الأربعاء 26/يونيو/2024

حاجز قلنديا.. موت مع وقف التنفيذ

حاجز قلنديا.. موت مع وقف التنفيذ

تسير سيارة الإسعاف على عجل، مطلقة صافراتها لنقل مريض في أسرع وقت إلى المستشفى، المريض هنا مصاب بسرطان في العظام، وفي طريقه إلى مستشفى المطلع بالقدس للخضوع لـ”جلسة” كيماوي، لكن الرحلة تتوقف بسبب مزاج جندي صهيوني في حاجز قلنديا، يتعامل بحقد وعنصرية مع المرضى الفلسطينيين على الحاجز.

يوقف الجنود الطاقم المكوّن من ثلاثة عناصر بالإسعاف، أحدهم ضابط الإسعاف حمزة العسلي، الذي يؤكد أنهم كانوا ينقلون مريضا بحالة صعبة، قبل أن يبلغهم الجنود بمنع الطاقم من نقله للقدس؛ لأن سائق سيارة الإسعاف يحمل الهوية الخضراء، متجاهلا أنه يحمل أيضا تصريحا رسميا بقيادة سيارة الإسعاف داخل المدينة.

ويقول العسلي لـ”كيو برس”، إن جنود الاحتلال احتجزوا السيارة لثلاث ساعات حتى حضرت سيارة إسعاف من الضفة، فانتقل المريض مع زوجته المرافقة له ومعهم أغراضهم كاملة إلى السيارة الجديدة، وعادوا أدراجهم إلى الضفة، قبل أن يسمح جيش الاحتلال لسيارة الإسعاف الأولى بدخول القدس مع السائق ذاته الذي كان ممنوعا قبل قليل.

حاجز الذل

ليست هذه الحكاية الوحيدة التي تروي عناء ما يواجهه الفلسطينيون الذين يعانون من أمراض صعبة خلال انتقالهم من الضفة إلى القدس لتلقي العلاج، حيث تشير إحصائيات الهلال الأحمر إلى أكثر من 400 حالة مرضية تم نقلها عبر حاجز قلنديا منذ مطلع العام الجاري، وبين هذه الحالات عشرات القصص المشابهة لما سبق ذكره.

ويتنقل عبر الحاجز صنفان من المرضى؛ الصنف الأول حالاتهم مستقرة إلى حد ما لكنها تحتاج للوصول إلى المستشفى في وقت محدد، وتكون سيارة الإسعاف مجهزة لبقائهم فيها لهذا الوقت المحدد، وحالات أخرى صعبة وتحتاج للنقل بأسرع وقت إلى المستشفى، ويكون المريض في هذه الحالة عرضة للموت فورا إذا حدث أي تأخير في نقله.

ويوضح الضابط الحركي لؤي التميمي أن المرضى الفلسطينيين المقيمن في الضفة سواء كانوا من أبناء القدس أو غير ذلك يُنقلون بنفس الطريقة، إلا أن غير المقدسيين يحتاجون إلى التنسيق مع الارتباط قبل نقلهم إلى مستشفيات القدس.

ويجري التنسيق للمرضى من أبناء الضفة من خلال تواصل المريض نفسه مع الطبيب المعالج، ثم تتولى المستشفى التنسيق مع الجانب الإسرائيلي لاستصدار التصريح، لكن الطلب قد يرفض في حال وجد الاحتلال أن الحالة لا تستدعي نقلها للقدس، أو في حال كان المريض ممنوعًا من دخول القدس لذرائع أمنية. هذا عدا عن احتمالية رفض الاحتلال دخول المرافق للمريض.

لكن إصدار التصريح لا يعني مرور المريض عبر الحاجز دون معيقات، بل إن رحلة المعاناة تبدأ بعد ذلك.

يقول التميمي إن الجنود على الحاجز يعطلون في حالات كثيرة نقل المرضى لأسباب غير واضحة، أو ربما يعيدونه من حيث جاء.

القادمون من قطاع غزة ليسوا أفضل حالا من مرضى الضفة، وعناؤهم يبدأ عند حاجز الذل “إيريز”، وحتى إن كان المريض متوجها للعلاج في إحدى مدن القدس، فإنه لا يسلم من الإجراءات الانتقامية في طريق عودته إلى غزة، حيث يمر خلال هذه الرحلة عبر حاجز قلنديا.

ويشير إلى أن أحد فلسطينيي قطاع غزة أنهى علاجه في نابلس، وعند عودته رفض الجنود السماح له بالمرور عبر قلنديا بذريعة عدم وجود تنسيق لذلك، رغم التأكيدات من الجهات المختصة بوجود تنسيق، مبينا أن المسعفين اضطروا بعد أكثر من ساعتين من الانتظار لترك المريض ومرافقه على الحاجز لينقلوا مريضا آخر.

ويضيف، بأن المسعفين عادوا للمريض لاحقا ليبلغهم جنود الاحتلال بأن المرافق ممنوع من المرور لأسباب أمنية، متسائلا “كيف سمح له بمغادرة غزة ودخول الضفة إذا كان ممنوعا أمنيا؟”، منوها إلى أن المريض في تلك الحالة كان في وضع صحي سيئ تضاعف بسبب إجراءات الاحتلال.

ويوضح التميمي، أن الحالات الصعبة التي تحتاج لنقلها إلى مستشفيات في شمال فلسطين، تحتاج لإسعاف “إسرائيلي” لتولي هذه المهمة، كما حدث في حالة الشهيد محمود عليان من عناتا، الذي ارتقى أواخر شهر تشرين ثاني الماضي، مبينا أن نقل الشهيد يتم بإشراف ضابط إسرائيلي، وبعد تفتيش أغراض المريض ومرافقه.

وفي حال كان المريض بحاجة لطبيب يرافقه إلى المستشفى، فإن التنسيق يجب أن يشمل الطبيب أيضا، وقد تكرر في حالات عديدة إلزام الجهات الفلسطينية بتغيير الطبيب المرافق للمريض بذريعة وجود منع أمني.

المسعفون لا يَسلمون أيضا

ولا تَسلم طواقم الهلال الأحمر من مضايقات جنود الاحتلال وتشديداتهم، فيقول التميمي إن جنود الاحتلال عطلوا سيارة إسعاف تجاوزت السيارات المتوقفة على حاجز عسكري كما اعتادت أن تفعل عند وجود حالة مستعجلة، وأجبروا الطاقم على خلع ثيابهم، ثم فتشوا المركبة بشكل دقيق.

ويوضح التميمي أن جيش الاحتلال حاول تلفيق تهمة حيازة سكين لأحد طواقم الهلال الأحمر، قبل أن تتم تسوية الأمور بعد اتصالات مع “الصليب الأحمر” ومنظمة “أطباء بلا حدود” ومنظمة “حقوق الإنسان”.

كما منعت سلطات الاحتلال سيارة تابعة للهلال الأحمر من العمل، ومنعت سيرها على الشوارع؛ لأن لوحة التسجيل الخاصة بها لم تكن تحمل علم “إسرائيل”، وما تزال المحاولات جارية لإنهاء المشكلة.

جانب آخر من هذه المعاناة، يرويه الضابط حمزة العسلي موضحا أن المسعفين يحملون بطاقات تعريفية على ملابسهم تتضمن كافة المعلومات التي يطلبها الجنود على الحواجز العسكرية، حتى لا يحتاجوا للمس أي شيء بأيديهم أو إبراز بطاقاتهم وهوياتهم، بهدف توفير أكبر قدر من الأمان للمريض وللمسعف.

ويضيف، إن جنود الاحتلال رغم ذلك لا يكتفون بالمعلومات في البطاقة التعريفية، فيطلبون منهم إظهار الهوية الشخصية ويجبرونهم على إخراج هوياتهم، ما يفقد المريض والمسعف مستوى الحماية بشكل كبير، بسبب ملامسة الكفوف التي قد تحتوي على دماء أو أي جراثيم للهوية والجسد، ما يلحق الضرر بالمريض والمسعف.

تجدر الإشارة إلى أن الحواجز التي أقامتها قوات الاحتلال خلال الشهرين الأخيرين وبعد اندلاع انتفاضة القدس، زادت من عناء المرضى وطواقم الهلال، فالتفتيش لم يعد يقتصر على حاجز قلنديا وحده، ما تسبب بوفاة سيدة على أحد حواجز العيساوية قبل أقل من شهرين، بسبب تأخير نقلها للعلاج.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات