ستستمر في السقوط في العام 2016.

إن عمليات الدهس الراهنة، كما وهجمات السكاكين التي يقوم بها شبان وشابات من الفلسطينيين تتحول لفعل مفجر للحالة الفلسطينية الأكبر التي تعيش الظلم والاحتلال بصفته واقعاً ثابتاً.. الهجمات الفلسطينية الجديدة هدفها نقل الخوف لجيش الاحتلال والمستوطنين وبنفس الوقت دفع المجتمع الفلسطيني نحو مزيد من التحرر والتصدي.. فالهدف الأساسي هو رفع الثمن الذي يدفعه الاحتلال من جراء تمدده واستيطانه واستعماره ونهبه للأرض والحياة.. والواضح من مقدمات الانتفاضة الجديدة بما في ذلك امتداداتها في فلسطين 1948 (خلف الخط الأخضر) إنها تأخذ أشكالاً جماهيرية كبيرة، وإن الطعن والدهس ليس الأساس بل المحرك.. هذا سيجعل الاحتلال يعيش تحت ضغوط كبرى.

ومنذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية بشكلها الجديد استشهد أكثر من 142 فلسطينياً وجرح أكثر من 20 ألف فلسطيني، وقتل 40 إسرائيلياً بينما أعتقل أكثر من 2500 فلسطيني.. هذه الأرقام توضح أن ما يقع في فلسطين أكثر بكثير من مجرد حوادث دهس معزولة.. إن قدرة الحالة الفلسطينية على تحريك الوضع الفلسطيني ومن ثم التحول لقوة استنهاض لمواجهة الاحتلال هو أهم ما يقع الآن في فلسطين اليوم وهو جسر ممتد للعام القادم.

لقد اعتمدت “إسرائيل” على التفوق العسكري والتكنولوجي والتحالف مع الولايات المتحدة وتوحش الاستيطان في ظل سعيها لمصادرة الأرض وعزل السكان وإبقاء استعمارها.. قوة المجتمع الفلسطيني في الثورة والتثبت هي الروح التي تحول أجساد الفلسطينيين وحراكهم الشعبي المقاوم لسلسلة من التعبيرات الهادفة لدحر الاحتلال وإعادة بناء لحمة المجتمع واستعادة الحقوق.

المصدر: صحيفة الوطن القطري

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات