الأحد 30/يونيو/2024

الأنفاق .. كابوس الصهاينة المجهول في العصف المأكول

الأنفاق .. كابوس الصهاينة المجهول في العصف المأكول

بشكل متقطع يفرج جيش الاحتلال الصهيوني عن أجزاء من شهادات جنوده في حرب “العصف المأكول”، والذين أجمعوا في حديثهم عن الخوف من أولئك المقاتلين القادمين من أسفل.
 
فلا شيء يوقف رحلة النبش تلك تحت الأرض ما دام الاحتلال يمارس عدوانه، ما يبشر بمزيد من عمليات الأنفاق التي أثبتت قدرتها على مفاجأة العدوّ، والوصول لنقاط طريّة في خاصرته وتكبيده خسائر.
 
وسجلت معركة “العصف المأكول” سلسلة مفاجآت استخدمت فيها المقاومة الفلسطينية الأنفاق الأرضية لشن هجمات قتلت فيها وأسرت جنود الاحتلال في داخل غزة وداخل العمق الصهيوني، وأيضاً للدفاع عن المدن والمخيمات.
 

تطوّر نوعيّ

وتستخدم “كتائب القسام” أسلوب الأنفاق، وهو أسلوب استخدمته حركات التحرر من قبل ونفذت به عمليات شهيرة مثل عملية “ديان بيان فو” بين قوات اتحاد تحرير فيتنام والجيش الفرنسي الذي كان مدعومًا من حلف “الناتو”، وكذلك أنفاق حرب التحرير الصينية.

وكانت أول عملية فدائية للقسام باستخدام الأنفاق في سبتمبر 2001 حينما قامت “كتائب القسام” بتدمير موقع “ترميت ” العسكري على الحدود المصرية الفلسطينية، تلاها عملية نفق في ديسمبر 2003 بنسف برج عسكري صهيوني في منطقة الحدود المصرية الفلسطينية المحاذية لمخيم “يبنا” بمدينة رفح.

بعد ذلك ظهر تطورت استراتيجية الأنفاق في 27 (يونيو) 2004 عندما استخدم القسام نفقًا، وفجّر الموقع العسكري الإسرائيلي الاستراتيجي الذي كان يقع على مفرق المطاحن قرب حاجز أبو هولي “محفوظة” شمال خان يونس.
 
ووصل الأمر لذروته في عملية “الوهم المتبدد” وأسر “شاليط” 2006، إضافة لعمليات أخرى ناجحة متفرقة فيما شكلت معركة “العصف المأكول 2014” حالة اختبار حقيقية لسنوات من الإعداد تحت الأرض.

عدو مجهول

ويؤكد واصف عريقات، المحلل العسكري، أن “إسرائيل” تعرّف أنفاق المقاومة بأنها: “عدو مجهول محصن قوي وصعب المنال”، وأن الأنفاق استخدمت كأسلوب دفاعي عن مسرح العمليات، وكذلك كأسلوب هجومي مثل عمليات خلف خطوط العدو في “نحال عوز-زكيم”.

ويضيف في حديثه لـ“المركز الفلسطيني للإعلام”: “الأنفاق كانت نقطة انطلاق لرمي بالمدفعية والصواريخ من هاون وحتى الراجمات الأكبر، هي مواقع محصنة غير مرئية تكلف العدو، وهي وسيلة اتصال ومواصلات آمنة بين المقاومين”.
 
وتحيّد الأنفاق أسلحة الإسناد من سلاح المدفعية وسلاح الجو، وقد بدا ذلك واضحاً في يوميات الحرب التي كانت تشهد كل يوم إطلاق صواريخ وتنفيذ عمليات أمام وخلف خطوط الاحتلال.

أما يوسف شرقاوي، المحلل العسكري، فيرى أن المقاومة في حرب غزة استخدمت الأنفاق للتستر والتقدم، وأن عمليات الأنفاق شكلت أسراراً تكيّفت مع واقع عدم تكافؤ الأسلحة.

ويؤكد في حديثه لـ“المركز الفلسطيني للإعلام”، أن الأنفاق منحت المقاومة في الحرب نقاط قوة، جسّرت فيها الهوّة في الإمكانات، وحافظت على تزويدها بالسلاح، بل والتقدم بصمت نحو مواقع العدو.

وتلافت المقاومة عبر استخدام الأنفاق -حسب رؤية الخبير الأمني د. محمود العجرمي- نقاط ضعفها، وركزت على نقاط ضعف الاحتلال، وفرضت على الاحتلال تكتيكاً لا يجيده.

ويتابع: “استخدام الاحتلال للطيران والبحرية كان قتالاً أعمى، عندما قال دانون أن نتنياهو يغرقنا في وحل غزة وبداية هزيمة تلوح في الأفق أقالوه، وقد طورت المقاومة بغزة تجربة جنوب لبنان وقديماً الجزائر”.

عمليات نوعية

ولعبت الأنفاق -حسب تقدير المحلل عريقات- نسبة 50% من صمود المقاومة ومهارة الميدان باعتراف الاحتلال، وأنه بالرغم من كافة التقنيات التي تعكف عليها “إسرائيل” مؤخراً إلا أنه صعب السيطرة عليها بالكامل.

أما المحلل شرقاوي فيقول إن الاحتلال ينشط مؤخراً على تلافي دروس حرب غزة، ويجري مناورات بعد أن هزّت عمليات الأنفاق بنيته القتالية، وهو يفتش الآن في كل التقنيات ليكتشفها.
 
وتعد عملية “نحال عوز” من أشهر العمليات المصوّرة التي أوجعت الاحتلال؛ عندما استخدم القسام نفقاً للوصول لموقع داخل العمق الإسرائيلي، فقتل وأصاب بسيطرة ميدانية، ثم انسحب سالماً.

وأورد التلفزيون الإسرائيلي في إبريل الماضي اعترافات جنود كانوا بموقع العملية؛ حيث قال أحد الناجين منهم “كنا بداخل البرج نرتعد خوفا، حيث نجح المهاجمون باقتحام الموقع العسكري دون أيّ مقاومة، وقتلوا 5 من الجنود”.
 
وقال الضابط “دور اريب” في شهادته: “لقد سمعت صيحات بالعربية، كان إطلاق النار يأتي من مسافة أقدام معدودة، وكان المهاجمون ملتحين بلحى طويلة ويقودهم رجل كبير ولا يلبس الخوذة على رأسه، في حين لبس بعضهم عصبات حماس”.

كما استخدمت كتائب القسام الأنفاق لتنفيذ عمليات نوعية أهمها عملية “زكيم” على الساحل ومواجهات أخرى ناجحة في “الشجاعية” وشرق رفح، إضافة لعمليات أخرى سريّة اختطفت بها جنودًا ولم تكشف تفاصيلها بعد.
 
ويرى المحلل شرقاوي أن الاحتلال أظهر فشلاً استخبارياً بخصوص الأنفاق، فكان أداؤه مهزوزًا، وأن تحسين المقاومة للأنفاق مستقبلاً يكون بالسرّية وتحديث تهويتها وتدعيمها حتى لا تكون قبورًا.

أما الخبير العجرمي فيلخص الفشل الأمني للاحتلال في الحرب بأنه لم ينجح في استهداف مواقع سيطرة أو قيادة ذات تأثير استراتيجي، بينما كانت المقاومة تستخدم الأنفاق لضرب الدبابات والمشاة ورماية الصواريخ بنفس الوتيرة.

فاعلية الأنفاق كتكتيك عسكري حديث نسبياً في مقاومة الاحتلال تمكن من مراوغة سلاح الطيران والبر -حسب رؤية المحلل السياسي د. عبد الستار قاسم- الذي يرى أن شبكة الأنفاق رغم غزارة القصف في الحرب لا تزال جيدة.

ويتابع: “إسرائيل كل عدة سنوات عندما تشعر أن وضع المقاومة تحسن في نوع ومخزون السلاح تقوم بضربات وقائية لتعيدها لبناء قوتها، والأنفاق أثبتت نجاعتها، حيث لم تصمد القوات البرية سوى 6 ساعات لأن المقاومة كانت خلف خطوط العدو”.
 
وتدرك “إسرائيل” أن المقاومة لا يمكن أن تتخلى عن أنفاق المقاومة في المستقبل، وأنها ستواصل تحسين قدراتها، لكنها تبدو حالياً مهتمة أكثر بملف الجنود الأسرى لدى المقاومة كعنوان لأي حل سياسي قادم لا يفصله عن جولة تصعيد قادمة سوى سنوات معدودة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات