السبت 03/مايو/2025

مهنة الأنبياء يلاحقها رصاص الاحتلال شرق غزة

مهنة الأنبياء يلاحقها رصاص الاحتلال شرق غزة

يستدعي رعاة الأغنام في المنطقة الحدودية صموداً مختزناً قبل النزول بأغنامهم إلى بطن الوادي؛ فرحلة الرعي التي تبدأ من كانون يبدو أنها ستنتهي مبكراً هذا الموسم دون أي إنجاز.
 
رصاص جنود الاحتلال شمال موقع “كسوفيم” كدّر أحلامهم، حينما استبشروا بخصوبة الأمطار المبكرة لهذا الشتاء التي منحت الأعشاب فرصة للنمو المبكر، دون أن  يعلموا أن جنود الاحتلال سيقتلون أغنامهم دون رحمة.
 
ويتعرض رعاة الأغنام في المنطقة الحدودية شرق دير البلح لإطلاق نار يومي من جنود الاحتلال الذين قتلوا قبل أيام عدداً من نعاجهم وأصابوا أخريات، معلنين انتهاء موسم الرعي قبل بدئه.

ضحايا الرصاص

ليس من المألوف أن يتواجد الراعي سلمان أبو صواويل (22 عاماً)، في فترة الضحى بمنزله؛ فمن المفترض أن له 3 ساعات على الأقل في بطن الوادي يرعى الأغنام.
 
بعد تزايد إطلاق النار ومقتل نعجتين وإصابة اثنتين ترك الرعي وتفرّغ لتنظيف سقيفة الأغنام وتحصينها من مياه الشتاء حتى يهتدي إلى حل آمن ويعود من جديد للنزول بأغنامه إلى مناطق العشب.
 
تلوثت ملابس “سلمان” وذراعاه بروث الحيوانات، وهو يقول: “لدينا 30 رأسًا، كل يوم الساعة الثامنة نذهب للرعي على بعد 200 أو 300 متر من الحدود. يوم السبت الماضي وصل الجنود بجيباتهم العسكرية وأطلقوا 7 رصاصات قتلت خروفًا ونعجة وأصابت نعجتين بكسور”.
 
ودلف “سلمان” لسقيفة الأغنام عائداً بنعجتين مصابتين بكسور في أرجلها وشظايا في رقبتها وقد تلونت مناطق إصاباتها بطلاء أخضر بعد زيارتها للطبيب البيطري.
 
ويتابع: “هذه أصيبت برصاصة في رجلها بمدخل ومخرج -يبتسم- وهذه أصيبت برصاصتين وعالجناها، لكن يبدو أن العصب عندها قد انقطع، وأخشى موتها في أي لحظة”.
 
ويشير إلى أن جنود الاحتلال منذ أسبوعين يطردون رعاة الأغنام من المنطقة الحدودية بإطلاق الرصاص الحي، وأن الرصاص يطال الأغنام على بعد 400 متر.
 
 وتعتاش أسرة “سلمان” المكونة من 10 أفراد على رعي الأغنام لكن الأحوال في هذا الموسم اختلفت عن بقية المواسم؛ فقد تعرض في السنوات السابقة لإطلاق نار في مناطق مجاورة، لكنهم هذه السنة حرموا من وصول الأعشاب المحاذية لطول خط الحدود.
 
ويتدخل “محمد” ابن عم “سلمان” لتأييد وصف سابقه لأحوال الرعاة، مؤكداً أن عودة بعض المزارعين للعمل في المنطقة التي يسميها الاحتلال المنطقة العازلة على عمق 300 متر غرب الحدود أجبر الرعاة على المخاطرة بالاقتراب أكثر من الحدود.
 
ويضيف: “الراعي مضطر للبحث عن العشب، لذا قد يخاطر بالاقتراب من الحدود.. نحن عشر عائلات في المنطقة نمتهن الرعي، لكن الموسم الحالي انتهي قبل أن يبدأ؛ فما بين إطلاق النار والتوغلات وتجريف الأراضي الحدودية ضاعت أحلامنا هذا العام” .

خسارة كبيرة

بمجرد أن نادى بعض الشبان على الراعي حاتم أبو محارب (45 عامًا) ظهر سريعاً من وراء بيته الذي أصابه قصف الاحتلال في الحرب الأخيرة بأضرار جسيمة فجعله هيكلاً أسمنتياً غير مكتمل.
 
يقول “أبو محارب” إن لديه 35 رأسًا، وأنه يتعرض لإطلاق نار بشكل متكرر، لكن جنود الاحتلال هذا الموسم يلاحقون الرعاة بشكل غير معهود، ويطاردونهم على مسافة تزيد عن 300 متر من الحدود.
 
ويضيف: “يبدأ موسم العشب من شهر ديسمبر وحتى نهاية إبريل، لكن الجنود افتتحوا الموسم معي بخسارة كبيرة حين قتلوا 3 أغنام، وأصابوا اثنتين ثمن كل واحدة منها 350 دينارًا”.

ويراقب حديث الراعي “حاتم” شاب في الثلاثين من عمره تدخل متخذاً نبرة جادة للإدلاء برأيه وكأنه في مقابلة رسمية بالغة الأهمية يترتب عليها كثير من القرارات المصيرية.
 
عدّل من وقفته رافعاً رأسه قائلاً: “أنا الراعي علي أبو صواويل لدي 70 رأسًا، قام جنود الاحتلال قبل أيام بإطلاق النار على خرافي فقتلوا اثنين قيمتهما تقارب 1000 دينار، ولا يسمحون لنا بالرعي في المنطقة الحدودية” .
 
وحلّق “علي” بعيداً في مناشداته حين دعا مؤسسات الرفق بالحيوان أن تتدخل لإنقاذ مهنة الرعاة وحماية الحيوانات من رصاص الاحتلال على طول خط الحدود شرق غزة.
 
أما الراعي “جبر أبو محارب” والذي اعتزل المهنة كما يقول مضطراً، فيؤكد أن رعي الأغنام في أراضي العشب الحدودية أصبحت مسألة خاسرة، بل وتشكل خطراً حقيقياً على حياة الرعاة.

تعرض “جبر” لخسارة فادحة قبل سنتين حين قتل جنود الاحتلال له 9 رؤوس أغنام بالرصاص الحي قدرها يومها بـ 2700 دينار أردني، ومن يومها أقسم أن يعتزل المهنة.
 
ينفث دخان سيجارته ويضيف: “بعد أن قتلوا أغنامي توجهت لكافة المؤسسات ولوزارة الزراعة طلباً لمساعدة، ولكن دون جدوى، لذا تركت رعي الأغنام، فمن الممكن أن أخسر حياتي برصاص الاحتلال وليس أغنامي فقط”.
 
ويجمع سكان المنطقة الحدودية أن قوات الاحتلال زادت في الآونة الأخيرة من وتيرة إطلاق النار على المزارعين والرعاة قرب الحدود في محاولة متواصلة للحفاظ على منطقة عازلة يصل عمقها لأكثر من 300 متر تحت ذرائع أمنية واهية.
 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات