السبت 03/مايو/2025

المسلمون الأوروبيون عالقون بين النيران المتبادلة

حسام شاكر

ليس هذا وقتاً مريحاً للمسلمين في أوروبا، العالقين بين تبادل إطلاق النار. فدعاية الإرهاب المفزعة تدعي الانتماء إلى دينهم وتقوم بتلويث المصطلحات الإسلامية، وتطاردهم حملات التشويه بطريقة العنصرية الانتقائية. ثم لا يقل عن ذلك سوءً أن يتحدث بعض المعلِّقين بلغة استعلائية تطالب المسلمين بإجراء “إصلاحات جوهرية” في دينهم. 

يتحدث أولئك المعلقون بأسلوب “مدراء المدارس” عندما يطالبون المسلمين بمراجعة دينهم. وهم لا يقررون الواجب المدرسي المفروض على المسلمين الآن وحسب؛ بل يحددون أيضاً النتائج التي يجب أن تخرج بها هذه “الإصلاحات” تحت ضغط الخوف.

تحظى هذه الأصوات في أوروبا بالأغلفة والمساحات والبرامج وتفضيلات الناشرين في موسم الهلع، لكنها لا تطالب في الغالب بإنجاز قراءة تجديدية للنصوص أو بتطوير العلوم الدينية، بل تنادي عملياً بتفكيك الدين الإسلامي والتنصل منه بشكل أو بآخر. إنها ليست “إصلاحات” أو “مراجعات” كما يدّعون، بل هو الخروج من الذات تقريباً.

فالأصوات التي تطالب بمراجعة الإسلام بعد كل اعتداء إرهابي تمارس بدورها أخطاء مركّبة. إنها تصرف النظر ببساطة عن الأسباب الفعلية والملابسات الواقعية لموجة الإرهاب الحالية.

فلم يعد مستغرباً أن يطلق بعضهم حزمة إملاءات نحو الأقليات المسلمة في أوروبا، من قبيل: راجعوا دينكم وحاكموا مقدساتكم ولا تترددوا في إهانتها، عليكم بذلك لأننا فعلنا ذلك من قبل!. هذا ما يقوله بعضهم متحدثاً بلسان “الأغلبية” التي لم تمنحه تفويضاً بذلك.والأهم هو المنطق الساذج الذي يطالب فئة من المجتمع بأن تنتهج سلوكاً بعينه لأنّ فئة أخرى قد سلكته.

يضغط بعضهم على المسلمين للخروج من دينهم أو إعادة إنتاجه، ولكن هل سيؤدي الامتثال لهذه التعليمات المتغطرسة إلى خلاص العالم من الإرهاب كما يأمل الجميع؟ 

ما يستنتجه الخبراء الذين حلّلوا الحالات الشخصية لمنفذي الاعتداءات الإرهابية أنهم لم يتعلموا الإسلام أساساً، بل علمتهم الحكومات الأوروبية في مدارسها العامة، وتربوا في أحضان مجتمع الاستهلاك، وواجهوا مآزق نفسية أو أزمات بخلفية اجتماعية واقتصادية، ولم يعثروا في الغالب على فرصهم في الواقع فتمرّدوا عليه حتى دخل بعضهم السجون. أما في العالم الإسلامي فتكفي كل هذه الحروب والأزمات لظهور نسخ جديدة من العنف الإرهابي من بين دخان الحرائق الملتهبة وهو ما يدفع بغيوم سوداء نحو أوروبا أيضاً.

ينبغي الاحتراس من قدرة الهلع السائد منذ اعتداءات باريس الإرهابية على تمرير المنطق الساذج الذي ينادي به بعض المعلِّقين المتغطرسين. فالأصوات التي تطالب بمراجعة الإسلام بعد كل اعتداء إرهابي تمارس بدورها أخطاء مركّبة. إنها تصرف النظر ببساطة عن الأسباب الفعلية والملابسات الواقعية لموجة الإرهاب الحالية. فتحميل الإسلام المسؤولية عن الفظائع يُغري بتجاهل الأسباب المباشرة وغير المباشرة وراءها، ويقطع الطريق على المعالجات الضرورية والملحّة.

وكم يبدو طريفاً أن نقوم بتحميل ماركس وإنجلز المسؤولية عن اعتداءات المنظمات الإرهابية الحمراء في القرن الماضي، أو أن نحمِّل الحكيم بوذا المسؤولية عن فظائع القتل والحرق والترويع في ميانمار مثلاً أو أن نصدِّق “جيش الرب” في أنّ الرب  قد أمره باقتراف الفظائع في أوغندا.

إلصاق المسؤولية عن الاعتداءات الإرهابية بالإسلام هو بمثابة مكافأة سخية لـ”داعش” وانجرار وراء شعاراتها المنسوجة بعناية، بما يعني أنّ عموم المسلمين الذين يواصلون إدانة التطرف والإرهاب لا قيمة لهم.

ثمّ إنّ إلصاق المسؤولية عن الاعتداءات الإرهابية بالإسلام هو بمثابة مكافأة سخية لـ”داعش” وانجرار وراء شعاراتها المنسوجة بعناية، بما يعني أنّ عموم المسلمين الذين يواصلون إدانة التطرف والإرهاب لا قيمة لهم. وإذا كان الإسلام ذاته متهماً فإنّها رسالة اتهامية ضمنية بحق المسلمين، وتقتضي من عشرات الملايين منهم في أوروبا التنصل من أفعال شائنة لم يقترفوها أو أن يفارقوا دينهم طبقاً للتعليمات.

دعونا نتفق على أهمية الإصلاحات في المجالات جميعاً، ولنبدأ بالسياسات مثلاً. فهل يملك القوم الشجاعة ذاتها في مراجعة السياسات الخارجية “المقدسة”؟ ليبدأ الأمر مثلاً بإثارة نقاش عام عن التحالف الوثيق مع نظام الاحتلال الإسرائيلي الذي يحظى بالدعم حتى وهو يدشن نموذجه الجديد في الأرباتهيد (نظام الفصل العنصري)، أو ليكن ذلك بمراجعة التواطؤ المخزي مع أنظمة الاستبداد العسكري التي انقلبت على الديمقراطية.

من لا يرغب بإزعاج صانعي السياسات فبوسعه مراجعة التاريخ الذي تتواصل ارتداداته. يَجدُر مثلاً فحص مسيرة العهد الاستعماري الذي لا تجرؤ بعض الأمم على محاكمته أو الاعتذار عن أهواله أو التبرؤ من ثقافته التي ما زالت ذيولها وارتداداتها حاضرة حتى اليوم، ومنها لغة الاستعلاء الحضاري والغطرسة الثقافية التي تطالب الآخرين بدوْس مقدساتهم.

المصدر: ترجمة عن  Middle East Eye 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مقتل جنديين وإصابة 4 آخرين بكمين في رفح

مقتل جنديين وإصابة 4 آخرين بكمين في رفح

رفح - المركز الفلسطيني للإعلام قتل جنديان صهيونيان وأصيب 4 آخرون - اليوم السبت- بكمين في رفح جنوب قطاع غزة. وأفاد موقع حدشوت لفني كولام، بمقتل...