أيها الشهيد يا دكتور عبد العزيز الرنتيسي هل تسمعني؟

لقد نبتَ العشب الأخضر تحتَ وقع خطاك يا عبد العزيز، وأبرقتْ السماء مبشرة بالمطر، وها نحن نستعد للاغتسال بشمس الحرية تحتَ قباب تضحياتك، نتطهر بسحب وفائك، ونتوضأ لصلاة الشكر بماء الكرامة والكبرياء.
وأنتَ ما كنتَ نبيّاً يا عبد العزيز، ولا كان يوحى إليك، عندما قلت لقادة شعبك ذاتَ صباحٍ في لقاء مع إذاعة لندن سنة 2002م: “أعطوني خمس سنوات فقط؛ لأحرر لكم الأراضي الفلسطينية المحتلة”، لم تكتمل السنوات الخمس التي طلبتها يا عبد العزيز، لقد مضتْ أربع سنوات فقط على الانتفاضة، ليقرر شارون الانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، لقد نجحت بتفوق يا رجلُ، وأوفيت بوعدك وأنت شهيدٌ، وعجز شانئك شارون الذي طلب من بني قومه بعد انتخابات مارس 2001م مائة يومٍ ليحقق لهم الأمن والاستقرار، وتصفية الانتفاضة، ولكن شارون (أبا عمري) خسئ فأله، ولم يوفِ بوعده، وأنت يا أبا محمد يا عبد العزيز أوفيت، وشفيتَ صدر المؤمنين، فمن منكما الحي يا ترى؟، ومن منكما الميت؟
ولكن، قل لي _يا أيها الشهيدُ_: كيف قرأتَ المستقبل، واخترقتَ الزمن (رحمك الله)؟!، على ماذا اعتمدتَ في تقديرك وأنت بشرٌ مثلنا، لك طاقة التفكير المحدودة بحجم المعرفة المتداولة بين الناس؟!، أم هل سَمحتْ لك سنواتُ السجن تحتَ حراب الأعداء، وانصياع الأصدقاء بالإبحار في التجربة الفلسطينية الحديثة التي انطلقت سنة 1965م، فدرستَ مقومات بقائها، وثغراتِ ضعفها، واستطعتَ أن تنسج الثوب الفكري الواقي من رصاص التآمر والضعف؟، أم هو الإيمان الراسخ بعدالة القضية التي تمثلها أعطاك سره، وكشف عنك الحجاب، فعرفت الجواب؟، أم هو تقديرك الصحيح لطاقة شعبنا، ومكتنز قدراته التي أسهمتَ أنتَ في تفجيرها، فكانتْ عاملاً حاسماً في تحديد زمن الانتصار؟، أم هو اكتشافك وهم وزيف أعدائك، وضعف إيمانهم، وعدم تحملهم تتالي ضرباتك، وباطل فكرتهم في مواجهة الإرادة الصلدة لشعبك، وتشتت رأيهم مع ما يبدو عليهم من تماسك؟
فكيف لو لم يُكمم فمُك، وتُقيد قدمُك، ويُحصى عليك نفسُك؟!، كيف لو أُطلقتْ يدُك دون محاولات الكسر والحشر وتجسيد الإعاقة، ومحاولات الالتفاف والاستخفاف والاحتراز من العراقة؟!، لقد أدرك شارون أبعاد خطرك، وبُعدَ نظرك، فاجتهد شخصيّاً على التحديق في صورتك، وقرر تصفيتك، ولكنك سبقته، وقررت تصفية جيوب الخوف، والوهم، والفزع، والتردد والوجل، والتشكك، والمستحيل من بين صفوف الشعب الذي وثق بك، وأحبك، والتف من حولك، وافترش مبادئك، وتلحف بأهدافك، يتتبع خطاك، ويتنسم عبير مشوارك.
اليوم بعد عام على استشهادك تدهمني الذاكرة، فينتشلني الواقع من حالة الذهول، وأنا أرى، وأسمع، وأتلمس طيفك في تصريحات شارون عن الانسحاب مهزوماً من غزة، وفي حضورك _يا عبد العزيز_ في مؤتمر الحوار في القاهرة، وفي حضور صورتك البائن حتى يومنا هذا في شوارع المنصورة، والزقازيق، والإسكندرية، وكل المدن المصرية، والعربية والإسلامية، شاهداً ورمزاً، وأنت تعانق رأس الشيخ أحمد ياسين، إن تلك الصورة المعلقة على جدران القلوب لتشهد أن أريج أنفاسكم سيظل يعبق بالشرف في كل بلاد المسلمين، وأن عدوى مواقفكم الرجولية قد أصابت الشرق، وأن صدى إرادتكم يدوي في الأرض كلها، فتهتز له الآفاق، هنيئاً لك يا عبد العزيز، ما سبقتنا إليه من رضا ووفاق.
نشرت هذا المقال سنة 2005م، قبل عشر سنوات بالضبط.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

قتلى وجرحى في تفجير مبنى بقوة من لواء غولاني برفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...

الاحتلال يحول الصحافي الفلسطيني علي السمودي إلى الاعتقال الإداري
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حوّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، الصحافي الفلسطيني علي السمودي من جنين، شمالي الضفة الغربية،...

“موت ودمار لا يمكن تصوره”.. منظمة دولية تطلق نداءً لوقف النار في غزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت "منظمة أوكسفام الدولية"، نداءً مفتوحًا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، محذّرة من استمرار الكارثة...

شهيد وإصابات برصاص الاحتلال في البلدة القديمة بنابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شاب، متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحام البلدة القديمة من مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية...