الثلاثاء 13/مايو/2025

من سار على الدرب وصل

د. يوسف رزقة
لا حديث في هذه الأيام في الأراضي الفلسطينية غير الحديث في الانتفاضة. ولا دماء تسيل كدماء الشهداء تقبلهم الله بقبول حسن، آمين. الدماء التي تسيل من الجسد الفلسطيني هي لله دفاعا عن المقدسات ، وعن الأعراض، وهي تطلب الحرية ، وطرد الاحتلال. التاريخ يقول لنا نعم في هذه المواطن تسيل عادة الدماء، وتزكو التضحيات مهرا للحياة الكريمة، ومن سار على الدرب وصل.

إن ما يجري الآن يبني على خبرة جيدة اكتسبتها الأجيال من انتفاضتين سابقتين، لذا يمكننا تسجيل بعض الملاحظات، ومنها:
١- أن ما يجري الآن هو هبة شعبية يقودها جيل جديد من الشباب، جلهم دون العشرين ربيعا. وهذا يعني أن الشعب الفلسطيني شعب ( ولود)، وشعب متمسك بحقوقه الوطنية أبا عن جد، وأن الأحفاد لم ينسوا وطنهم وحقوقهم، وأنهم ورثوا الآباء والأجداد في حب الوطن والتضحية، وربما تفوقوا في الوعي عمن سبقهم بحكم التجربة المتراكمة والعلم الحديث. وهؤلاء في نظر المبشرين بزوال دولة العدو هم جيل النصر والتمكين بإذن الله.

٢- إن أصحاب الخبرة والتجربة من كبار السن يفرحون حين تكون الشهادة مع نكاية مؤلمة للعدو، لذا تجد الأمهات أكثر صبرا حين يستشهد الابن البطل بعد أخذ روح عدوه إلى جهنم، بينما الألم يكون كبيرا حين تكون الشهادة بلا نكاية. أهل التجربة هؤلاء على حكمة ومعرفة، ودماء الأبناء عندهم هي أغلى ما يملكون، لذا تجدهم يقولون في مجالسهم : إذا كنت طالبا للشهادة فاجعلها بثمن كبير تأخذه من عدوك، رغم أنفه. وإذا رميت فأحسن الرمي، وتوكل على الله.

٣- إن العدو يخشى عادة من المقاومة الفردية، ضعف خشيته من مقاومة التنظيمات المسلحة، لسبب بسيط هو أنه يتوقع عادة ما يمكن أن يصدر عادة عن التنظيمات، ولكنه لا يستطيع أن يتوقع ما يمكن أن يصدر عن الأفراد، لأن التجسس على الأفراد فردا فردا أمر مستحيل. لذا تجدهم في لغتهم العبرية يسمون المقاوم المنفرد بالذئب الضال، أي الذي لا يتوقع أين وكيف يعقر فريسته .

٤- لقد أربكت المقاومة الفردية حسابات حكومة نتنياهو وأجهزتها الأمنية، مما دفعهم لاستدعاء كتائب من الاحتياط، ومما زاد في ارتباكهم حالة الهوس والذعر التي أصابت السكان، فكانت مكالمات التبليغ عن مشبوهين، أو أجسام مشبوهة، أو محاولات طعن بالآلاف يوميا، وكل متحدث يصرخ بأنه يشعر بفقدان الأمن الشخصي، وبعض الشخصيات اليهودية عبرت عن فقدان الأمن الوجودي، ولم تعد على ثقة في المستقبل.

٥- إن صدور تصريحات عن حكومة نيتنياهو بمنع الوزراء والشخصيات الرسمية من دخول المسجد الأقصى، و نفي خطط التقسيم، ووقف بعض المشاريع الاستيطانية، ( حتى وإن كانت مخادعة) ، واستعانة حكومة العدو بالسلطة، من ناحية، وبأنظمة عربية من ناحية ثانية، وبدول أوروبية من ناحية ثالثة لمنع تدهور الأوضاع واكتمال الانتفاضة، يفيد أن ما تحقق في أسبوع من بداية الهبة الشعبية مهم ويمكن البناء عليه.

إن ما يمكن أن يتحقق بالانتفاضة إذا ما أصابت الانتفاضة دعما حقيقيا من الداخل ومن المحيط، هو أكبر مما هو أكبر وأسرع مما يمكن أن يتحقق في المفاوضات ، هذا لو أحسنا الظن في المفاوضات كما يظن عريقات مثلا.

لا طريق أمام الشعب الفلسطيني إذا أراد الحرية والدولة، والحياة الكريمة وإنهاء الاحتلال غير الانتفاضة المتواصلة والمستمرة، والبناء على تضحيات الشباب واستثمارها استثمارا وطنيا حقيقيا بغير متاجرة وبيع وشراء. لقد تحررت شعوب العالم من الاستعمار بالمقاومة وبمثل هذه الانتفاضة التي تفتح أبواب الأمل، وهذا قدر شعبنا الفلسطيني، ولا مفر من قدر الله إلا لقدر الله.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات