الثلاثاء 13/مايو/2025

فونوغراف سماجة إسرائيل

أحمد محسن - كاتب وروائي من لبنان

لايك لأفيخاي أدرعي. مشاركة بوست لأفيخاي أدرعي. ثمة حديث دائم على صفحات فيسبوك عربّية، لا يخلو من الوقاحة، عن السميك أفيخاي أدرعي. والأخير لا يستحي بثياب القتل التي يرتديها، بل يظهر دائمًا، ويردد سيلًا من الكليشيهات الدعائية لمصلحة دولته العدائية بلغةٍ عربية مكسّرة.

يمكن القول إنه سخيف ولكن هذا مبالغُ فيه أيضًا، وكاد أن يكون وصفه بالدعائي أن يكون وصفاً فضفاضًا هو الآخر، لولا أن أدرعي يؤدي مهمته على نحوٍ جيد. فللرجل وظيفة واحدة، هي التواصل، كما يُعرّف العالم وسائل التواصل الاجتماعي. فإن كان من ثمة سوء فهم عربي لموقع التواصل الاجتماعي، لا يكترث السميك أدرعي لذلك، بل يستغله. 

 وظيفته إذًا، أن لا يفتح المظلة، إن أمطرت بصاقًا، بل يتوجب عليه الظن بأنها تمطر، وأن يستبشر بالمطر خيرًا. وظيفته، أن يتواصل مع العرب، سلبًا أم إيجابًا، المهم أن يتواصل معهم، لفائدته هو، لا لفائدتهم بشيء.

خلاصة هذه المقدمة أنه يتوجب مقاطعة أفيخاي أدرعي، كمدخلٍ لأي حديث عنه، كظاهرة هلامية في الإعلام الإسرائيلي. 

ولا تأتي هذه الدعوة من باب المقاطعة كشعارٍ رنان له وقع قرع الطبول في الأذنين، ولا من منطلق أيديولوجي يضع السميك أدرعي مع إيلان بابيه وشلومو ساند وجلعاد أتزمون في علبة واحدة.

وطبعًا، ليس لأنه سمجًا، فالسماجة وحدها لا تكفي لكي تقاطع أحدًا، وإن بلغت مبلغًا كبيرًا. تنبغي مقاطعته لأنه قاتل، في جيشِ قاتل، ولأن الفارق الوحيد بينه وبين المنشورات التي تلقيها الطائرات الإسرائيلية على غزة، أو على جنوب لبنان، قبل إلقاء الصواريخ، هو النحو الصريح في منشورات وزارة الدفاع الإسرائيلية، بينما يتأتئ أدرعي كلما أراد قذف سيل جديد من التفاهة.

الفارق الوحيد أن المنشورات لا تتأتئ، وأن القذائف تتبعها فورًا، بينما يظهر الجندي لتسويغ القذائف بعد سقوطها.

أفيخاي أدرعي ليس جنديًا مقطوعًا من شجرة، بل إنه مقطوع من إحدى وحدات جيش الاحتلال، ويقبض راتبًا من جيش الاحتلال، لكي يحصد هذا التفاعل، تحديدًا مع الفئة التي تحتقر نفسها من العرب، ويظن الواحد فيها أنه بمحاورته لجندي إسرائيلي، تحول إلى جورج أوريل، أو إلى هنري كسنجر، أو ربما إلى بطل، في حال ترصد لأدرعي وشتمه ببسالة.

الحل هو مقاطعة أدرعي، اعتباره غير شرعي، تماماً كوجود جيشه في عكا أو في الكيبوتسات والمستوطنات. أفيخاي أدرعي ليس رجلًا صافحه أحد منّا بالخطأ في عاصمة غريبة، وعرف لاحقاً أنه صافح إسرائيليًا. أفيخاي أدرعي يخرج دائمًا بثوب القاتل.

قبل بضعة أعوام، اكتشف باويل وأولا أنهما يهوديان. الزوج والزوجة اللذان كانا مولعين بالنازية الجديدة في وارسو. لاحقًا، أعلنا توبتهما، وانضما إلى الكنيس.

صحيح أن مسألة الهويات هي مسألة عبثية إلى هذه الدرجة، لكن باويل وأولا أقلعا عن أفكارٍ مريضة بعد اكتشاف أصولهما، فيما يعرف العرب أصولهم جيدًا، ولا يقلعون عن التواصل مع أدرعي الذي يستنسخ من الدعاية النازية أبسط ما فيها وينسخ. لا يجب أن تذهب الأصول مذهبًا شوفينيًا، لكن الذين ينكرون أصولهم العربية وينبهرون بدمية كأدرعي، فيؤيدونه تارةً ويعجبون به تارةً أخرى، يستحقون مصحات عقلية أفضل من الفيسبوك وأرحب، ربما لا يكفيهم ما فيه من لون أزرق.

التواصل مع أدرعي قد يكون ممكنًا حين يتصرف مثل تصرف ياهني، الضابط في الجيش الإسرائيلي، الذي سجن بسبب رفضه الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، ولأنه يرفض أن يكون هذا الجيش موجودًا في أي مكان أساسًا.

لقد أتى متأخرًا، لكنه وصل إلى الحقيقة، الجيش الإسرائيلي مؤسسة، وهي مؤسسة مهمتها القتل. وهذا منافٍ للأخلاق اليهودية، قبل أن يكون منافيًا للأخلاق الإسلامية التي يتحدث عنها أدرعي بسذاجةٍ منقطعة النظير.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات