الثلاثاء 01/أكتوبر/2024

انتفاضة القدس .. تفاعلات الثّوار والسّاسة

انتفاضة القدس .. تفاعلات الثّوار والسّاسة

انتفاضة القدس التي فرضت حضورها على المشهد السياسي الفلسطيني والصهيوني مؤخراً ورغم غياب التمثيل السياسي لها، إلا أنها شكلت واقعاً جديداً أثبت أن بإمكانه أن يقلب موازين اللعبة.

فغياب الأفق السياسي والأمل في حياة أفضل لدى الفلسطينيين، وامتداد حجم الإرهاب الصهيوني ضد المسجد الأقصى، وكذلك اعتداءات المستوطنين على المواطنين، كان الشرارة لإذكاء انتفاضة أثبتت زيف مساعي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في التنسيق الأمني مع الصهاينة، وسلمت مقاليد الأمور لفتية لا ينتمون لأي تنظيم أو بنية هرمية قد توفر طرف خيط ليحصل الأمن الصهيوني على أي معلومات عنهم.

وفي غضون ذلك، ينتاب الشارع السياسي الصهيوني والفلسطيني على حدٍ سواء تساؤلات حول  تأثير تلك الهبة على الهيكلية الحكومية لدى الطرفين.

الباحث في الشئون الصهيونية د. عدنان أبو عامر أكد أن الأحداث تشير لمجموعة من الدلالات أهمها أنها كسرت قاعدة أن نتنياهو هو رجل الأمن الحقيقي والمناسب، بدليل أن سلسلة أوضاع تعد أولية أدت لاهتزاز حكومته.

أبو عامر: الانتفاضة أظهرت للإسرائيليين فشل نتنياهو بما لديه من قدرات أمنية وصلاحيات واسعة وقبضة حديدة كبيرة في وضع حد لتلك العمليات

وتابع خلال حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “كما وأظهرت للإسرائيليين فشل نتنياهو بما لديه من قدرات أمنية وصلاحيات واسعة وقبضة حديدة كبيرة في وضع حد لتلك العمليات”.

مستقبل “بيبي”


“هناك جملة من الدلالات التي يقرؤها الشارع السياسي في إسرائيل من بينها أن هذه الأحداث ربما تحمل بداية النهاية للائتلاف الحكومي اليميني وإمكانية ظهور مطالبات بحكومة إسرائيلية جديدة” حسب أبو عامر.

وفي ظل ما نشرته استطلاعات الرأي الصهيونية، تبين عدم وجود ثقة من قبل الصهاينة لسياسة نتنياهو الأخيرة وبالمقابل منْحها ثقة لشخصيات سياسية أخرى مثل أفيغدور ليبرمان.

يرى أبو عامر أن “هذه المطالبات تبدو منطقية ونتنياهو يعتقد أن هذه المطالبات قد تؤثر سلباً على مستقبله السياسي في المرحلة المقبلة، غير أن الإسرائيليين ليس لديهم تقدير متفق عليه بين مختلف الأوساط ( الحكومة/ الجيش/ المخابرات)”.

لكنه نوه إلى أنّ “الجهاز العسكري والأمني يطالب الحكومة بضرورة المضي قدماً مع عباس في مفاوضات سياسية حقيقية، ومنح الفلسطينيين بصيص نور في نهاية النفق”.

تخشى المخابرات والجيش الصهيوني البديل الممكن حال غياب المفاوضات، وهو “الدخول في حالة انتفاضة مسلحة كبيرة قد تشمل لاحقاً دخول حركة فتح وعناصر الأجهزة الأمنية وهذا السيناريو صعب على الإسرائيليين”، كما يشير أبو عامر.

لكنه لا يرى شيئا يمكن أن تقدمه حكومة “بيبي” لعباس في هذه المرحلة، وقال: “أي تقديم لبعض بوادر حسن النية تجاه الفلسطينيين هذا يعني كتابة شهادة وفاة الحكومة الإسرائيلية الحالية”.

عباس في نظرة الصهاينة


أما نظرة الصهاينة لعباس في هذه المرحلة، فعنها يقول أبو عامر: “الإسرائيليون منقسمون في آرائهم حول هذا الأمر”.

من الصهاينة من يرى أن عباس سبب في إذكاء شرارة الانتفاضة من خلال خطابه الأخير في الأمم المتحدة، وغض الطرف عن بعض المظاهرات الفلسطينية في الضفة.

وثمة فريق آخر من الصهاينة، يرى أن عباس هو الحل لهذه الأحداث من خلال الدخول معه في مفاوضات جادة ومنحه بارقة أمل تجعله يضغط في سبيل إنهاء الانتفاضة.

الخطورة التي تواجه الصهاينة هي إمكانية طي صفحة عباس فيما البديل مجهول، فالحكومة الصهيونية ترى أنه الأكثر مناسبة لهذه المرحلة إلى حين نضوج خيارات أخرى أقل خطراً من هذه الأوضاع القائمة.

المدهون: الصهاينة يفكرون بطريقة استراتيجية وقد توصلوا لنتيجة أن دور عباس قد انتهى ويجب البحث عن شخصية أخرى تكمل ما بدأه

من جهته، قال المحلل السياسي إبراهيم المدهون إن الصهاينة يفكرون بطريقة استراتيجية وقد توصلوا لنتيجة أن دور عباس قد انتهى ويجب البحث عن شخصية أخرى تكمل ما بدأه.

لكنه يرى أن “ذكاء عباس استبق استبدال مرحلته بتفريغ الساحة من الشخصيات المؤهلة واستبعد القوى التي يمكن الاعتماد عليها، وقد تعلم حينما استثمر وجوده في التخلص من عرفات، فهو لا يريد تكرار السيناريو”.

وأشار خلال حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” إلى أن “الإسرائيليين” يريدون إبقاء نهج عباس وفي الوقت نفسه يريدون استبداله بشخصية شابة تكمل المرحلة، وربما هذا الإرباك من أوجد مساحة التحرك الشعبي للانتفاضة.

موقف عباس


أما عن موقف عباس من الانتفاضة، بين المدهون بأنه غير واضح إلا أن تصريحاته الأخيرة تظهر بأنه محبط من التسوية، وأنه وصل لقناعة أن لا أمل في استمرارها.

من جانب آخر، فإن “ثورة السكاكين والعمليات الفردية عززت دور السلطة الأمنية وأهميتها للاحتلال، وأثبتت مدى ضروريتها للمنظومة الأمنية الإسرائيلية” الحديث للمدهون.

ونوه إلى أن العمليات تتركز حيث تضعف السلطة وتنعدم حيث تتواجد، فما زالت العمليات في مناطق سيطرة الاحتلال كالقدس، لهذا سيتم تعزيز السلطة الأمنية ومنحها مساحات أوسع في ظل تقليص الدور السياسي للسلطة.

ولا يملك أحد التنبؤ بمستقبل الأمور، لأن هذه الانتفاضة لا تقوم على عقل استراتيجي جامع أو نشاط فصائلي يمكن قراءته، لذلك يتوقع المدهون استمرار هذا التوتر وإن كان بوتيرات مختلفة لعدة أسباب.

أهم تلك الأسباب: استمرار انسداد الأفق السياسي، وزيادة أطماع الاحتلال في الأقصى، إضافة لاستمرار انفلات المستوطنين في مناطق الاحتكاك.

رادع للمستوطنين الصهاينة


من جهة أخرى، سلط المحلل السياسي مصطفى الصواف الضوء على أهم نتائج اندلاع ثورة السكاكين على المستوطنين الصهاينة.

وقال في حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “من الواضح أن هناك تأثير كبير على المستوطنين الصهاينة وتحركاتهم خلال هذه الهبة الجماهيرية والتي أثرت بشكل كبير على حراكهم بالشوارع القريبة من الجانب الفلسطيني”.

هذا الأمر يؤكد على أن حالة الهدوء التي كانت تسود الضفة هي التي سمحت لهؤلاء بالتمدد في مستوطناتهم وارتكاب جرائم ليل نهار، لذلك معالجة هذا الإرهاب الصهيوني من قبل المستوطنين هو بالتصدي لهم إما بانتفاضة أو من خلال المقاومة المسلحة.

الصواف: حالة الهدوء تلك التي سادت الضفة تعود لأسباب كثيرة أهمها محاصرة السلطة للمقاومة، لكن بعدما ازدادت حالات الإرهاب الصهيوني انفجر الفلسطيني، ما سيؤثر بالضرورة على الامتداد الاستيطاني

وأكد الصواف بأن حالة الهدوء تلك التي سادت الضفة تعود لأسباب كثيرة أهمها محاصرة السلطة للمقاومة، لكن بعدما ازدادت حالات الإرهاب الصهيوني انفجر الفلسطيني، ما سيؤثر بالضرورة على الامتداد الاستيطاني.

وباعتقاد الصواف، فإنّ استمرار الانتفاضة على هذا النهج وبهذه الطريقة مع إمكانية تطور أدواتها وآلياتها يمكن أن يجعل المستوطنين يفكرون بشكل جدي بالخروج من المستوطنات القريبة من الضفة حفاظاً على حياتهم.

وبالأساس، فإن الإغلاقات والحواجز التي يقيمها الجيش بالضفة هي انعكاس لحالتي الخوف والقلق الشديدين، والذي يعاني منهما كل من الجيش والمستوطنون الصهاينة، وبالتأكيد سيكون لها انعكاس سلبي على حركة المستوطنين داخل الضفة.

الصواف يرى ضرورة تشكيل قيادة لهذا الحراك، والدفع بالقيادات الميدانية إلى الشارع لتحشيد الناس ثم البحث عن أدوات جديدة لمواجهة قانون الإعدام الميداني الذي يمارسه العدو الصهيوني.  

عسكرة الانتفاضة


الكاتب والمحلل السياسي حمزة أبو شنب أجاب عن مدى إمكانية عسكرة الحراك الثوري بالضفة بقوله: “في المرحلة الحالية لا يمكن الحديث عن عسكرة الانتفاضة لأنها وحدها تتدحرج بصورة متسارعة نحو العمل العسكري”.

ويرى أنّه لكي يتحقق هذا الأمر فهي بحاجة إلى مزيد من الزخم الشعبي، والذي لم يصل حتى اللحظة إلى الحد المطلوب، بحيث ما زال الحراك في بدايته، فما زالت هناك مدن فلسطينية عديدة لم تشارك بشكل حقيقي في أحداث الانتفاضة.

أبو شنب: عسكرة الانتفاضة تتطلب مزيدا من الزخم الشعبي، والذي لم يصل حتى اللحظة إلى الحد المطلوب

وتابع خلال حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “بعد الزخم الجماهيري يتم تشكيل خلايا عسكرية مسلحة وتوجهات لعسكرة الانتفاضة، أما في هذه المرحلة فإن انطلق العمل العسكري فإنه باعتقادي سيقيد التفاعل الجماهيري بشكل واسع، لأنه يعتبر بأن الانتقال للعمل العسكري أصبح هو الأهم وهو الأكثر إيلاما للعدو الصهيوني، لذلك ستخبو روح التفاعل من قبل الجمهور الفلسطيني”.

وأما عن الواقع الإقليمي في هذه المرحلة، يرى أبو شنب أن الحديث عنه حالياً ليس في صالح الانتفاضة، حيث إنه لا يريد لها أن تستمر ولا للمقاومة الفلسطينية أن تكون حاضرة.

وأردف: “لكنه متأثر بالعملية، لاسيما دول الجوار كمصر، فهي متأثرة بالعملية السلمية، حيث تعتبر أنّ ما يجري يهدد ويشكل إزعاج لها بشكل واضح”.

وأضاف أنه اذا تواصل الحراك الثوري بالضفة فإنه سيحرك مزيداً من قطاعات العالم ويزيد من تركيزها على فلسطين بعد الذي جرى بالمنطقة العربية من أحداث ودماء وانقلابات جعلت القضية الفلسطينية تتراجع قليلاً عن المشهد العربي والإقليمي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات