القيادي خالد الحاج.. جدران السجون تحُول دون فرحة عمره (تقرير)

جلس الأسير الشيخ خالد الحاج (49 عامًا)، شاردًا على برشه “سريره” في سجن النقب، في (21-9-2014)، ما بين الشعور بالفرحة المكبوتة والقلق، فقد توجهت زوجته أم حذيفة لتضع مولوديهما البكر والتوأم: حذيفة ومحمد، وكم تمنى أن يكون الحاج إلى جانبها في تلك الحالة، لكن الاحتلال اعتقله قبل ميلاد زوجته ببضعة أشهر.

وبعد ساعات من الانتظار، وصلته البشرى، بتمام الميلاد، بسلامة زوجته وطفليه، بعد 18 عامًا من الزواج، ليجثو الحاج على أرضية غرفته في السجن يسجد لله شكرًا، وسط معانقة إخوانه وتكبيرهم وتوزيعهم بعض الحلوى، وليباركوا له على هذه النعمة.

وتشير أم حذيفة لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” إلى أنه “ورغم غُصة بُعد أبي حذيفة عنا، إلا أننا شعرنا بالفرح الكبير لهذه النعمة، أما هو فقد بدد الخبر المفرح جزءًا من معاناته في سجنه، خاصة بعد رؤيته لأطفاله في الزيارة”، وتضيف: “لكن بالتأكيد ففرحة لقاء أطفاله لأقل من ساعة في الزيارة، لا تعدل الحياة معهم على مدار الساعة، والتي يتعمد الاحتلال، حرمان زوجي منها”.

وتقول أم حذيفة: “إن الاحتلال اعتقل خالد الحاج 16 عامًا باعتقالات متفرقة، منها 11 عامًا في الاعتقال الإداري”، مضيفة: “أننا كعائلة، حظينا عبر 18 عامًا من الزواج، بست سنوات متقطعة فقط من التئام الشمل، وبتنا للأسف، مضطرين للتعايش مع غياب أبي حذيفة شبه الدائم، والفرحة المنقوصة دائمًا للأعياد، ومناسبات العائلة السعيدة.

ولد خالد محمد أمين الحاج في (5-12-1965)، في بلدة جلقموس جنوب شرق مدينة جنين، بين ستة من الإخوة الذكور وثلاثة من الأخوات، هو أكبرهم، وتنحدر عائلته من قرية (فرونة) قضاء مدينة بيسان المحتلة عام 48؛ حيث نزح أجداده، على وقع الجرائم الصهيونية وقتها، وانتهى بهم المقام في بلدة جلقموس.

تربى خالد الحاج في بيت امتلأ حبًّا للعلم والتدين، فوالده كان إمام مسجد بلدتهم جلقموس، وقد تتلمذ خالد على يديه، بعد أن رافقت خطاه الصغيرة مبكرًا، خطى والده إلى المسجد، مواظبًا على صلاة الجماعة، ويتعلم منه ومن دروسه للعامة.

إلا أن خالد لم يكتف بذلك، فقد حوى منزل عائلته مكتبة زاخرة لوالده، عُدَّت من أكبر المكتبات الخاصة في محافظة جنين وقتها، وقد امتلأت بنفائس الكتب لأبرز كتب المفكرين الإسلاميين من قادة الإخوان المسلمين، من سيد قطب ومحمد قطب والغزالي والقرضاوي، والدكتور عبد الله عزام، مرورًا بأمهات كتب التفسير والعقيدة والفقه، وقد وجد خالد فيها، المعين العذب لظمئه، فنهل منها بشغف كبير، حتى ارتوى.. وما ارتوى، لذلك فلا غرو إن كان خالد من بين أبرز أبناء جيله علماً وأدباً في البلدة.

درس خالد مرحلته الأساسية في مدرسة البلدة، حتى الصف التاسع، وقد بدت عليه ملامح القيادة مبكرًا في مدرسته وبين أقرانه، فكان مؤثرًا في أغلبهم، وتجسد لهم في شخصيته دور الداعية الحقيقي، ونظراً لحب خالد للعلم الشرعي، فقد توجه خلال دراسته الثانوية إلى المدرسة الشرعية في مدينة جنين، وأنهى تعليمه الثانوي الشرعي منها في العام 1985.

ويكمل دراسته الجامعية في كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة القدس بأبو ديس، وتخرج منها عام 1989، عاد بعدها إلى جنين حاملاً هموم الدعوة والإصلاح، فعمل بداية إماماً لمسجد في قرية رابا شرق المدينة، ومن ثم انتقل إلى بلدة قباطية ليمضي فيها بضع سنوات في مساجدها، قبل أن يلتحق بسلك التربية والتعليم مدرسا للتربية الإسلامية في مدرسة بلدته جلقموس، ومن ثم معلما في مدرسة عز الدين في مدينة جنين، بعد أن اضطر إلى السكن فيها تجنبًا لجحيم الملاحقات الصهيونية منتصف التسعينيات من القرن الماضي. 

يعتبر خالد الحاج من أبرز قيادات الجيل الثاني للحركة الإسلامية في محافظة جنين، بعد الجيل المؤسس الذي كان من أبرز قياداته مُفتيا جنين المرحومان: الشيخ توفيق جرار، والشيخ محمد فؤاد أبو زيد، ويتصف بأدبه الجم، وتواضعه المميز، فكان قريبًا جدًّا من أبناء الحركة الإسلامية الشباب والحديثي عهد بها، ما زاد من التفافهم حول فكرها ورموزها، فلا عجب أن ترى أبا حذيفة الحاج، عقب مهرجانات الحركة، يساعد شبابها في ترتيب الكراسي، وثني اليافطات، مضفياً أجواءً من المزاح والحب والأخوة بينهم.

وقد شغل خالد الحاج ممثل حركة حماس في لجنة التنسيق الفصائلي بمحافظة جنين لسنوات، وعقب اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000، تفرغ للعمل التنظيمي، بعد حصوله على إجازة من عمله في سلك التربية والتعليم، فكان الناطق الرسمي باسم حركة حماس في المحافظة، منذ العام 2000 حتى سنوات قريبة ماضية.

بدأت رحلة أبي حذيفة مع الاعتقال في وقت مبكر، ففي عام 1990 دخل الاعتقال الإداري 6 أشهر، وفي عام الإبعاد 1992 كان يقبع في السجن وسط توقعات كبيرة بإبعاده آنذاك، وفي عام 1994 خضع إلى تحقيق قاس مدة 3 أشهر أمضى إثره بالاعتقال محكومًا لـ 3 سنوات في سجني عسقلان والنقب.

تزوج الحاج في (26-12-1997)، من إحدى الأخوات من عائلة سليط في جنين، ولم يكن الحال بعد مجيء السلطة الفلسطينية أفضل من سابقها على الحاج، فقد حاول الاحتلال اعتقاله أكثر من مرة عام 1998 إلا أن الله سلمه وقتها، وفي (28-5-2002) كان موعده مع اعتقال جديد ليقضي بعده اعتقالاً إداريًّا متجددًا استمر لأربعة أعوام حتى (25-12-2005).

وبعدها بعام ونيِّف، كان على موعد مع اعتقال ثان، على يدي القوات الخاصة الصهيونية التي اقتحمت منزله في الإسكان الفلسطيني بمدينة جنين نهارًا (11-1-2007)، ليحول للاعتقال الإداري مرة أخرى، حتى (15-4-2010)، وفي (7-11-2011)، كان على موعد مع اعتقال إداري ثان تحرر منه في (5-7-2012)، وبعد أقل من عام في الحرية وفي (22-4-2013)، أعيد للاعتقال من جديد، وبعد شهر من التحقيق تم الإفراج عنه، بعد أن فشل المدعي العام في توجيه أية تهمة له، ومع هذا وبعد أقل من عام أعيد اعتقاله في (13-3-2014)، وهو الآن يمضي اعتقله الإداري الثاني لستة أشهر في سجن النقب.